مقالات

محمد العريان يكتب: أوروبا تحتاج نهجاً مختلفاً لقيادة صندوق النقد الدولي

بعد الموافقة على قائمة قصيرة من المرشحين لخلافة كرستين لاجارد كرئيس صندوق النقد الدولى، يتعين على الحكومات الأوروبية الإعلان عن مرشحهم بنهاية الأسبوع الحالى، ولكن ما ينبغى عليهم القيام به فعلاً هو دعم الترشيح القائم على الجدارة للمرشحين من داخل أو خارج أوروبا، بجانب تحسين عملية التدقيق اللازم، وإلا سوف يخاطر صندوق النقد الدولى بمزيد من الأضرار لمصداقيته فى الوقت الذى قد يُطلب منه قريباً أن يقلص الأضرار من الأزمات المالية وحروب العملات المحتملة.
ودعونا فى البداية ننظر إلى السياق التاريخي، فمنذ تأسيس صندوق النقد الدولى والبنك الدولى منذ 75 عاماً، مال الأعضاء بقيادة الدول الأوروبية وأمريكا إلى نهج يقوم على الجنسية.
وجرت العادة أن يتولى أمريكى رئاسة البنك الدولى، وأوروبى قيادة صندوق النقد. وهذه النتيجة كانت معقولة من الناحية التشغيلية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفى الواقع ساعدت هذه المؤسسات على ترسيخ نفسها.
ولكن أصبح هذا النظام غير مثمر، خصوصاً بعدما أصبح الاقتصاد العالمى متعدد الأقطاب، كما يفقد هذا التقليد المزيد من المصداقية فى كل مرة تفضل فيها الحكومات الأوروبية مرشحاً سياسياً بدلاً من ذوى الخبرة الفنية والمهنية، بما فى ذلك بعض المرشحين الذين كانوا يتطلعون للحصول على المنصب حتى يحصلوا على منصب أكبر عندما يعودون لأوطانهم.
وقامت المؤسستان تحت ضغوط متزايدة داخلية وخارجية بمحاولات غير جدية تماما للإصلاح، وأنا أتذكر مطالبتى فى عام 2004، بجانب اقتصاديين يحظون باحترام كبير وخبراء سياسيين مثل أندرو كروكيت وستانلى فيشر، بالعودة، ووضع أسماءنا ضمن المرشحين المستقبلين لقيادة صندوق النقد، ولم يكن الهدف حينها أن نحل محل المرشح الأوروبى فى هذا الوقت – وهو أمر مستحيل – وإنما لتشجيع المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى على إجراء مقابلات لهذا المنصب. وكنا نأمل أن خطوة بسيطة كتلك سوف تساعد على تحريك المؤسستين تجاه نظام يقوم أكثر على الجدارة والشفافية والشمولية.
وتطورت هذه العملية بالتأكيد، لتضمن بعض المكونات الرئيسية التى كانت ناقصة من قبل وهى ليست فقط إجراء مقابلات للوظيفة وإنما وضع وصف وظيفى أيضاً.
وقيل أيضاً، إنه تم إجراء تدقيق فى خلفيات المرشحين (رغم أنه تبين فيما بعد أن بعض المختارين لديهم مشكلات كان من المفترض أن تظهر بسهولة فى أى عملية تدقيق طبيعية، ناهيكم عن الفحص الأمنى عالى المستوى المتوقع إجراؤه بالنظر إلى المعلومات الحساسة التى يطلع عليها من يتولى هذا المنصب)، ومع ذلك وبعد 15 عاماً، سيتفق معظم الأشخاص فى أن هذه العملية لاتزال بطيئة بشكل محبط، وبدلاً من تسريع الإصلاحات، يتعين على أوروبا وأمريكا تعديل نهجها بطريقة تحفظ لهما مكانتهما التاريخية.
وفى حالة صندوق النقد الدولى، كان ذلك يتضمن اختيار مرشح أوروبى فى بداية فترة الترشيح ثم تبدأ أوروبا بالضغط على الدول الأخرى لضمان دعمها قبل ترشيح أى مرشح آخر، ومما لا يثير الدهشة، أن فشلت محاولات جنسيات العالم الثالث فى التمثيل بالانتخابات، وبعدما رأوا ما آلت إليه «مسابقات» القيادة فى السنوات الاخيرة، لا يرى المرشحون الخارجيون أى جدوى من الدخول فى عملية لا تعطيهم أى فرصة حقيقية للفوز، رغم أن ذلك ليس خطأهم.
وهذه المرة، استغرقت أوروبا وقتاً أطول للاستقرار على مرشح، لأن أكثر المرشحين تأهيلاً غير أوروبيين بالقدر الكافى، ووفقاً لما قاله بعض المسئولين بشأن القائمة القصيرة.
فقد تخطت عملية الاختيار، بالفعل، بعض أفضل الاقتصاديين المخضرمين (مثل محافظ البنك المركزى البريطانى، مارك كارني، والمحافظ السابق للمركزى الهندى، راجورام راجان، ونائب رئيس وزراء سنغافورة ثارمان شانموجاراتنام)، الذين كانوا ليحصلوا على احترام فورى.
ومثل انتخابات البنك الدولى أوائل العام الحالى التى لم يعترض فيها أحد على المرشح الأمريكى، سيتم تسليم قيادة صندوق النقد الدولى بلا منافسة لمرشح أوروبى، وهذا لن يساعد مؤسسة تواجه أزمة ثقة بالفعل بين عدد قليل من الدول فى وقت حساس بشكل خاص للاقتصاد العالمى، وتخضع فيه تعددية الأطراف ككل لقوى مركزية متزايدة، ويضعف فيه التنسيق السياسى حول العالم على نحو غير معتاد، وتزداد فيه تهديدات حروب العملات ما يضيف على التوترات التجارية، ويزيد الاعتماد المطول على السياسات النقدية غير التقليدية احتمالات الأزمات المالية فى دول فردية، وكذلك احتمالية صدمة نظامية.
وفصّل صندوق النقد الدولى فى نشرة أصدرها فى الذكرى الـ75 لتأسيسه الحاجة الملحة لتغيير العديد من العمليات الداخلية، بجانب تعزيز الموارد المالية.
وفى هذه المرحلة، من غير المتوقع بشدة أن تتبنى أوروبا نهجاً أكثر موثوقية، إما من خلال الترشيح بناءً على الجدارة أو من خلال الامتناع عن الترشيح تماماً وتفتح مساراً أصيلاً للآخرين، ولكن الحكومات الأوروبى قد تقود مبادرة خلال الـ100 يوم الأولى لفترة رئاسة الرئيس الجديد وتجعل أحد اهدافها تطبيق تغييرات لعملية الاختيار لتقليص اختيار أحادى الطرف قائم على الجنسية فى المستقبل.
ويتعين على أوروبا القيام بذلك ليس فقط لمصلحتها الخاصة، وإنما أيضاً لضمان استجابة متعددة الأطراف أكثر موثوقية وفاعلية، حال ثبُت أن الأحوال المالية العالمية الفضفاضة على نحو غير معتاد، وضعف النمو هم الهدوء الذى يسيق العاصفة الاقتصادية والسوقية.

بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية