بيئة الائتمان وعصر البترول الرخيص يرسمان ملامح جديدة للسوق
الإصلاح التنظيمى والتشريعى فى السعودية يؤهلها لمنافسة دبى
بعد عقد من التحدى بالنسبة لصناعة العقارات فى دول مجلس التعاون الخليجى، ننظر إلى ما يمكن أن يتوقعه المستثمرون من السوق خلال الفترة من أغسطس 2019 إلى أغسطس 2020.
ولطالما كانت العقارات قلب الاقتصادات المحلية فى دول مجلس التعاون الخليجى بداية من دبى؛ حيث يمثل سوق العقارات 44 % من التضخم فى أسعار المستهلكين وصولاً إلى قطر؛ حيث يمثل 22%، ولا يختلف الأمر حتى فى السعودية؛ حيث يعتمد السوق بدرجة أقل على الاستثمار الأجنبى معتمداً بشكل حيوى على المستثمر المحلى.
ومع ذلك فإن الانهيار المالى فى عام 2008، والذى تلاه انخفاض أسعار البترول عام 2014، يمثل تحديات رئيسية للسوق فى المنطقة، فعلى الرغم من التقلبات المستمرة ظلت دبى واحدة من أسرع الأسواق للتكيف مع التغييرات.
وتجاوزت القيمة الإجمالية لصفقات الشراء فى سوق عقارات دبى 44.5 مليار درهم منذ بداية العام الجارى، بحسب بيانات دائرة الأراضى والأملاك فى الإمارة، وبرزت منطقة حدائق الشيخ محمد بن راشد فى صدارة صفقات شراء الأراضى والفلل والشقق السكنية.
وذهبت الحصة الأكبر من قيمة تلك الصفقات إلى سوق الفلل السكنية الجاهزة وقيد الإنجاز والشقق السكنية والتجارية إذ سجلت مبيعات تخطت 27 مليار درهم.
وقالت كارلا ماريا عيسى، كبيرة محللى الأبحاث لدى “بروبيرتى فايندر”، إنه عندما تنظر إلى سوق العقارات فى المدينة، فعليك أن تنظر إليه من عام 2003 عندما باتت الإمارة واحدة من الأوائل فى المنطقة على صعيد وضع التملك الحر للعقار ودعوة مواطنى الدول من خارج مجلس التعاون الخليجى للشراء والتملك.
ومع ذلك، فعلى الرغم من الاتجاه طويل الأجل نحو الاستثمار الأجنبى، فإنه لم يعزل المدينة عن الركود فى أعقاب ذروة العقار الأخيرة قبل خمس سنوات؛ حيث تلاها انخفاض فى الأسعار بنحو الثلث، وهو ما تشير “عيسى” إليه في تصريحاتها لصحيفة “جلف بيزنس” بأنه أشبه بنظرية “الوضع الطبيعى الجديد” أو “New Normal”.
أضافت: إنه عند النظر إلى الفترة من 2014 – 2015 انخفضت الأسعار حوالى 30- 35%، ولكن هذا ما اعتبره الوضع الطبيعى الجديد، فالناس باتت أكثر تدقيقاً وجرى تقييدهم مالياً، أيضاً، بعد الأزمة المالية فى 2008 وزاد من الحذر فى توزيع الأصول الدخول فى عصر انخفاض أسعار البترول مع الأخذ فى الاعتبار أن دبى لا تزال مدينة جديدة جداً، لكن حداثة العقارات فيها كسلعة أساسية بالنسبة للمستثمرين بدلاً من أصل حقيقى باتت قاعدة مستقرة.
ويتميز زبائن العقارات، حالياً، فى سوق دبى وكذلك أصحاب العقارات والبائعين بأنهم واقعيون عندما يتعلق الأمر بأسعار أكثر إنصافاً كما تحول لسوق للمشترين أكثر منه سوقاً للبائعين.
ولذلك يجد العديد من السكان الآن دبى مكاناً مناسباً للإقامة بأسعار معقولة أكثر من أى وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالإسكان.
**المبادرات الحكومية:
بعد تحديات 2014، عملت حكومات دول مجلس التعاون الخليجى على تطبيق تشريعات لدعم نمو واستقرار العقارات.
ويمكن متابعة أخبار العقارات فى دول مجلس التعاون الخليجى، لكن العناوين الرئيسية خاضعة لسيطرة دبى والسعودية لكن هناك الكثير من التغييرات الجارية التى سيكون لها تأثير مستمر على المدى الطويل.
وعلى سبيل المثال، أنشأت البحرين، مؤخراً، نسختها الخاصة من وكالة لتنظيم العقارات علي غرار مؤسسة التنظيم العقارى فى الإمارات العربية المتحدة (RERA)، والتى سيكون لها تأثير تنظيمى على سوق العقارات لديها، وتساعد على بناء الثقة وسيادة القانون كما تعمل السعودية أيضاً على تطوير إطارها التنظيمى لقطاع العقارات.
وأشارت كبيرة محللى الأبحاث لدى “بروبيرتى فايندر” إلى أن الاتجاه العام فى الدول الخليجية هو تعزيز الأطر القانونية والتنظيمية وكذلك التنويع فى القطاعات، وكذلك التنويع داخل القطاعات الاقتصادية نفسها.
ويعتقد عمران فاروق، الرئيس التنفيذى لمجموعة “سمانا للتطوير العقار”، أنه على الرغم من بدء هذه التغييرات التشريعية فى دول مجلس التعاون الخليجى، فإنه لا يزال هناك تباين فى نضج الأسواق المختلفة فى المنطقة.
أضاف أن السعودية تسير فى طريق الإمارات؛ حيث من المتوقع أن تشهد المملكة نمواً فى سوق الإسكان الميسر.
ومع ذلك لا يمكن للسوق السعودى فى هذه المرحلة أن يكون فى مصاف التطور لسوق دبى؛ لأنه ما زال صغيراً، ويحتاج إلى وقت للتطور، وهو ما سيحدث عندما تصبح الهيئات التنظيمية أكثر رسوخاً ما يؤدى إلى نمو ثقة المستثمرين.
ويقول هارى تيرجوينج، المدير والشريك فى شركة تيرجوينج العقارية، إنه فيما يتعلق بالإمارات فإنَّ قواعد التأشيرة الجديدة قد بثت الحياة فى السوق؛ حيث يحصل كل فرد يشترى عقارات بنحو مليون درهم على الإقامة الدائمة له وللعائلة.
وبحسب تقرير “جلف نيوز”، فإن قانون حكومة دبى بتوفير الإقامة لمن يشترى عقارات بمليون درهم خلق موجة جديدة من المستثمرين الذين اجتذبتهم هذه الحوافز؛ لأنه أمر جذاب بشكل خاص لأولئك القادمين من دول ذات جوازات سفر أضعف أو أولئك الذين يرغبون فى امتلاك سكن والعيش هناك وليس بالضرورة العمل.
وأوضح “تيرجوينج”، أنه فى الواقع لديهم بالآونة الأخيرة نوعية متزايدة من العملاء الذين يصرون على شراء العقار الذى يحقق الحد الأدنى لضمان تأشيرة الإقامة الدائمة له ولأسرته.
لكن من وجهة نظر كيرين بوبكر، المستشار المالى المستقل، والشريك الرئيسى فى هولبورن للأصول، فإنَّ استراتيجية الاستثمار البالغة مليون درهم هى شىء يؤثر على عدد صغير من عمليات الشراء فى البلاد.
وأضاف أن العديد من خيارات التأشيرة الجديدة متاحة فقط لعدد قليل من الناس، لذلك فى حين أنها مبادرة جيدة لكنه لا يعتقد أنها ستحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للكثيرين وليس للمشترى المحتمل على المدى المتوسط، لكنه يعترف بأنها تعطى بعض الراحة من حيث النظرة والاستقرار على المدى الطويل للسوق فى دبى.
وإلى جانب التغييرات فى ملكية العقارات، يشير صالح عبدالله لوتاه، الرئيس التنفيذى لشركة “لوتاه العقارية”، إلى أن الفعاليات الرئيسية على مدى الأشهر الـ12 المقبلة وخاصة فى دبى يمكن أن يكون لها تأثير إيجابى على السوق بالنسبة للمستثمرين.
وتوقع أن تؤدى الفعاليات الكبرى والمبادرات الحكومية بما فى ذلك معرض “إكسبو 2020” فى دبى واستراتيجية دبى الصناعية إلى تحول حقيقى فى العقارات.
ويضيف أن الإعلان الأخير عن نظام البطاقة الذهبية فى الإمارات قد زاد من ثقة المستثمرين فى الإمارات كمركز استثمار عالمى طويل الأجل والذى يشمل مالكى العقارات المليونية والعلماء والفنانين أصحاب القدرات الاستثنائية وقد شملت الدفعة الأولى نحو 6800 شخص لهم استثمارات بنحو 100 مليار درهم.
ومن التطورات الرئيسية الأخرى فى الإمارات تخفيف قيود الملكية الأجنبية فى أبوظبى، ولكن كما يبرز طارق إمام، شريك في الممارسة العقارية لشركة كليفورد تشانس للمحاماة، أنه على الرغم من أن تخفيف الملكية الأجنبية فى المدينة سيكون خطوة إيجابية لكنه يبقى أن نرى ما ستكون عليه التداعيات في الممارسة العملية.
●● القطاع المصرفى
أصبح الترابط بين سوق الإسكان والقطاع المالى لأول مرة واضحاً فى المنطقة خلال الأزمة المالية لعام 2008. ومع ذلك، فإن الأنظمة المحسنة على مدى العقد الماضى فى جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجى قد عزلت نفسها بشكل أفضل عن مشكلات سوق العقارات.
ويوضح زياد أبونصر، مدير شركة المسعود للتطوير، أن القطاع المصرفى أمَّن نفسه بشكل أفضل ضد دورات الهبوط وبشكل أساسى من خلال التغييرات التنظيمية.
أضاف أن الميزانيات العمومية أكثر قوة مما كانت عليه فى بداية الأزمة الأخيرة، ويمكن أن تحمى نفسها ضد أى تناقص مستمر فى قيم الأصول.
وفى الواقع، يؤكد “لوتاه”، خبير العقارات، أيضاً، على الازدواجية بين سوق العقارات والقطاع المالى، فالسوق العقارى له تأثير كبير على القطاع المصرفى ويرتبط كلا القطاعين بالآخر، فمنذ عام 2014 سجلت البنوك انخفاضاً فى القروض المتعلقة بالعقارات مع انخفاض الأسعار، ومع ذلك فإن سوق العقارات الحالى جذاب للغاية، ويمكنه دعم القطاع المصرفى ودفعه للنمو أكثر إذا استفاد الناس من هذه المخططات.
وأضاف أن أحد أكبر التغييرات التى تطرأ على الدورة الناعمة الحالية فى القطاع يمكن أن يكون مزيداً من التنظيم فمن المرجح أن تلعب الجهات التنظيمية دوراً مهماً.
ويدرس البنك المركزى فى دولة الإمارات خفض حدود قروض الرهن العقارى فى محاولة لتحفيز النشاط وفى الوقت نفسه يبدو أن شروط إقراض البنوك للمشاركين فى السوق يتم تشديدها إلى حد ما.
●● الاتجاهات الرئيسية
تؤكد ماريا عيسى، خبيرة “بروبيرتى فايندر”، أن عبارة “الفيل فى الغرفة دائماً” تنطبق على أسعار البترول، فهى الحاضر دون أن يلاحظه أحد داخل السوق العقارى عندما يتعلق الأمر بهذا الجزء من العالم الذى يعتمد على عائدات الخام لدعم ميزانيته العامة.
أشارت إلى أنه فى دول مجلس التعاون الخليجى باستثناء البحرين أى تراجع طويل الأجل فى أسعار البترول العالمية بسبب الحرب وتراجع الطلب والمتغيرات الأخرى سيكون له تأثير مباشر على المنح المالية فى هذه البلدان.
وأوضحت أن البحرين جديدة نسبياً فى تصدير المواد البترولية، وشهدت توقعات بزيادة الناتج المحلى الإجمالى نتيجة ذلك.
ومع ذلك فمن الجيد عموماً أن يرى العالم اقتصادات مثل دبى والآن أبوظبى وبالطبع المملكة العربية السعودية تنوع اقتصاداتها حتى يكون لها مستقبل أكثر استقراراً لا يعتمد إلى حد كبير على نجاح قطاع واحد.
وتابعت أنه نظراً إلى أسعار البترول التى تؤثر على الإنفاق الحكومى والاستهلاكى على حد سواء، فإنَّ القدرة على الإنفاق على البناء والعقارات تعانى خسائر كبيرة وغير محتملة فى بعض الأحيان.
ونوهت “عيسى” بأنه على الرغم من أن العقارات الفاخرة تضع عقارات دبى على الخريطة العالمية، لا يستطيع الكثيرون تحمل أسعار معظم الممتلكات الموجودة بالفعل فى وقت كان الاتجاه الرئيسى هو دعم القدرة على تحمل التكاليف وذلك ببساطة لأن الكثيرين يقيمون لأكثر من عامين هناك ويريدون امتلاك عقار طوال فترة الإقامة.
ومع ذلك، فإن إحدى العقبات الرئيسية التى تحول دون ملكية العقارات فى المدينة، تظل الدفعة الأولى المطلوبة، وفقاً لقواعد البنك المركزى لدولة الإمارات وهي قاعدة تمثل سيفاً ذا حدين؛ حيث تعتبر الدفعة الأولى البالغة 25% عائقاً كبيراً أمام الدخول فى السوق ولكنها توفر أيضاً تنظيماً حيوياً لتجنب التقلبات الكبيرة.
●● المنطقة الوسطى
تعتبر أهم النتائج الرئيسية، خلال السنوات الخمس الماضية، هى أن المطورين العقارين بدأوا يركزون أكثر على احتياجات الجزء الأكبر من السوق القابعين فى المنطقة الوسطى من المستهلكين.
وبحسب تقرير “جلف بيزنس”، فإنه جزء مهم من تطور السوق؛ حيث يركز المشغلون على عروضهم بشكل أكبر على حقائق الطلب وقد ركز سوق مبيعات التملك الحر بشكل تقليدى على قمة الرفاهية مع إهمال القسم الأوسط الذى يحتمل أن يكون أكثر ضخامة.
وفى واقع الأمر، فإن الانتقال إلى أرضية متوسطة يعد أخباراً إيجابية للمستثمرين كما يقول “تيرجوينج” فهناك العديد من الخيارات الجديدة بأسعار معقولة للمشترين الآن ويمكن شراء منزل من ثلاث غرف نوم مقابل مليون درهم، وهو ما لم يكن متاحاً فى الماضى.
ويؤكد نافال فوهرا، المدير الإدارى لشركة “أبيللو للعقارات”، أن المستهلكين أصبحوا أكثر حساسية للسعر فلأول مرة يشهد السوق المحلى تحولاً من إقبال المستثمرين إلى المستخدمين النهائيين ومشترى المنازل لأول مرة، لذلك حتى المطورون بدأوا يركزون على المزيد من المساكن بأسعار معقولة مثل المنازل والشقق بمساحات أقل.
وأضاف أن السوق فى جزء بسيط من دورته ويحتاج إلى خبراء يدرسون طبيعة تفكير الزبائن ويدركون ذلك تماماً ونتيجة ذلك أصبح هناك مرونة أكثر من خلال تقديم أشياء مثل الإعفاءات من رسوم التسجيل وخطط الدفع بعد التسليم وخطط الإيجار المنتهى بالتملك وحتى الإعفاءات من رسوم الخدمة، وهو ما لم يكن عليه الحال بالتأكيد فى الماضى.
وعلى الرغم من الزيادة فى العقارات بأسعار معقولة وحوافز الشراء فما زال هناك العديد من التحديات التى تواجه النجاح فى الحصول على أصول مناسبة فى بعض دول مجلس التعاون الخليجى خاصة قيود الملكية الأجنبية وتقسيم المبانى بجانب التحدى الآخر هو تمويل الاستثمار.
وتخلق أوضاع السوق فرصاً فى قطاعات معينة للمعاملات بأسعار جذابة، أو لتأمين صفقات وحوافز أفضل لكن من الصعب جداً على المقيم العامل أن يتحمل التكاليف المدفوعة مقدماً للملكية فى كثير من بلدان الخليج.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يتطلب مزيداً من العمل بسبب خيارات الملكية الصعبة أحياناً والمدفوعات المقدمة، فإن الوقت لا يزال مناسباً للحصول على صفقة جذابة.
وأهم ما يستفيد به المستثمرون، حالياً، هو التزام المطورين الجادين الذين يمكنهم توفير خيارات ملكية أسهل وتقديم المنتجات الجاهزة والدعم المطلوب بعد الملكية ما يجعل الأمر يستحق الاستثمار.
وفى النهاية، يجب تخفيف متطلبات الرهن العقارى؛ حيث يحصل المشترون على تمويل عقارى بصعوبة بالغة من البنوك.
وإذا قدم المطورون خطة سداد مريحة للمشترين بمساعدة المؤسسات المالية أو البنوك، فإنَّ سوق العقارات فى المنطقة سيشهد طفرة غير مسبوقة وسيصبح مستداماً اقتصادياً.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا