أخبار

من هدايا السلاطين إلى الطائرات.. هل يقبل ترامب ما رفضه الرؤساء السابقون؟

تعريفات

جسّد رؤساء أمريكيون سابقون احترامهم للدستور عبر رفض الهدايا الأجنبية، إدراكًا لما قد تحمله من شبهات تضارب المصالح أو التأثير السياسي.

فعلى سبيل المثال، تلقّى الرئيس مارتن فان بيورين أسدين حيين من سلطان المغرب عام 1839، إلى جانب خيول ولآلئ فاخرة من سلطان عُمان في العام التالي.

إلا أنه آثر إحالة المسألة إلى الكونجرس ليقرر بشأنها، وقال حينها: “أرى من واجبي أن أضع هذا العرض أمام الكونجرس ليتخذ ما يراه مناسبًا بشأنه”، وقد انتهى الأمر برفض الهدايا، حيث أُرسل الأسدان إلى حديقة الحيوان، وبيعت الخيول، بينما استقرت اللآلئ في متحف سميثسونيان.

في المقابل، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير في اتجاه مغاير، إذ سخر ضمنيًا من هذا النهج واعتبر رفض الهدايا الثمينة تصرفًا “أحمق”، على حد وصفه خلال تصريحات صحفية.

تأتي تصريحاته في سياق تقارير عن عرض تلقاه من الأسرة الحاكمة في قطر للحصول على طائرة “بوينج 747” فاخرة.

قال ترامب: “بإمكاني أن أكون غبيًا وأقول لا نريد طائرة مجانية، نحن نقدم هدايا مجانًا، فليكن لنا نصيب منها”.

أشار ترامب إلى استيائه من استخدام طائرات قديمة تجاوز عمرها 40 عامًا، مبدياً رغبة واضحة في استبدالها بالطائرة القطرية لاستخدامها كطائرة رئاسية مؤقتة “إير فورس وان”.

كما أوضح أن الطائرة ستُنقل لاحقًا إلى مكتبته الرئاسية بعد انتهاء ولايته، في ظل تأخّر تسليم الطائرات الجديدة الخاصة بالرئاسة الأمريكية.

وفيما لا تزال التفاصيل القانونية قيد البحث، بحسب تصريحات البيت الأبيض، فيما أكدت قطر أنه لم يُتخذ قرار نهائي حتى الآن كما شدد البيت الأبيض على أن الهدية “لن تؤثر على قرارات الرئيس الأمريكي”.

قيود دستورية وتحديات قانونية

ينص الدستور الأمريكي على أنه “لا يجوز للولايات المتحدة منح ألقاب نبالة، ولا يجوز لأي شخص يشغل منصبًا ذا ربح أو ثقة تحت سلطتها، دون موافقة الكونجرس، أن يقبل أي هدية أو مكافأة أو منصب أو لقب من أي ملك أو أمير أو دولة أجنبية”.

وبناءً على هذا النص، فإن قبول طائرة فاخرة من دولة أجنبية دون موافقة الكونجرس يشكّل خرقًا واضحًا لما يُعرف بـ”بند المكافآت”.

رغم ذلك، تجاهل ترامب هذا القيد، في استمرارٍ لنمط من التحديات القانونية التي ميّزت فترة رئاسته، ويبدو أنه يعتمد على الحصانة التي منحته إياها المحكمة العليا خلال محاكمات جنائية سابقة.

يرى ترامب أن تحويل الطائرة إلى وزارة الدفاع قد يشكل غطاء قانونيًا قائلا: “إذا استطعنا الحصول على طائرة 747 كإسهام لوزارة دفاعنا لاستخدامها لبضع سنوات أثناء بناء الطائرات الأخرى، فأعتقد أن ذلك سيكون بادرة لطيفة جدًا”.

وكانت المحكمة العليا قد تجنّبت سابقًا البت في قضايا مماثلة، مثل ما حدث مع الدعوى المرفوعة بشأن تلقي فندق ترامب في واشنطن مدفوعات من حكومات أجنبية، والتي رُفضت لانتهاء ولايته آنذاك.

تعقيدات أخلاقية وازدواج مصالح

من جانبها، قالت أستاذة القانون في جامعة جورج واشنطن، جيسيكا تيليپمان، إن التداخل بين المصالح المالية للرئيس ومنصبه يثير مشكلات أخلاقية بالغة، مشيرة إلى أن رؤساء سابقين اختاروا التخلي عن مصالحهم أو وضعها في صناديق عمياء لتجنّب مثل هذا التداخل.

أضافت: “كلما تعامل ترامب مع قطر أثناء رئاسته، ستكون هذه الهدية جزءًا من الحوار العام”، مشيرة إلى أن الطريق لا يزال طويلًا للحسم، رغم معرفة الجميع بوجود الطائرة كهدية محتملة.

توسع تجاري في الشرق الأوسط

تابعت شركات ترامب، التي يديرها ابنه إريك، توسيع أعمالها في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية. وبينما يسعى ترامب لقبول طائرة قطرية، يفتتح مشروع ملعب جولف يحمل اسمه في قطر، وستظهر علامته التجارية على ناطحات سحاب في السعودية، كما استخدمت الإمارات نظامًا للعملات المشفرة أسسته أحدى شركات ترامب لعقد صفقة بقيمة ملياري دولار، وفقًا لـ “نيويورك تايمز”.

تتزامن هذه التطورات مع أول جولة خارجية لترامب في ولايته الثانية، والتي استهلها من الشرق الأوسط، ما يطرح تساؤلات حول احتمال سعي دول أخرى إلى مجاراة قطر في “إبهار” الرئيس الأمريكي، بدءًا بهدية تُقدّر بـ400 مليون دولار.

مخاوف أمنية من الطائرة

بعيدًا عن القضايا القانونية والأخلاقية، عبّر جاريت جراف، المؤرخ الرئاسي ومؤلف نشرة “سيناريو يوم القيامة”، عن شكوكه بأن جهاز الخدمة السرية سيقبل باستخدام طائرة خضعت سابقًا لسيطرة حكومة أجنبي

استشهد جراف بتجربة الرئيس جورج بوش الابن خلال هجمات 11 سبتمبر، حيث وثّق فيه كيف قضى بوش ثماني ساعات على متن “إير فورس وان” كطائرة وحيدة خلال الهجمات.

أشار إلى أن الحماية الجوية المحيطة بالرئيس معقدة وذات طبيعة سرية. وكتب: “إن وضع طائرة خضعت لعشر سنوات لسيطرة حكومة أجنبية في قلب هذه الحلقات الأمنية والاتصالات المحمية أمر غير مقبول على الإطلاق، سواء من منظور استخباري أو أمني”.

أضاف: “حتى البدء في تقليل هذا الخطر – سواء من حيث التنصت، أو التتبع أو الأمن السيبراني أو التخريب – سيتطلب تجريد الطائرة بالكامل حتى الهيكل، ومع ذلك، لن أضع رئيسًا أمريكيًا على متنها”

تأخير في مشروع “إير فورس وان” الجديد

يعاني مشروع تصنيع طائرتين للرئاسة الأمريكية من تأخير كبير، إذ أخفقت شركة “بوينج” في الالتزام بالجدول الزمني والميزانية، التي تجاوزت المليارات، ويرجع جزء من ذلك التأخير إلى التصاريح الأمنية المعقدة.

كتب الصحفي كريس إيسيدور من CNN أن المشروع الذي انطلق في عهد ترامب الأول، قد لا يكتمل قبل نهاية ولايته الثانية، وتعمل بوينج على تسريع الجدول، في ظل ضغوط متزايدة.

بينما يتذرع ترامب بمبررات أمنية ومالية لتبرير قبول الطائرة القطرية، تبرز مفارقة لافتة، إذ أن الرئيس الذي قاد حربًا تجارية عالمية تحت شعار “أمريكا أولاً”، لا يرى حرجًا في قبول طائرة فاخرة كهدية من دولة أجنبية.

انتقادات من الحزبين

أثارت خطة ترامب المحتملة موجة انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فقد قال رئيس مجلس النواب السابق، الجمهوري كيفين مكارثي: “أعتقد أن أمريكا قادرة على شراء طائرتها الخاصة وبناء طائرة إير فورس وان بنفسها”.

أما الديمقراطيون فكانوا أكثر حدة، إذ وصف النائب دان غولدمان عبر CNN الأمر بأنه “أحدث تجلٍ لرئاسة فاسدة تستغل المنصب لتحقيق مكاسب شخصية”، مشددًا على ضرورة أن يتصرف رئيس الولايات المتحدة دائمًا بما يخدم مصلحة البلاد فقط، لا لمصلحة دولة أجنبية”.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

من هدايا السلاطين إلى الطائرات.. هل يقبل ترامب ما رفضه الرؤساء السابقون؟

جسّد رؤساء أمريكيون سابقون احترامهم للدستور عبر رفض الهدايا الأجنبية،...

منطقة إعلانية