مقالات

تذكروا الأسباب الجيدة وراء ارتفاع عائدات السندات!

قوى جيدة هى ما قادت هذه الظاهرة، نظراً لأن ارتفاع العائدات يعكس زيادة الثقة فى آفاق النمو والتضخم

جذب ارتفاع الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية كثيرا من الاهتمام، رغم أنه شىء مفترض توقعه منذ وقت طويل.

وألقى البعض باللوم على هذا الارتفاع فى البيع العنيف للأسهم، وأطلقوا تحذيرات بأن نهاية السوق الصاعد لن تقف عند السندات وإنما ستشمل الأسهم أيضاً، وهذا بدوره سوف يشعل المخاوف بشأن سوق الإسكان، وتمويل الشركات، والاستقرار المالى والنمو الاقتصادى.

ومع ذلك، يعد الارتفاع فى عائدات السندات على الأرجح جزءا من تطبيع اقتصادى ومالى أوسع وسليم، والذى سيساعد أمريكا والدول المتقدمة الأخرى على قلب صفحة سنوات الانحصار فى النمو المنخفض وغير الشمولى بالقدر الكافي، كما جادلت فى مقال لى الشهر الماضى.

وهناك 4 أسباب لهذا التصور:

الأول.. أن ارتفاع العائدات لم يقتصر على أمريكا وحدها، وإنما هو جزء من ظاهرة تضمنت مواكبة العائد على سندات الحكومة الألمانية وتيرة نظيرتها الأمريكية، وهربت السندات الألمانية لأجل 5 سنوات من عالم الفائدة السلبية الذى تاهت به لسنوات عديدة، وهو ما ساعد على تحسين منحنى العائد الذى أدى استواءه إلى استنتاج البعض استنتاجاً خاطئاً بأن النمو الاقتصادى سينحرف عن مساره.

والثانى.. والأكثر أهمية أن قوى جيدة هى ما قادت هذه الظاهرة، نظراً لأن ارتفاع العائدات يعكس زيادة الثقة فى آفاق النمو والتضخم، وليست ناتجة عن خطأ فى السياسة النقدية أو تدهور النظرة لمخاطر الائتمان السيادى، ولذلك تعد الولايات المتحدة جزءاً من تحسن متزامن فى النشاط الاقتصادى العالمي، المدعوم بتطبيق تدابير مالية داعمة للنمو وتخفيف فى القواعد التنظيمية، بالإضافة إلى تزايد احتمالات دفع استثمارات البنية التحتية للنمو.

وفى الوقت نفسه، يواصل البنك المركزى الأمريكى – كما بدا فى اجتماعه الأسبوع الماضى – «التطبيع الجميل» للتدابير غير التقليدية، وتستوعب الأسواق بشكل أسرع التوجيهات السياسية الرسمية بشأن الفائدة والتضخم.

والثالث.. أنه رغم ارتفاع العائدات العام الجارى، إلا أنها لاتزال عند مستويات منخفضة تاريخياً، وفقاً للكثير من المقاييس، كما أنها أقل بكثير من مستواهم الطبيعى مقارنة بمعدلات النمو والتضخم الحالية والمتوقعة، ومن المستويات المتوقعة وفقاً للارتباطات التاريخية بين فئات الأصول، وتذكروا أن العام الماضى، تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات رغم ارتفاع الأسهم، وصعود «ستاندرد آند بورز» بنسبة %20.

والسبب الأخير.. أنه من غير الواضح إذا كان التحرك فى العائدات سيكون بالضرورة بداية عملية إعادة تسعير كبيرة وغير منظمة لأسواق الدخل الثابت، وتشير تصريحات محافظ البنك المركزى اليابانى، هارويكو كورودا، ورئيس المركزى الأوروبى، ماريو دراجى، إلى أنه رغم تحسن الاقتصادات المحلية، لن يتعجل أى منهما فى وقف الدعم غير التقليدى لأسواق الأصول.

وتوحى هذه النقاط الـ4 إلى احتمالية أقوى بكثير لمواصلة عائدات السندات ارتفاعها كجزء من الهيكل الاقتصادى الجديد والأفضل للاقتصادات المتقدمة، وهذا لا يعنى أن ذلك سيتم بدون ألم أو إعادة تسعير فى بعض الأسواق، وبالطبع سيظل هناك مخاطر للنمو المستدام والاستقرار المالى.

وسترفع الأوضاع المالية الأكثر تشدداً وتقلباً، تكلفة الرهون العقارية والتمويل للشركات، وتجعل الحياة أكثر صعوبة لقطاعات معينة من الاقتصاد مثل شركات بناء وتحسين المنازل الحساسة تجاه أسعار الفائدة،

وتأتى هذه التطورات فى وقت ترتفع فيها الحاجات التمويلية للحكومة الأمريكية، ولكن من وجهة نظر اقتصادية أكثر اتساعاً، فإن هذه العقبات سوف تبدو صغيرة بالمقارنة بمميزات النمو الأقوى والأكثر شمولية المدفوع بالاستثمارات التجارية الأعلى وارتفاع دخول الأسر.

كما ان النمو القوى سيساعد على معالجة الأضرار الجانبية الناتجة عن الاعتماد المطول على التدخل غير المعتاد للبنوك المركزية فى الأسواق، ففى أوروبا على سبيل المثال، تضمنت الاضرار الجانبية تراجع العائدات إلى مستويات سلبية اسمية وهو ما تسبب فى تآكل التكامل الهيكلى للأسواق، وقوض توافر وسائل الحماية طويلة الأجل مثل التأمين على الحياة ومنتجات التقاعد.

وبالنظر إلى انخفاض التقلبات بشكل استثنائى فى 2017 وارتفاع الأسعار على نحو محبب، لا يثير الدهشة أن موجة البيع فى الأسواق تجذب كل هذا الاهتمام.

ومع ذلك، فإن تصورات المستثمرين التى عززتها التطورات الحميدة العام الماضى، هى ما عزز احتمالات الانفجار المفاجئ فى الأسواق، وفى ظل مواصلة الأسس الاقتصادية فى التحسن، فإن مخاطر امتداد الاضطرابات إلى الاقتصاد والنظام الماى ككل سوف يتم احتوائها على الأرجح.

بقلم: محمد العريان

كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية