نشرة الصناعات الغذائية أخبار

كيف تتغير الأسواق والأذواق مع استمرار تضخم المواد الغذائية؟

الغذائية

تغيرات كثيرة طرأت ولا تزال تستجد على الأسواق الغذائية داخل مصر خلال الفترة الأخيرة، تحديدًا منذ أن أن بدأ الغزو الروسي على أوكرانيا خلال فبراير من العام الماضي، هذه التغيرات أجبرت مؤشرات التضخم إلى بلوغ ذروتها وارتفاعها لمستويات قياسية في أسعار الغذاء.

هذا، وتبلغ الضغوط التضخمية ذروتها في العديد من الأسواق العالمية، حيث ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لكبح ارتفاع الأسعار، ومع ذلك، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة، حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكل القوة الشرائية وتحويل الإنفاق الاستهلاكي بعيدًا عن الإنفاق التقديري.

التضخم في أسعار الغذاء عند 62.9% في مارس الماضي هو ما قاد التضخم السنوي لهذه المستويات، إذ يستحوذ على النسبة الأكبر من السلة التي يُقاس عليها مؤشر التضخم العام، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التي أوضحت أن مُعدل التضخم السنوي العام في مدن مصر في مارس سجل 32.7%، عند أعلى مستوى له منذ أكثر من 5 سنوات مضت، عندما سجل 32.95% في يوليو 2017.

يأتي ذلك وسط توقعات بتباطؤ تضخم الغذاء خلال الفترة المقبلة، مع تحسن حال إتاحة المزيد من المواد الخام المستوردة عبر تخفيف حدة نقص العملة الصعبة اللازمة للإفراجات الجمركية عن البضائع المُكدسة في الموانئ، والتي يتوقف عليها بنسبة كبيرة عمليات التسعير نظرًا لاعتماد مصر على استيراد أغلب احتياجاتها من الغذاء سنويًا.

 

تحركات مُنتجي الغذاء

من خلال النظر على تحركات شركات الصناعات الغذائية المُدرجة بالبورصة المصرية، يمكننا أن نرى كيف أثر التضخم على أسواق الغذاء بشكل عام كمرآة عاكسة، وفقًا لوجهة نظر اثنين من مُحللي القطاع الغذائي، رفضا ذكر اسمهما لنشرة “F&B” من “ايكونومي بلس”.

بعض الشركات رفعت أسعارها بالتوازي مع نمو مؤشر التضخم العام الماضي بنحو 60% مثل “جهينة“، و30% مثل “عبورلاند”، بالإضافة إلى زيادة أخيرة في بداية العام الجاري، في حين رفعت شركة الدلتا للسكر أسعارها بأكثر من 40%، كواحدة من مُنتجي السلع الأساسية، قال أحمد المُحليين الذي تحدثت معهما نشرة “F&B” من “ايكونومي بلس”.

مصادر النشرة توقعت أن ترفع الشركات أسعارها من جديد خلال العام الجاري، مثل “جهينة” التي من المنتظر أن ترفع أسعارها مرة أخرى قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري بنحو 10% إضافية.

شركات الغذاء تتعامل مع زيادة تكاليف الإنتاج بطريقين، إما زيادة الأسعار أو تخفيف أوزان المنتجات، وبعض الشركات تعمل من خلال الأسلوبين معًا، لكن تختلف نسب وتوقيتات زيادة الأسعار من شركة لأخرى بحسب مدى قدرتها على تحمل الضغط عن المستهلكين، وهذا يأتي يأتي لتجنب تراجع المبيعات الذي قد يؤثر على آداء الشركة المالي، على حد قول المصادر.

أيضًا، نجد أن الشركات الغذائية الكبيرة تتوسع بشكل واضح على مستوى الحصة السوقية خلال الفترة الأخيرة، مثل شركة “عبور لاند” التي تملك ملائمة مالية كبيرة تمكنها من مواجهة أعباء تضخم التكاليف، بعكس الشركات الصغيرة التي تُمثل النسبة الأكبر من سوق المواد العذائية في مصر والتي تضرر أغلبها من الوضع الحالي للأسواق فتوقف بعضها عن الإنتاج وقلل الأخر أحجامه الإنتاجية، أوضحت المصادر.

بالفعل، استفادت شركات الصناعات الغذائية الكبيرة من زيادا الأسعار، فمثلًا، ضاعفت شركة “إيديتا للصناعات الغذائية” أرباحها خلال العام الماضي في الوقت الذي نما فيه إجمالي إيراداتها بنحو 50% فقط، فبلغت الأرباح 959.4 مليون جنيه، بينما نمت الإيرادات لتُسجل 7.7 مليار جنيه.

أيضًا، “دومتي” أو “الصناعات الغذائية العربية”، رفعت مبيعاتها هى الأخرى عند 57.2%، بواقع 5.2 مليار جنيه، وتحولت من الخسارة إلى الربحية نتائج أعمال شركة أجواء للصناعات الغذائية – مصر، بصافي ربح بلغ 8.74 مليون جنيه خلال 2022، مقابل 5.3 مليون جنيه خسائر خلال 2021، وذلك وفق نتائج الشركات المرسلة إلى البورصة المصرية.

بالقياس على هذا، يُمكن أن نرى التضخم على مستوى أسعار الغذاء بشكل عام، خاصة السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والدقيق واللحوم بجميع أنواعها الحمراء والبيضاء وما تفرع منها مثل الكبدة وبيض المائدة، وفقًا للمصادر التي تحدثت معها نشرة “F&B” من “إيكونومي بلس”.

وسجلت أسعار اللحوم مستويات قياسية هذا العام بلغت نحو 320 جنيهًا للكيلو والدواجن قفزت قرب 90 جنيهًا للكيلو قبل أن ترتد إلى 70 جنيه في المتوسط حاليًا.

ومع وضع متوسطات دخول المستهلكين في الحسبان، نرى أن الشركات التي تعتمد مبيعاتها على الفئات الأقل دخلًا ستتأثر نتائج أعمالها كثيرًا بسبب الوضع السئ مؤخرًا، بعكس الشركات التي تستهدف بيع منتجاتها للفئات الأعلى دخلًا، وإن كانت الفئات مرتفعة الدخول تمثل أقليلة في مصر ستكون الأضرار التي تقع عليها أقل تأثيرًا، بحسب تفسير المصادر.

 

آداء المستهلك

ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية أثر على قرارات المستهلكين عند شراء السلع، فأصبح التركيز على السلع الأساسية فقط تقريبًا، وأصبح المستهلكون يدفعون أكثر في مقابل مشتروات أقل.

وجهة النظر نفسها، تبنتها مؤسسة “فيتش سوليوشنز” في تقرير نشرته يناير الماضي، توقعت فيه ارتفاع إنفاق المصريين على الغذاء خلال العام الجاري بنحو 15.3%، ليتجاوز 973 مليار جنيه، لكن هذا الارتفاع لن يأتي على خلفية ارتفاع حجم الاستهلاك بقدر ما هو بسبب تضخم أسعار الغذاء نفسها، والذي قد يستمر حتى العام 2026.

في هذا الإطار، توقعت “فيتش سوليوشنز” على مدار 2023، ورغم انخفاض نمو الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي، أنه على المدى المتوسط وخلال الأعوام الثلاثة المقبلة سيتسع الإنفاق الغذائي بمعدل سنوي متوسط 11.8%، لتبلغ مبيعات السوق 1.3 تريليون جنيه بحلول 2026.

ظهرت مؤشرات جلية لذلك من خلال دراسة سريعة لمبيعات السلع غير الأساسية في موسمين، الأول شهر رمضان الأخير بالنسبة لمبيعات “الياميش”، والثاني، موسم عيد الفطر بالنسبة لمبيعات “الكعك والحلويات”، وفقًا لمصادر النشرة.

الكعك والحلويات وإن كانا من السلع غير الأساسية بالنسبة للمستهلكين، لكن يمكن من خلالهما حساب موقف المستهلكين في التعامل مع ارتفاع الأسعار، فمع نمو الطلب على سلع غير أساسية نفهم من ذلك أن الوضع العام للمستهلكين جيد، والعكس صحيح، يقول مُحلل الآداء المالي الذي رفض ذكر اسمه.

التضخم ظهر على أسواق المستهلكين عبر زيادات أسعار قياسية للياميش وكعك العيد، والتي تراوحت بين 50 و300% في الكثير من الأصناف، واتسمت أحوال المستهلكين أثناء الشراء في الموسمين بالضعف من خلال تخفيف أحجام المشتراوات بصورة كبيرة مُقارنة بالعام الماضي كمثال.

قفزت أسعار الياميش حتى 60% في موسم رمضان من العام الجاري، مُقارنة بأسعار العام الماضي، بسبب ارتفاع الدولار، وفقا لنائب رئيس شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية، مجدي توفيق.

تستورد مصر 100% من الياميش عبر مجموعة من الأسواق أبرزها تركيا، وبسبب ارتفاع سعر صرف الدولار هذا العام قلت كميات الاستيراد بشكل واضح ما دفع الأسعار لمستويات غير مسبوقة.

وقفز سعر المشمية إلى 380 جنيهًا للكيلو مقابل 220 جنيهًا العام الماضي، والزبيب المستورد إلى 120 جنيهًا مقابل 80 جنيهًا العام الماضي، والبندق واللوز إلى 260 جنيهًا مقابل 200 جنيه، والقراصية إلى 230 جنيهًا مقابل 140 جنيهًا، وذلك وفق جولة نفذتها نشرة “F&B” من “إيكونومي بلس” داخل الأسواق.

“لم أعد أهتم بعرض ياميش رمضان في المحل، فالمستهلكين لم تعد تشتري كما في السابق، لدي كميات بالتأكيد، لكنها تقل تدريجيًا بين المعروضات بصورة سنوية على مدار الأعوام الماضية بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها السوق وقلة اهتمام المستهلكين بهذه النوعية من المنتجات” قال العطار أحمد عبدالرحيم.

أيضًا، قفزت أسعار الحلويات وكعك العيد هذا العام حتى 300% في بعض الأصناف، ما دفع المبيعات للتراجع تحت 30% مقارنة بالعام الماضي، وفق جولة أجرتها نشرة “F&B” من “إيكونومي بلس”.

خلال الجولة، تعرفت “النشرة” على أحجام المبيعات في السوق، فأغلب المستهلكين قلصوا مشتراوتهم إلى 20% فقط مقارنة بأحجام العام الماضي، وذلك على خلفية تضخم تكاليف الإنتاج التي ارتدت على أسعار المنتجات، وفق ما يراه أصحاب بعض المحال التجارية في مناطق مختلفة بمُحافظات الجيزة والقاهرة والغربية.

تضخم تكاليف الإنتاج على قطاع الكعك ظهر من خلال انفلات أسعار مدخلات الإنتاج مثل السمن النباتي والدقيق والسكر التي تضاعفت أسعارها مقارنة بالعام الماضي، وفقا لصاحب سلسلة حلويات سيموندس، أحمد السقا لـ نشرة “F&B” من “إيكونومي بلس”.

السوق في الفترة الأخيرة يمر بتغيرات كبيرة وفي فترة زمنية قليلة لم يعتدها المستهلكون، لذا بالتأكيد سيلجأون لتقليص مشتراوتهم والتركيز على السلع الأساسية فقط، ما يضغط علينا كمنتجين في قطاع الحلويات، قال مدير تسويق ومبيعات حلواني الدمياطي، محمد الحسيني لـ نشرة “F&B” من “إيكونومي بلس”.

في تقريرها، قالت “فيتش” إن انخفاض الدخول وتفاوتها لدى غالبية الأسر المصرية، تزايدًا في حساسية مسايرة ارتفاع الأسعار إلى جانب انخفاض الاستهلاك الغذائي على مستوى الفرد بشكل عام، وبالتزامن مع تعريفة جمركية على معظم المنتجات الغذائية المصنعة بين 20 و30%، بالإضافة إلى ضريبة مبيعات تبلغ 14%.

شركات التصدير

يرى مُديرو التصدير في مجموعة من شركات تصدير الصناعات الغذائية، أن تضخم أزمة وأسعار الغذاء ليست محلية بشكل رئيس، لكن بعض التغيرات الاقتصادية في مصر بصورة خاصة ضاعفت من تأثيراتها السلبية على السوق ليس على المستهلكين فحسب، بل على القطاع الصناعي التصديري كذلك.

الشركات التي تعتمد على خامات محلية الصنع بنسب كبيرة ستستفيد من الوضع الحالي، لكن هذه الشركات ليست كثيرة العدد، وغالبية القطاع التصديري يحتاج لخامات مستوردة أقلها فقط التعبئة والتغليف التي قفزت أسعارها كثيرًا الفترة الأخيرة، قال محمد شكري، عضو غرفة الصناعات الغذائية.

طالما استمرت أزمة العملة الصعوبة والإفراجات الجمركية سيستمر تضخم التكاليف الإنتاجية، وسترتفع الأسعار، خاصة مع نقص الإتاحات الدولارية الحاصل في السوق، وتوقف الإفراجات لأيام طويلة، قال مُدير التصدير في واحدة من كُبريات شركات القطاع.
مُدير التصدير الذي رفض ذكر اسمه، أشار إلى النمو المتواصل لأسعار الفائدة وارتفاع تكاليف التمويل، على خلفية ارتفاع مؤشر التضخم نفسه وتراجع سعر الجنيه مُقابل الدولار، بصورة تضغط على القطاع الصناعي وتؤثر على نتائج أعماله وقدرته على تحقيق خطط النمو المُستهدفة.

وارتفع إجمالي قيمة صادرات الصناعات الغذائية في عام 2022 بنحو 0.5% وصولًا إلى 4.124 مليار دولار مقابل نحو 4.102 مليار دولار في 2021، وجاء النمو الضعيف بسبب تداعيات الغزو الروسي على أوكرانيا الذي قلص قدرة مصر على شراء الخامات الدولية على خلفية أزمة شح العملة الصعبة، ليضطر رجال الصناعة إلى تأجيل طموحاتهم في العام الماضي إلى العام الجاري، على أمل تحسن الأوضاع للقدرة على الوصول إلى 5 مليارات دولار سنويًا.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية