انسحب عمال الأرصفة من العمل في جميع الموانئ الرئيسية على السواحل الشرقية والخليجية للولايات المتحدة، مُعلنين بداية أول إضراب شامل منذ عام 1977، بحسب بلومبرج.
هذا الإضراب، الذي بدأ في منتصف الليل بتوقيت الساحل الشرقي، قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تتراوح بين 3.8 و4.5 مليار دولار يوميًا، وفقًا لتقديرات بنك “جي بي مورجان”، مما يهدد باضطرابات سياسية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية.
شلل في موانئ رئيسية ومخاوف اقتصادية
تشمل الموانئ المتأثرة بالإضراب موانئ رئيسية تمتد من هيوستن في الجنوب إلى نيويورك – نيوجيرسي في الشمال، وهي موانئ تمتلك القدرة على معالجة نصف حجم التجارة الأمريكية.
مع بدء الإضراب، توقفت شحنات الحاويات والسيارات بشكل كامل، مما أثار حالة من القلق الشديد لدى المستوردين والمصدرين على حد سواء.
في حين أن بعض القطاعات مثل الشحنات العسكرية وإمدادات الطاقة والشحنات السائبة لن تتأثر بالإضراب، إلا أن الأثر الأكبر سيُلاحظ في البضائع التجارية.
يُعزى هذا الإضراب إلى النزاع بين “الاتحاد الدولي لعمال الأرصفة” (ILA) و”تحالف البحريات الأمريكية” (USMX) الذي يمثل مشغلي المحطات البحرية.
يطالب العمال بزيادة الأجور وإلغاء البنود المتعلقة بالأتمتة التي تهدد مستقبل وظائفهم.
انتهى العقد السابق الذي امتد لست سنوات في منتصف ليل الأول من أكتوبر، دون التوصل إلى اتفاق جديد، ما دفع الاتحاد إلى تنفيذ تهديده بالإضراب.
انعكاسات الإضراب على الاقتصاد الأمريكي
يأتي هذا الإضراب في وقت حساس للغاية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي لا يزال يتعافى من تداعيات جائحة كورونا ويواجه تحديات جديدة نتيجة ارتفاع التضخم واضطراب سلاسل التوريد.
يؤكد المحللون أن تأثير هذا الإضراب سيتجاوز الحدود الجغرافية للموانئ، إذ أن تراكم العمل في الموانئ الرئيسية نتيجة توقف الشحنات سيتطلب وقتًا طويلًا لتجاوزه، حيث يُقدر أن يستغرق نحو شهر للتعافي من إضراب يستمر لأسبوع واحد فقط.
حذر العديد من الاقتصاديين، من أن الإضراب قد يزيد من الضغوط التضخمية في البلاد، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد وزيادة الطلب على المنتجات الاستهلاكية.
قالت غريس زويمر من أوكسفورد إيكونوميكس: “الاضطراب في الموانئ سيزيد من تكاليف الشحن ويؤخر التسليمات، مما سيؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية، وهو ما سيؤثر في نهاية المطاف على المستهلكين”.
البيت الأبيض بين دعم النقابات وضغوط القطاع التجاري
على الصعيد السياسي، يواجه الرئيس جو بايدن معضلة كبيرة في التعامل مع هذا الإضراب.
فمن جهة، يعزز بايدن موقفه كداعم للنقابات العمالية وحقهم في التفاوض الجماعي، ومن جهة أخرى، تُمارس عليه ضغوط كبيرة من مجموعات الأعمال والتجارة للتدخل وفرض إنهاء الإضراب، خوفًا من تأثيراته الكارثية على الاقتصاد الأمريكي.
رغم هذه الضغوط، أعلن بايدن أنه لن يستخدم سلطاته بموجب القوانين الوطنية للأمن لإجبار العمال على العودة إلى الموانئ، معتبرًا أن النزاع يُعتبر مسألة تتعلق بالتفاوض الجماعي.
أعرب عن أمله في أن يتمكن الطرفان من الوصول إلى اتفاق قبل تفاقم الأزمة، مؤكدًا أن البيت الأبيض قد تواصل مع الطرفين خلال عطلة نهاية الأسبوع لتحقيق تقدم في المحادثات.
دعوات لتفعيل قانون تافت-هارتلي
تزايدت الدعوات من مجموعات التجارة والنقل إلى تفعيل قانون “تافت-هارتلي” الذي يمنح الرئيس صلاحيات للتدخل في النزاعات العمالية التي تهدد الأمن القومي.
كتبت سوزان كلارك، الرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة الأمريكية، رسالة إلى بايدن تطالبه بالتدخل لمنع الإضراب، قائلة: “سيكون من غير المقبول السماح لخلاف تعاقدي بإلحاق مثل هذه الصدمة باقتصادنا”.
إلا أن زعيم الاتحاد هارولد داجيت، حذر البيت الأبيض من التدخل، مشيرًا إلى أن أي محاولة لإجبار العمال على العودة إلى العمل قد تؤدي إلى تباطؤ إضافي في عمليات الشحن.
أضاف أن عمال الأرصفة قد يعملون بطاقة أقل بكثير إذا فُرض عليهم العودة إلى العمل، مما سيزيد من تأخير الشحنات ويضاعف من تأثيرات الإضراب.
نقل البضائع قبل الموعد النهائي
في ظل التهديد الوشيك للإضراب، حاول العديد من المستوردين والمصدرين تقليل تأثيراته من خلال نقل شحناتهم عبر موانئ الساحل الغربي أو تقديم مواعيد الشحنات قبل الموعد النهائي للإضراب.
كما قامت محطات الموانئ بتقليص عملياتها مع اقتراب منتصف الليل، وسحبت السكك الحديدية أيضًا بعض خدماتها استعدادًا للإضراب.
قال وزير النقل بيت بوتيجيج في مقابلة مع تلفزيون بلومبرج: “لا يوجد بديل حقيقي لعودة الموانئ إلى العمل في أقرب وقت ممكن”، مشيرًا إلى أن استمرار الإضراب سيضعف قدرة الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على استقرار سلاسل التوريد.
سيناريوهات مستقبلية
على الرغم من التدخلات التي قد تحدث على مستوى الحكومة الفيدرالية، يعتمد مدى تأثير هذا الإضراب بشكل كبير على المدة التي سيستمر فيها.
كلما طال أمد الإضراب، زادت الآثار الاقتصادية السلبية على التجارة الوطنية والدولية.
إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب، فقد يُضطر البيت الأبيض إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة للحيلولة دون وقوع أزمة اقتصادية أعمق.
يبدو أن هذا الإضراب قد يكون مجرد بداية لمزيد من الاحتجاجات المستقبلية، حيث يشعر العمال بقلق متزايد من تأثيرات الأتمتة على وظائفهم ومستقبلهم المهني.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا