يواجه مشروع “نيوم” لإنتاج الهيدروجين الأخضر في السعودية، والذي تبلغ تكلفته نحو 8.4 مليار دولار، تحديات متزايدة في جذب مشترين دوليين، ما يهدد وتيرة تقدمه ويعيد جدولة طموحات المملكة في أن تصبح رائدا عالميا في سوق الطاقة النظيفة، بحسب ما كشفته وكالة بلومبرج.
رغم أن المشروع، الواقع ضمن مدينة “نيوم” المستقبلية، يُعد من بين أكبر مشاريع الهيدروجين الأخضر في العالم، إلا أن شركة “إير برودكتس” الأمريكية، المطور المشارك للمشروع، لم تنجح بعد في تأمين مشترين لأكثر من نصف الإنتاج المستهدف، بحسب مصادر مطلعة.
فجوة في الطلب وتأجيل محتمل
كان من المقرر أن يوجه الإنتاج بالكامل إلى التصدير في صورة أمونيا خضراء، لكن إدارة المشروع بدأت الآن بالنظر في السوق المحلي السعودي كبديل مؤقت، مع الإشارة إلى أن الطلب المحلي لا يزال غير مؤكد، ما دفع القائمين إلى دراسة إبطاء تطوير المشروع أو تنفيذ مرحلي بناءً على اتفاقيات شراء مؤكدة.
في هذا السياق، قال مصدر مطلع إن “أجزاء رئيسية من المشروع قد بُنيت بالفعل، ما يجعل إعادة هيكلته تحديا صعبا”.
خطط تصديرية مجمدة
رغم توقيع “إير برودكتس” اتفاقية لتوريد 70 ألف طن سنويا من الوقود الأخضر إلى “توتال إنرجيز” الفرنسية، وهي تمثل فقط ثلث الإنتاج المخطط، لم يتم تأمين أي صفقات إضافية حتى الآن.
كما أرجأت الشركة استثماراتها المخطط لها في مرافق الاستقبال في أوروبا، مبررة ذلك بعدم اكتمال الأطر التنظيمية في السوق الأوروبية.
في بيانها، أكدت “إير برودكتس”: “نركز حاليا على استكمال بناء المنشأة السعودية وبيع الأمونيا النظيفة، بينما سنؤجل استثمارات المصب حتى تتضح المعايير التنظيمية وتتوفر التزامات من العملاء”.
من الطموح العالمي إلى واقع السوق
شهد المشروع ارتفاعا في تكلفته من 5 مليارات دولار إلى 8.4 مليار دولار عند إغلاق صفقة التمويل قبل عامين.
تُدار المنشأة من قبل تحالف بين “نيوم”، و”إير برودكتس”، و”أكوا باور”، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
من المقرر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية 600 طن من الهيدروجين الأخضر يوميا، على أن يبدأ التشغيل الكامل بحلول منتصف 2026، مع توفّر المنتج في الأسواق اعتبارا من 2027.
مستقبل غير مؤكد رغم تحالفات جديدة
على الرغم من توقيع “أكوا باور” مذكرات تفاهم حديثة مع شركات مثل “SEFE” الألمانية و”بيكر هيوز”، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقيات سترتبط مباشرة بمنشأة نيوم أو ستحفّز تسويق المنتج على نطاق أوسع.
في المقابل، ألغت السعودية خطة لتأسيس شركة وطنية متخصصة في تحفيز استثمارات الهيدروجين، كانت ستُعلن رسميا هذا العام، بحسب مصادر مطلعة.
الهيدروجين ركيزة استراتيجية لم تتراجع
ورغم هذه التحديات، لا يزال الهيدروجين الأخضر محورا أساسيا في استراتيجية الطاقة السعودية، في ظل تحوّل عالمي نحو خفض الانبعاثات الكربونية، لكن المملكة باتت تعتمد نهجًا أكثر حذرا، إذ صرح الرئيس التنفيذي لأرامكو، أمين الناصر، بأن أي مشاريع جديدة لن تُنفَّذ دون اتفاقيات شراء مسبقة، وهو ما يعكس تحولا من سياسة البناء الاستباقي إلى النمو المدفوع بالطلب.
ضغوط العجز المالي وإعادة ترتيب الأولويات
وفي ظل اتساع العجز المالي وارتفاع مستويات الدين العام، قلّصت المملكة بالفعل بعض النفقات في مشاريع نيوم، كما جرى تقليص خطط إنتاج الأمونيا الزرقاء بسبب انخفاض الطلب العالمي، ما يسلط الضوء على ضرورة مواءمة الطموحات البيئية مع الحقائق الاقتصادية.
في حين يُنظر إلى مشروع “نيوم للهيدروجين” كرمز للريادة المناخية في الخليج، يبدو أن نجاحه سيتوقف على قدرة السعودية في جذب التزامات شراء مؤكدة، وتجاوز عقبات السوق والتنظيم الدولية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا