مقالات

مخاطر عملة فيسبوك على الأسواق الناشئة

عندما أعلنت فيسبوك عن خططها لإطلاق عملة رقمية، أكدت على أن عملتها «ليبرا» سوف تفيد «الأشخاص ذوى الأموال الأقل والذين يدفعون الكثير مقابل الخدمات المالية» خاصة فى الدول النامية، ولكن عندما نقارن خطط فيسبوك الحالية مع خبرات هذه الدول، تبدو ليبرا كخطر.
والأرجنتين على سبيل المثال تبنت تدبير نقدى فى أبريل 1991 وهو ربط قيمة عملتها البيزو بالدولار الأمريكى، ولم تصدر أى بيزو إلا مقابل الدولار، وبالتالى كان البيزو مدعوماً تماما بالعملة الخضراء الموثوقة، ما مكن الأرجنتين من إنهاء قرن من عدم الاستقرار النقدى.
وفى البداية رحبت الأسواق بالقرار ونجح هذا النظام حتى فشل بعد 10 سنوات واضطرت الأرجنتين فى البداية إلى تخفيض قيمة عملتها ثم تعويمها ما أفقدها ثلثى قيمتها فى غضون أشهر، وكانت الأزمة السياسية التى تلت ذلك عميقة للغاية لدرجة أن الدولة ترأسها 5 رؤساء فى أسبوعين، وكان تعثرها فى سداد ديون بقيمة 82 مليار الأكبر فى العالم.
وتشبه السياسة الفاشلة التى تبنتها الأرجنتين بالضبط ما تحاول فيسبوك فعله مع ليبرا، باستثناء أن ليبرا سوف تكون مدعومة بسلة من العملات الرئيسية وليس فقط الدولار، وسياسة ربط العملات المحلية بعملات أجنبية تم تجريبها فى أوقات وأماكن مختلفة وتنطبق الدروس الكثيرة التى تعلمناها من هذه السياسة على ليبرا.
ونظرا لأن ليبرا سوف تكون مدعومة بالكامل بالعملات الصعبة (وستكون الأرصدة إما فى حسابات مصرفية أو سندات حكومية)، فستكون نظريا مضادة للأزمات مثلما كان البيزو الأرجنتينى فى وقت من الأوقات، ولهذا يمكن لفيسبوك أن تدّعى أن ليبرا ستكون آمنة جدا لمستخدميها.
ولسوء الحظ، كما أظهرت تجربة الأرجنتين، فى العالم الحقيقى يمكن أن يكون ربط العملات خطيرا، وأكبر خطورة هى خفض القيمة، وسوف يحدد قيمة ليبرا وفقا لسلة العملات اتحاد بقيادة فيسبوك يطلق عليه رابطة ليبرا، وهنا سوف يتم تسيير الدوافع بطريقة خاطئة تمام، فتخيلوا أن ليبرا نجحت وحول مليارات البشر عالميا تريليونات الدولارات إلى ليبرا، فإن السماح لقيمة ليبرا بالتراجع بجزء من النسبة المئوية الواحدة سوف يخلق مكاسب رأسمالية هائلة لفيسبوك وشركائها.
وإذا بدا ذلك ساذجا للغاية (وهو كذلك) أو خالف قواعد المشرعين والمحاكم، فدعونا ننظر إلى سيناريو آخر، وهو من سيحدد الوزن النسبى للعملات فى سلة العملات التى ستدعم ليبرا؟ رابطة ليبرا.
ومجددا خبرات دول مثل الأرجنتين توحى بما قد يحدث، فإذا افترضنا أنه «لأسباب فنية»، وجب تعديل هذه الأوزان، وبالصدفة» تسببت هذه الأوزان فى رفع قيمة عملة كانت تخسر، حينها سيجد فجأة سكان الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أنهم يمكنهم شراء دولارات أقل بالليبرا، فستكون خسارتهم الرأسمالية مكسباً رأسمالياً لفيسبوك، وسيكون مكسباً ضخماً.
وربما يؤدى إدراك هذه المخاطر إلى إضافة نظام حوكمة لمشروع ليبرا يكون مصمما للقضاء عليهم، ولكن هذه التطمينات قد تكون صعبة التصديق، وسوف تظهر المشكلة التقليدية المعروفة لدى الاقتصاديين بمشكلة «التضارب مع الزمن» (وهى تغير التفضيلات مع الوقت بما يتعارض مع التفضيل الأول)، ولا يهم ما ستقوله فيسبوك اليوم، لأن دوافع كسر هذه الوعود ستكون هائلة بمجرد ان تنطلق ليبرا.
وأحد معضلات التضارب الإضافية تتعلق بكيف ستجنى رابطة ليبرا الأرباح، فسوف تجنى الرابطة فائدة على ممتلكاتها من العملات الرئيسية ولكنها لن تدفع فائدة على ليبرا، وهذا فى الواقع، ما تفعله البنوك المركزية، المصدر الحصرى للعملات، لجنى مكاسب، ولدى الاقتصاديين اسم لهذه العملية وهى رسوم سك العملات.
واليوم تعد هذه الرسوم محدودة بسبب أسعار الفائدة القريبة من الصفر على الودائع المصرفية والسندات الحكومية المصدرة بالعملات الرئيسية، ولكن ماذا سيحدث عند رفع أسعار الفائدة؟ هل ستأخذ فيسبوك الفرق ببساطة؟ أم أن المنافسة سوف تجبره وشركاءه على بدء دفع فائدة على ليبرا؟ فالمنافسة هى ما ردعت البنوك التجارية عن فرض رسوم عالية على المعاملات الدولية، وليبرا لديها الإمكانات لتصبح أكبر من أى بنك تجارى.
ويكمن الخطر الأكبر كذلك فى أنه عند مرحلة ما قد تقرر رابطة ليبرا التحول من الدعم الكلى إلى الجزئى لليبرا من خلال أصول آمنة سائلة، وسيكون من الصعب مقاومة هذا الإغراء لأن الاحتياطيات التى تدعم ليبرا سوف تجنى الكثير للغاية إذا تم استثمارها فى الأسهم الخطرة على سبيل المثال، ولكن حينها سيكون صرح ليبرا بأكمله معرضاً للمضاربات، وبالطبع، عندما يصبح نظام ليبرا أكبر من أن يفشل، سيضطر الاحتياطى الفيدرالى للتصرف كمقرض الملاذ الأخير.
وماذا بشأن الإدّعاء بأن ليبرا سوف تكون نعمة للشمول المالى فى الأسواق الناشئة والنامية؟ ربما، ولكن قد تصبح ليبرا مصدر ازعاج لهم لأن الدول الناشئة كانت تعانى منذ وقت طويل من ظاهرة الدولرة وهى ميل السكان إلى البحث عن الأمان من خلال الاحتفاظ بحسابات دولارية فى البنوك المحلية، ونظرا لأن هذه الحسابات الدولارية تمنع البنوك المركزية من التصرف كالملاذات الأخيرة للبنوك المحلية، فهى تعزز عدم الاستقرار المالى، كما أنها تجعل السياسة النقدية أقل فاعلية من خلال الحد من التأثير الإيجابى لخفض قيمة العملة على الصادرات والتوظيف.
وتتخيل فيسبوك عالما سوف يقترض فيه الناس ويقروضون بالليبرا فى النهاية، وتستخدم كذلك فى التجارة المحلية والعالمية، وبالنسبة للأسواق الناشئة سيكون ذلك بمثابة الشفاء من الدولرة للوقوع فى الفخ الأسوأ لليبرة، وإذا حدث ذلك، ستتعقد السياسات النقدية وسياسات الصرف فى الدول الناشئة ما سيطلق فترة من النمو البطيء وعدم الاستقرار المالى.
ويراهن فيسبوك على أن ليبرا سوف تخلق سوقا صاعدة، ولكن تبدو فوائد ليبرا غير مضمونة ومشروع العملة فى الأساس خطير للغاية وسوف يتطلب من الحكومات تنظيمه حتى لا يتحول إلى سرطان.

بقلم: روبيرتو تشانج
أستاذ الاقتصاد فى جامعة رتجرز ولا ولاية نيوجيرسى الأمريكية

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية