كتب: سليم حسن
استثمارات مليارية أتت، ولا تزال الحكومة تعلن بين الحين والآخر عن دخول استثمارات أخرى جديدة في قطاع الصناعات النسيجية، وهو ما يدعم قدرة قطاع التصنع والتصدير بالدرجة الأولى، لكنه في الوقت نفسه يفوت على مصر فرصة ربط هذه الاستثمارات بالمواصفات الإنتاجية والتصنيعية للأقطان المصرية الطويلة وفائقة الطول، والتي يمكنها مضاعفة عائدات الاستثمار والتصدير بصورة أكبر خلال سنوات قليلة مقارنة بالاعتماد على الأقطان المستوردة.
ما القصة؟
بلغ جملة المعروض من القطن المصري خلال الموسم الأخير 2024-2025 ما يقرب من 107 آلاف طن، توزعت بين 91 ألف طن من إنتاج الموسم نفسه، بالإضافة إلى 16 ألف طن مخزونة من موسم 2023- 2024، بحسب بيانات رسمية اطلع عليها “إيكونومي بلس”.
يبدأ موسم تسويق القطن في سبتمبر من كل عام وينتهي في أغسطس من العام التالي له.
خلال كامل الموسم الأخير، اشترت المغازل المحلية نحو 17.5 ألف طن فقط من إنتاج الموسم، بما لا يتجاوز 16.5% من إجمالي المعروض من المحصول البالغ 107 آلاف طن.
لسنوات طويلة اعتمدت مصر على تصدير القطن في صورته الخام نظرا لأن المصانع المحلية لا تستخدمه بكثره وتعتمد بشكل مباشر ورئيسي في إنتاجها على الأقطان والغزل المستورد، بحسب ما قاله الرئيس السابق لاتحاد مصدري الأقطان نبيل السنتريسي.
دائما ما تعتمد المصانع المحلية على الأقطان والغزول المستوردة لقلة أسعارها مقارنة بالأسعار المحلية للأقطان المصرية، وإن كانت الأقطان المصرية أفضل في الجودة والخصائص من أي قطن مستورد يدخل كمواد خام للصناعة المحلية، بحسب السنتريسي.
كم نستورد ونصدر من القطن؟
خلال النصف الأول من العام الجاري، قفزت واردات الأقطان بنسبة 58.3% على أساس سنوي إلى 195.3 مليون دولار مقارنة بنحو 123.3 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، اطلع عليها “ايكونومي بلس”.
وخلال الفترة نفسها صدرت مصر أقطانا بما قيمته 82.3 مليون دولار مقابل 122 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي، بحسب بيانات الإحصاء.
مصدر في القطاع، قال لـ”إيكونومي بلس”، إن واردات القطاع من الغزل والنسيج والملابس خلال السنوات الخمسة الأخيرة مثلت ما يتجاوز 5% من إجمالي واردات مصر غير البترولية، بما يقترب من 77 مليار جنيه.
لماذا لا نستغل أقطاننا؟
تقول الرئيسة التنفيذية لشركة البشارة للأزياء، ماري لويس، إن الأزمة الحقيقية في استخدام الأقطان المصرية هي ارتفاع أسعاره مقارنة بأسعار الأقطان المستوردة، ويرجع ذلك إلى تكاليف الكبيرة في مرحلة الزراعة.
أوضحت ماري، أن الحكومة حددت أسعار ضمان لمحصول العام الماضي – على سبيل المثال – عند 10 و12 ألف جنيه للقنطار من الأقطان المتوسطة في الوجه القبلي، والأقطان الطويلة وفائقة الطول في الوجه البحري على الترتيب، لكن يصعب العمل بهذه الأسعار أثناء المنافسة بالأسواق العالمية.
أضافت: “أغلب تكاليف القطن المصري تظهر في مرحلة الزراعة، وخاصة تكاليف الأيدي العاملة التي تستهلك أكثر من 50% من التكلفة و ترفع أسعار البيع في النهاية”.
يقول رئيس شركة تي آند سي للملابس الجاهزة، مجدي طلبة، إن مصر واحدة من 7 دول فقط حول العالم لديها القدرة على إنتاح الأقطان الطويلة وفائقة الطول، بينما توجد أكثر من 60 دولة تزرع الأقطان المتوسطة وقصيرة التيلة.
تدخل الأقطان طويلة التيلة وفائقة الطول في المنتجات عالية القيمة، وكنا نزرع في نهايات القرن الماضي ما يقرب من مليوني فدان سنويا لكن تراجعنا حاليا إلى أقل من 200 ألف فدان.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة، فإن مصر زرعت في الموسم الجاري نحو 194 ألف فدان فقط من القطن مقابل 311 ألف فدان في الموسم الأخير، بتراجع بلغت نسبته 37.6%.
اقرأ: تراجع زراعات القطن المصري 40% مع نهاية الموسم الحالي
قال طلبة، في 2019، وقت أن توليت الإدارة التنفيذية للمجلس التصديري للصناعات النسيجية، بدأنا مشروعا – للمرة الأولى – العمل على استراتيجية لمستقبل صناعة المنسوجات بدءا من القطن وتعظيم القيمة المضافة عليه، اعتبارا بأن هذه الصناعة لا تسمى الصناعات النسيجية، بل تسمى القطن والغزل والنسيج والصباغة والتجهيز والملابس الجاهزة والمفروشات تمثل كافة حلقات الصناعة، والبداية من القطن.
اهتمت الاستراتيجية أولا بكيفية الوصول بزراعات القطن إلى مليون فدان في الموسم خلال 5 سنوات تقريبا، على أن ترتفع هذه المساحات تدريجيا لتبلغ مليوني فدن مرة أخرى، مع استحداث صناعات جديدة غير متواجدة في مصر لهذا الإنتاج.
أوضح أن استخدام الأقطان مثلا في إنتاج أطقم ملاءات الأسرة وقت بيعها في سوق مثل الولايات المتحدة الأمريكية يصل إلى 400 دولار للطقم الواحد، بينما لا يتجاوز سعر الطقم نفسه حين استخدام الأقطان القصيرة مستوى 80-90 دولار، ما يوضح أهمية القيمة المضافة من استخدام القطن المصري صناعيا في السوق المحلية بدلا من تصديره في صورته الخام.
الاستراتيجية وقت أن تم البدء فيها كانت توصي بكيفية البدء في إصلاح منظومة القطن بداية من الزراعة لمعالجة تفتيت الحيازات الزراعية وحلها عن طريق آليات جديدة لعمل تعاونيات زراعية على مساحات كبيرة لتقليل تكاليف الإنتاج، وواستخدام أساليب الجني الحديثة، بالإضافة إلى فنيات التخزين.
اتجاه الاستراتيجية كان يهتم بربط منظومة الزراعة بالصناعة وتوفير نحو 500 ألف فرصة عمل جديدة، وتدريب نحو مليون عامل، وإنشاء الصناعات المغذية، والاتجاه نحو التصنيع عالي القيمة المضافة بدلا من التصنيع النمطي المعتاد، لكن لم تكتمل الخطة.
استثمارات مليارية قيد التشغيل
لا يوجد رقم محدد يجمع إجمالي حجم الاستثمارات العاملة في قطاع الغزل والنسيج المصري، لكننا سننظر إلى الاستثمارات التي دخلت الصناعة خلال العام الجاري فقط، بالإضافة إلى الاستثمارات المنتظرة خلال الفترة المقبلة، وتتركز في المشروعات الكبيرة مثل المدن الصناعية المتخصصة، والمناطق الاقتصادية الخاصة مثل منطقة قناة السويس، بالإضافة إلى الاستثمارات الفردية من شركات أجنبية، خاصة من الصين وتركيا.
منذ بداية العام الجاري، أعلنت الحكومة عن استثمارات جديدة في القطاع بقيمة تقترب من 580 مليون دولار عبر 28 مشروعا أغلبها من الصين، ثم تركيا التي تهتم بصناعة الملابس الجاهزة بشكل رئيسي.
استثمارات قريبة من الصناعة المصرية
أبريل الماضي، أعلنت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أن تحالفا صينيا في مجال الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة عبر عن رغبته في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة، تتضمن كافة مراحل الصناعة باستثمارات تصل إلى 300 مليون دولار.
في الشهر نفسه، أعلنت وزارة الصناعة عن إطلاق مدينتين نسيجيتين متكاملتين، الأولى في منطقة وادى السريرية بمحافظة المنيا على مساحة 11 مليون متر مربع، والثانية بالمنطقة الصناعية في شمال محافظة الفيوم على مساحة 5.5 مليون متر مربع، وبإجمالي استثمارات إنشائية تصل إلى 27 مليار جنيه.
من خلال المشروعين، تستهدف الوزارة جذب استثمارات أجنبية ومحلية للمدينتين بما يصل إلى 3.5 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بهدف المساهمة في مضاعفة صادرات القطاع بنحو 3 مرات العائدات الحالية إلى 11.5 مليار دولار سنويا مقابل 2.8 مليار دولار حصلتها مصر بنهاية 2024.
استثمارات في القطاع الحكومي
تعمل الحكومة منذ 2014 على مشروع قومي لتطوير نحو 32 مصنعا تابع للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج التابعة لوزارة قطاع الأعمال تتوزع بين 7 شركات لحلج وتسويق القطن محليا وفي التصدير، بالإضافة إلى 25 شركة غزل ونسيج.
تفاصيل خطة التطوير شملت دمج شركات الغزل والنسيج الـ25 في نحو 9 شركات فقط، بالإضافة إلى دمج شركات الحليج والتسويق السبعة في شركة واحدة.
وأعلن مجلس الوزراء في نهاية العام الماضي، أن تكلفة المشروع وصلت إلى أكثر من 56 مليار جنيه، منها 22 مليار جنيه تكلفة منشآت، و640 مليون يورو تكلفة الماكينات والمعدات، وتشمل أيضا سداد مديونيات كانت قد تجاوزت الـ30 مليار جنيه.
منذ انطلاق مشروع التطوير للمصانع الحكومية في 2014، وحتى الأن لم يخرج للنور سوى محلج الفيوم الذي افتتحته الحكومة في ديسمبر من العام 2021، وحتى الأن لم يتم الإعلان عن افتتاح ايا من مصانع الغزل والنسيج المطورة، والتي من المفترض أن تبدأ بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى في محافظة الغربية، بحسب مصادر حكومية.
أوضحت المصادر، أنه يجري تأجيل افتتاح مصنع غزل المحلة منذ عام 2023، وحتى الأن لم يتم تحديد موعد بعينه لإنهاء الأعمال التطويرية أو إعلان موعد بعينه للافتتاح الرسمي.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا