مقالات

محمد العريان يكتب: الطريقة الأذكى للاستثمار فى الأسواق الناشئة

لا يوجد طريق سهل لأغلب الاقتصادات الناشئة للتعويض سريعاً عن تأثير تباطؤ النمو فى العالم المتقدم والتوترات التجارية
معظم الدول الناشئة لديها خيارات محدودة فى الاستجابات السياسة الداخلية ما يعرضها لضغوط سياسية واجتماعية

فيما يلى حقيقة مذهلة: منذ بداية العام، تفوق مؤشر «ستاندرد آند بورز» للأسهم الأمريكية عن نظيره للأسواق الناشئة بنسبة %15 كاملة.
وفى ظل هذا التباين، ومع التركيز الأسبوع الماضى على الرياح المعاكسة التى تواجه «ستاندرد آند بورز»، قد يشعر المستثمرين طويلى الأجل بالإغراء لتحويل مخصصاتهم إلى أسهم وعملات الأسواق الناشئة بحثاً عن إمكانات النمو، ولكن من الأفضل أن ينظروا عن كثب إلى المحركات الكامنة قبل أن يتصرفوا وفقاً لهذا الإغراء وينقلوا كميات كبيرة من الأموال.
ويتضائل مدى تفوق مؤشر «ستاندرد آند بورز» العام الجارى على مؤشر «إى إى إم» – وهو مؤشر للأسواق الناشئة لبنك «مورجان ستانلى كابيتال إنترناشونال» وصندوق المؤشرات «آى شارز» المملوك لصندوق «بلاك روك» – عند مقارنته بما حدث على مدار فترة أطول.
فمنذ نهاية ديسمبر 2012، ارتفع «ستاندرد آند بورز» بنسبة %105، بينما تراجع «إى إى إم» بنسبة %10، وهذا التباين يتناقض بحدة مع افتراضات يتبناها الكثيرون، مثل التقارب الاقتصادى والمالى على المدى الطويل بين الدول المتقدمة والنامية، وأن تأثير السيولة التى تضخها البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمة على أسعار الأصول تظهر بشكل واضح نتيجة تدفقها إلى الأسواق المالية الأصغر فى العالم النامى.
وبشكل عام، يمكن إرجاع الأداء الضعيف لمؤشر «إى إى إم» لخمسة عوامل، الأول تآكل فاعلية الإصلاحات الاقتصادية فى دول بعينها وتعد البرازيل المثال الأبرز، والثانى، الضغوط لحذو حذو الولايات المتحدة فى التشديد النقدى عندما فعل الفيدرالى ذلك من 2015 حتى 2018.
والثالث، التدفقات الاستثمارية الكبيرة إلى الأسواق الناشئة والتى تتضمن «تدفقات مؤقتة» كبيرة من المستثمرين الذين كانوا أقل انجذاباً لأصول الأسواق الناشئة بدافع من فهمهم للأسس الاقتصادية والفنيات، وفى نفس الوقت أكثر اندفاعاً للاسثمار فيها بسبب انخفاض العائدات وارتفاع التقييمات فى موطنهم الاستثمارى الطبيعى أى العالم المتقدم.
والرابع، الارتفاع المتواصل فى الدولار، والأخير الحساسية الأكبر بكثير تجاه التوترات التجارية، وتباطؤ النمو العالمى والعملية التدريجية للتحول عن العولمة، وكل ذلك تسبب فى تآكل فاعلية البنوك المركزية.
ولم تشعر جميع فئات أصول الأسواق الناشئة بنفس التأثير، وكانت مؤشرات السندات السيادية المقومة بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى الأقل معاناة، بينما تضررت بشدة الأسهم المحلية والأصول الأخرى المعرضة للعملات المحلية.
وبعد تراجعها لهذا المدى، تبدو أغلب الأجزاء سيئة الأداء فى الأسواق الناشئة جذابة الآن وفقاً لمجموعة من المعايير التاريخية، وبالتأكيد لا يمكن استبعاد احتمالية ارتفاع فئة أصول ما، والتى كانت تاريخياً تتأرجح بين الصعود والهبوط بحدة، ولكن هناك 3 قوى تقلل من احتمالية صعودها.
الأولى، أنه لا يوجد طريق سهل لأغلب الاقتصادات الناشئة للتعويض سريعاً عن تأثير تباطؤ النمو فى العالم المتقدم والتوترات التجارية المطولة، حتى الأكثر مرونة بينهم مثل سنغافورة تواجه تحديات فى النمو لأنها أيضاً الأكثر انفتاحاً، وبالتالى، سيواجهون على الأرجح فى المدى القريب تراجع فى الطلب وشروط تجارية غير محببة بجانب اسثمارات أجنبية مباشرة متفاوتة.
والقوة الثانية، هى أن معظم الدول الناشئة لديهم خيارات محدودة فى الاستجابات السياسة الداخلية ما يعرضهم لضغوط سياسية واجتماعية، وفى ظل تأخر الإصلاحات الهليكية والمؤسسية، فإن تكلفة تدابير التحفيز قصيرة المدى بعيدة كل البعد أن تحظى بدعم، وفى نفس الوقت، تبدو تدابير اﻹصلاح طويلة الأجل ذات تكاليف أكبر على المدى القصير لا يتحملها أى نظام سياسى إلا إذا كان مجبراً بسبب أزمة مالية، ونتيجة لذلك، فإن النيجة الأرجح هى تأجيل الاستجابات السياسية ومواجهة عدداً متزايداً من الدول نوبات عدم الاستقرار المالى.
والقوة الأخيرة، لايزال هناك «أموال مؤقتة» محبوسة فى بعض فئات الأصول والتى على الأرجح ستهرب فى حال حدوث أى ارتفاع ذو معنى فى الأسعار، وقاعدة المستثمرين طويلى الأجل فى الأسواق الناشئة ليست كبيرة بما يكفى للتعويض عن مثل هذه التخارجات بشكل سريع ومنظم.
وهذا لا يعنى أنه لا يوجد فرص طويلة الأجل، فأنا أعمل مستشاراً لشركة «جراميرسى» التى تدير أصول فى الأسواق الناشئة، ومن بين الاستراتيجيات التى تطبقها الاستثمار فى الأصول الرخيصة التى تكون مضمونة بالموارد الطبيعية وتحوطات أو يمكن هيكلتها لتكون كذلك، وأيضاً الإقراض المباشر بسعر جذاب لأسماء مضمونة بضمانات مختلفة.
وكذلك البحث عن فرص رخيصة يكون تراجع أسعارها عائداً إلى مخاطر اقتصادية تفاقمت بسبب نقص السيولة مثل الأرجنتين فى الأسبوع الماضى أو نحو ذلك، وأخيراً الجمع بين الفرص طويلة وقصيرة الأجل ذوى المخاطر المختلفة، ولكن على أن تكون خاضعة للتأثيرات الفنية عبر فئة الأصل.
وسيأتى الوقت الذى يمكن فيه تخصيص الأموال للأسواق الناشئة بشكل عام عبر المؤشرات المختلفة وصناديق الاستثمار وغيرها من المنتجات السلبية، ولكن بالنسبة للمستثمرين طويلى الأجل هذا الوقت لم يحن بعد، ومن الأفضل بالنسبة لهم أن يركزوا على الاستراتيجيات الأكثر تحديداً.

بقلم: محمد العريان

مستشار اقتصادى لمجموعة أليانز ورئيس كلية «كوينز» بجامعة كامبريدج

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية