بدأت الحكومات الأفريقية تعود مجددًا إلى طلب الدعم من صندوق النقد الدولي، في ظل أزمة تمويل جديدة فاقمتها سياسات الرسوم الجمركية للرئيس الأمركي دونالد ترامب، وسط اضطرابات في الأسواق وتراجع أسعار السلع الأساسية، بحسب بلومبرج.
تأتي هذه العودة، بعد سنوات من محاولات التحرر من الاعتماد على التمويل الخارجي، لكن الضغوط المتصاعدة أجبرت العديد من الدول على إعادة فتح قنوات الاتصال مع الصندوق.
بحسب خبراء اقتصاديين، فإن الرسوم الأمريكية المفروضة على سلع صينية وأوروبية، أسهمت في زعزعة التجارة العالمية، ما انعكس سلبًا على أسعار النفط والمعادن، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا لعائدات كثير من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
مع تصاعد تكلفة خدمة الدين، وارتفاع مدفوعات الفوائد إلى 27% من إيرادات الحكومات في 2024، يجد القادة الأفارقة أنفسهم أمام خيار صعب، إما الاستدانة بشروط السوق المرتفعة، أو العودة إلى حضن الصندوق بشروطه الصارمة.
قال كبير اقتصاديي إفريقيا لدى “كابيتال إيكونوميكس”، ديفيد أوموجومولو، إن الأمر أصبح شبه حتمي، مضيفًا أن دولًا مثل كينيا والسنغال تتفاوض حاليًا على برامج دعم جديدة، بينما قد تجد دول أخرى مثل أنغولا نفسها مضطرة للحصول على تمويل طارئ لتغطية استحقاقات السندات قبل نهاية العام.
بحسب صندوق النقد، تلقّت أكثر من نصف دول أفريقيا جنوب الصحراء دعمًا ماليًا منه خلال السنوات الأربع الماضية، تجاوز إجماليه 60 مليار دولار.
قال مدير إدارة إفريقيا بالصندوق، أبيبي سيلاسي، في مؤتمر بداكار هذا الشهر، إن “أزمات التمويل فرضت ضغوطًا غير مسبوقة، ولا نستبعد طلبات جديدة من دول أخرى”.
رغم أن التأثير المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية على أفريقيا يُعد محدودًا، فإن الهبوط الحاد في أسعار السلع الأساسية مثل النفط والنحاس والذهب، يُهدد التوازن المالي في دول تعتمد بشكل كبير على صادرات الموارد، مثل نيجيريا وزامبيا وجنوب إفريقيا.
في أنجولا، يُقدّر أن كل دولار ينخفض عن متوسط 70 دولارًا لبرميل النفط هذا العام، يُضيف فجوة بنحو 152 مليون دولار إلى الميزانية.
تُعزز هذه التحديات الاتجاه نحو صندوق النقد، رغم الانتقادات الموجهة لبرامجه بسبب صعوبة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، خاصة في بيئات تعاني من هشاشة سياسية واجتماعية.
تُشير الرئيسة التنفيذية لشركة “Development Reimagined”، هانا رايدر، إلى أن تكلفة الإجراءات التي يفرضها الصندوق غالبًا ما تكون “باهظة الثمن سياسيًا”، ما يصعّب تمريرها شعبيًا.
تُفاقم الأزمة أيضًا قرارات خفض المساعدات من شركاء دوليين مثل بريطانيا، التي أعادت توجيه الإنفاق نحو القطاع الدفاعي استجابة لضغوط ترامب، ما يُهدد قدرة بعض الدول الأفريقية على توفير التمويل اللازم لبرامج التعليم والصحة، حيث تجاوزت مدفوعات خدمة الدين في دول مثل مصر وغانا وأوغندا الإنفاق على هذه القطاعات الحيوية.
في حين ترى بعض الدول مثل غانا وزامبيا، أن إصلاحاتها السابقة بدعم من الصندوق منحتها قدرًا من المرونة في مواجهة الأزمة، فإن كثيرًا من الدول الأخرى لا تزال عالقة في دائرة مفرغة من الاقتراض وسداد الديون، وسط غياب بدائل حقيقية في الأفق القريب.
بهذا، تُعيد الرسوم الجمركية الأمريكية تشكيل خريطة التمويل الأفريقية، وتدفع القارة نحو دورة جديدة من الاعتماد على التمويل متعدد الأطراف، في وقت تتعاظم فيه التحديات العالمية، وتضيق فيه هوامش المناورة السياسية والاقتصادية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا