أخبار

لماذا على المصريين القلق من الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

ربما تبدو الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين للبعض، معركة اقتصادية كبرى تدور رحاها بعيدا عن حدود مصر.

لكن الحقيقة، أن ما يجري في واشنطن وبكين، لا يتوقف أثره عند ساحة التبادل التجاري بين العملاقين، بل يمتد ليضرب الأسواق الناشئة، وعلى رأسها السوق المصري.

مع تصاعد التوتر، وفرض رسوم جمركية غير مسبوقة من الجانبين، وصلت إلى 125% من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المنتجات الصينية، بعد رد صيني بتعريفات بلغت 84% على نظيرتها الأمريكية، بدأ التأثير يُلمس مباشرة في القاهرة، حتى وإن لم يظهر على السطح بعد.

خروج الأموال الساخنة.. أولى الإشارات الحمراء

في اجتماع الحكومة الأسبوعي، لم يتردد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، في ربط ما يحدث على الساحة العالمية بما بدأ يُلاحظ محليًا.

أكد أن الحكومة رصدت خروجًا ملحوظًا للأموال الساخنة من السوق المصري، خلال يومي الأحد والاثنين، 6 و7 أبريل 2025، في استجابة فورية لتصاعد الحرب التجارية العالمية.

هذه الأموال – التي تتنقل سريعا بين الأسواق بحثا عن الأمان والعوائد المرتفعة – تعتبر أول المؤشرات على تأثر الاقتصاد المحلي بالتقلبات الخارجية.

مع كل توتر عالمي، يزداد عزوف المستثمرين عن الأسواق الناشئة، ويزداد الضغط على العملة المحلية واحتياطي النقد الأجنبي.

ارتفاع أسعار الذهب محليا.. حين يلجأ العالم إلى الملاذ الآمن

مع كل قلق دولي، تتوجه الاستثمارات إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.

تقول مؤشرات السوق المحلي، إن أسعار الذهب في مصر، شهدت ارتفاعات حادة خلال الأيام التي تلت إعلان التعريفات الأمريكية والصينية، مدفوعة بزيادة أسعار الذهب عالميا، وبتراجع قيمة الجنيه في السوق المحلية.

وفقا لمؤشرات السوق، بلغ سعر جرام الذهب من عيار 21 نحو 4465 جنيها، في نهاية تعاملات يوم الأربعاء 9 أبريل 2025، ارتفاعا من 4420 بنهاية تعاملات 31 مارس 2025.

أيضا زاد سعر جرام الذهب من عيار 18 إلى 3827 جنيها، ارتفاعا من 3788 جنيها بنهاية تعاملات آخر يوم من شهر مارس الماضي.

هذه الزيادات في أسعار أشهر أعيرة الذهب في السوق المصرية، توضح حجم الفرق بين الأسعار، قبل وبعد تطبيق الرسوم الجمركية، التي أعلنها ترامب.

في مجتمع يعتمد بشكل كبير على الذهب – كوعاء ادخار تقليدي – يمثل هذا الارتفاع عبئا مباشرا على الأسر المصرية، ويؤثر سلبا على قطاعات واسعة مثل التجار الصغار والمقبلين على الزواج.

وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات المصريين من الذهب (سبائك وجنيهات) في الربع الأخير فقط من العام الماضي 5.9 طن بنمو سنوي 7%

تراجع الجنيه أمام الدولار.. نتيجة طبيعية للضغوط

الضغوط المزدوجة الناتجة عن خروج رؤوس الأموال، وارتفاع الطلب على العملات الأجنبية، دفعت الجنيه المصري إلى التراجع تدريجيًا أمام الدولار، بنهاية تعاملات 9 أبريل 2025، عندما سجل متوسط سعر الجنيه أمام الدولار أدنى مستوياته على الإطلاق عند 51.67 جنيه للدولار، قبل أن يرتفع إلى 51.24 جنيها بنهاية تعاملات الخميس 10 أبريل 2025.

تراجع العملة المحلية، لا يمر مرور الكرام، بل ينعكس على تكلفة الاستيراد، ويزيد من أعباء التضخم، ويضغط على الطبقة المتوسطة التي بالكاد تتنفس في ظل ارتفاع الأسعار الحالي.

فرص في قلب العاصفة؟

رغم هذه التحديات، يرى رئيس جمعية المصدرين المصريين، محمد قاسم، أن الأزمة ليست خالصة الضرر، بل تحمل في طياتها فرصا يجب اغتنامها.

“إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية تمنح مصر فرصة لدخول أسواق جديدة، وتحسين موقعها في سلاسل القيمة، إذا أحسنت استغلال اللحظة”.. قال قاسم في ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية لمناقشة تأثير الرسوم الجمركية على مصر.

أوضح أن خروج الصين من بعض الأسواق، نتيجة التعريفات، قد يفتح الباب أمام دول مثل مصر، لتوسيع صادراتها، خاصة في قطاعات مثل الملابس الجاهزة، شريطة أن تُحل المشكلات الهيكلية في بيئة الأعمال والتصنيع المحلي.

تأثير ليس متساويا على جميع القطاعات

من جانبها تُقدر رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عبلة عبد اللطيف، أن التأثير المباشر على التجارة بين مصر وأمريكا سيكون محدودا نسبيا، نظرًا لأن مصر لا تمثل أكثر من 0.26% من التجارة العالمية.

لكنها حذرت من أثر الرسوم الأمريكية على صادرات الملابس الجاهزة المصرية، وهي أبرز بند في صادرات مصر إلى الولايات المتحدة، وتشكل نحو 45% منها بقيمة تتجاوز 1.2 مليار دولار في 2024.

توتر جيوسياسي لا يقل خطورة عن الاقتصادي

أما نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية طارق توفيق، فيشير إلى أن الأمر لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل يرتبط كذلك بتوترات جيوسياسية إقليمية قد تتصاعد في أي لحظة.

“حالة القلق في الأسواق العالمية تؤدي إلى إعادة تمركز رؤوس الأموال في أسواق أكثر أمانًا، وهذه التحركات تمارس ضغطا إضافيا على اقتصاديات الأسواق الناشئة مثل مصر، التي تعاني بالفعل من فجوة تمويلية وتحديات متعلقة بسعر الصرف”.

حرب بعيدة.. آثارها قريبة

قد لا تكون مصر طرفا مباشرا في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، لكن الارتدادات لا تحتاج تأشيرة دخول.

فبين خروج الأموال الساخنة، وارتفاع أسعار الذهب، وتراجع قيمة الجنيه، يُصبح لزاما على صانع القرار المصري، والمواطن كذلك، أن يُدرك أن كل قرار عالمي، يُترجم إلى تأثير محلي.

والسؤال اليوم لم يعد: هل تؤثر الحرب التجارية على مصر؟ بل أصبح: كيف نُحصّن اقتصادنا من أن يكون الحلقة الأضعف في كل حرب لا نشارك فيها.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

ترامب يتراجع.. إعفاء الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات من التعريفات الجمركية

أعفت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلاً من الهواتف الذكية...

منطقة إعلانية