أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام شركات الطيران الهندية، في خطوة مفاجئة أحدثت ارتباكًا واسعًا في حركة الطيران الدولي بين الهند وعدد من الوجهات الأوروبية والأمريكية والآسيوية، وسط تصاعد التوترات السياسية بين الجارتين النوويتين على خلفية صراعات دموية في إقليم كشمير المتنازع عليه.
اضطرت شركات الطيران الهندية — بما في ذلك “إير إنديا”، و”إنديجو”، و”أكاسا إير”، و”سبايس جيت” — إلى تسيير رحلات أطول، وبالتالي أكثر تكلفة، على بعض المسارات المتجهة غربًا، مما قد يدفع بعض الرحلات لإجراء توقفات للتزود بالوقود أو إلغاء بعض المسارات بالكامل.
أعلنت شركة “إنديجو”، أكبر ناقل جوي في الهند من حيث الحصة السوقية، أنها تتوقع تأثر بعض الرحلات الدولية، بينما أفادت “إير إنديا” أن بعض رحلاتها من وإلى أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط ستسلك مسارات بديلة أطول، وفقًا لما نُشر الأسبوع الماضي عبر منصة “إكس”.
وامتنع متحدث باسم “إير إنديا” عن الرد على استفسارات شبكة CNBC بشأن عدد المسارات المتأثرة، في حين صرحت “إنديجو” بأن نحو 50 مسارًا قد يتأثر، مع تعليق الرحلات إلى ألماتي في كازاخستان وطشقند في أوزبكستان بشكل مؤقت.
خلفية التوترات
جاء إغلاق المجال الجوي في سياق تصاعد الردود المتبادلة بين الهند وباكستان، عقب مقتل 26 سائحًا في بلدة “باهالجام” الواقعة في الجزء الهندي من إقليم جامو وكشمير.
ربطت الهند المجزرة بمسلحين باكستانيين، وهو ما نفت العاصمة إسلام آباد صحته، مطالبة بإجراء تحقيق محايد في الحادث الذي أعاد إشعال التوترات بشأن الإقليم المتنازع عليه بين البلدين.
تصعيد ممتد من الأرض للأجواء
اضطرت رحلة “إير إنديا” رقم A1101، المتجهة من نيودلهي إلى نيويورك يوم السبت، للتوقف في كوبنهاجن للتزود بالوقود، وفقًا لخدمة تتبع الرحلات العالمية “فلايت رادار24″، حيث وصلت إلى وجهتها متأخرة بنحو ست ساعات عن الموعد المعتاد، بحسب موقعها الإلكتروني.
كما حولت الرحلة ذاتها يوم الجمعة مسارها إلى فيينا، حيث وصلت متأخرة بنحو أربع ساعات عن جدولها المعتاد، بحسب بيانات “فلايت رادار24”.
فرضت القيود الباكستانية مزيدًا من التحديات أمام شركات الطيران الهندية في التنافس مع شركات أخرى لا تزال قادرة على التحليق فوق باكستان.
فعلى سبيل المثال، أدى إغلاق المجال الجوي الروسي في وقت سابق إلى دفع بعض شركات الطيران الأوروبية إلى تقليص أو حتى إلغاء رحلاتها إلى الصين، بسبب ارتفاع تكلفة التحليق حول روسيا مقارنة بالشركات الصينية التي لم تتأثر بتلك القيود.
ورغم أن مساحة روسيا ومجالها الجوي أكبر بكثير من باكستان، إلا أن إغلاق المجال الجوي الباكستاني قد يسبب مشاكل مشابهة للطيران الهندي، مثل زيادة التكاليف وتغيير المسارات، رغم صغر حجم المجال الجوي الباكستاني مقارنة بالروسي.
الجدير بالذكر أن شركات الطيران الهندية — مثل “إير إنديا”، و”إنديجو”، و”أكاسا إير” وغيرها — تسيّر وتنظم غالبية الرحلات الدولية في الهند أكثر من الشركات الأجنبية.
بالفعل، تم جدولة أكثر من 9000 رحلة دولية لهذا الشهر، وفقًا لشركة تحليلات الطيران “سيريوم”.
وكشفت بيانات “سيريوم” أن “إير إنديا” تخطط لتسيير 519 رحلة إلى أوروبا و309 رحلات إلى أمريكا الشمالية خلال الشهر الجاري.
وأكد ممثل عن “سيريوم” لشبكة CNBC أن “إير إنديا” لا تزال قادرة على التحليق فوق روسيا في بعض رحلاتها المتجهة إلى أمريكا الشمالية.
مرت العديد من الرحلات التي تربط المدن الهندية الشمالية بالشرق الأوسط مباشرة فوق باكستان، وهي منطقة حيوية للعمالة الهندية والمسافرين بغرض الترفيه.
وسجلت بيانات “التقرير الإحصائي لسياحة الهند 2024” أن نحو 49.3% من حركة السفر الخارجي للهند في عام 2023 كانت موجهة إلى الشرق الأوسط.
واستقطبت دولة الإمارات العربية المتحدة نحو 7.2 مليون هندي، منهم 50% من العمالة المهاجرة، و41% من المسافرين بغرض الترفيه والاستجمام، بينما شكل رجال الأعمال نسبة الـ9% المتبقية، بحسب بيانات السياحة الهندية.
هل تعوض أسعار التذاكر خسائر شركات الطيران؟
رجّح جون جرانت، كبير المحللين بشركة “OAG” لمعلومات الطيران، أن تتحمل شركات الطيران الهندية تكلفة إضافية، لكن دون انعكاس ملحوظ على أسعار تذاكر السفر بفعل إغلاق المجال الجوي الباكستاني.
ووصف جرانت الأمر بأنه “رمزي أكثر منه مؤثر بصورة كبيرة على شركات الطيران الهندية”، مضيفًا أن مثل هذه الأحداث نادرًا ما تؤدي بمفردها إلى ارتفاع في أسعار التذاكر.
وكشفت تقارير محلية أن الإغلاق المماثل للمجال الجوي الباكستاني لمدة خمسة أشهر عام 2019 كبّد شركات الطيران الهندية خسائر بنحو 7 مليارات روبية هندية (ما يعادل 82 مليون دولار).
وسجلت أسعار التذاكر تراجعًا ملحوظًا، على الأقل على أحد المسارات؛ فعادةً ما تكون أسعار السفر من نيودلهي إلى سريناجار — أكبر مدن إقليم جامو وكشمير — في شهر أبريل مرتفعة، إذ تتراوح بين 175 إلى 255 دولارًا، وفقًا لبيانات “جوجل فلايتس”.
وأظهرت بيانات الموقع ذاته أن أسعار التذاكر للمدينة، التي يقطنها نحو 1.2 مليون نسمة، انخفضت إلى نحو 150 دولارًا للأسبوع المقبل.
وأعلنت شركتا “إير إنديا” و”إنديجو”، في منشورين منفصلين على “إكس” الأسبوع الماضي، أنهما ستوفران خيار استرداد الأموال أو إعادة جدولة الحجوزات إلى سريناجار حتى 7 مايو، وذلك وسط موجة من إلغاءات الحجوزات للمنطقة.
وأضافت كلتا الشركتين رحلات إضافية إلى سريناجار لاستيعاب المسافرين الراغبين في مغادرة المنطقة عقب المجزرة الأخيرة.
شهد قطاع السياحة في كشمير، المعروف بجباله المغطاة بالثلوج ووديانه الساحرة، نموًا غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية، بحسب ما قاله الصحفي وصانع الأفلام المقيم في الإقليم، محيي الدين الإسلام.
وأوضح الإسلام أن توسع القطاع وزيادة الاستثمارات دفعت الكثيرين لترك وظائفهم السابقة والانضمام إلى صناعة السياحة.
واختتم قائلًا: “الآن، يخيم الصمت التام على المنطقة”، مضيفًا: “تحدثت مع بعض السياح الذين أكدوا أنهم لن يعودوا إلى وادي كشمير مطلقًا”.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا