كتبت- مريم سمير:
تخيم على قطاع غزة الآن آمال العودة للحياة من جديد، بعد حرب إبادة استمرت عامين كاملين لتنتهي أخيرا، مخلفة آلاف الأطنان من الركام والأنقاض، بعد أن دمرت أكثر من 90% من البنية التحتية، ومحت آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات من الوجود، تاركة الغزاويين في ترقب لما هو آتٍ وسط آمال في نهوض القطاع من تحت الركام بحلة جديدة تعيد له الحياة.
الدمار الهائل الذي خلفته الحرب يمثل تحديا لجهود إعادة الإعمار، بحسب خبراء تحدثت “إيكونومي بلس” معهم، إلا أنه يشكل فرصة للشركات المصرية تحديدا العاملة في قطاع التشييد والبناء، نظرا لما تملكه من خبرات متراكمة في هذا الصدد، إذ سبق لمصر وشركاتها المساهمة في جهود إعادة إعمار غزة خلال العام 2021 في أعقاب الهجمات الإسرائيلية التي استمرت لنحو 11 يوما في مايو من العام نفسه.
المقاولون في طليعة المستفيدين
قال رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، محمد سامي سعد، إن المرحلة الأولى من عملية إعادة إعمار غزة تتمثل في رفع الأنقاض والركام وبناء منشآت مؤقتة لمحطات المياه والكهرباء، هذا فضلا عن تقديم الدعم اللوجيستي فيما يتعلق بالطعام والدواء وغيره.
خلال أكتوبر الماضي، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فلسطين، المرحلة الأولى من عملية إزالة الأنقاض الناجمة عن حرب غزة، والتي تتراوح بين 55 و60 مليون طن، ومن المتوقع أن تستغرق عملية رفعها من كافة أرجاء القطاع سنوات يتوقف عددها على وتيرة جهود إعادة الإعمار وتوفير التمويلات اللازمة.
أوضح سعد أن هناك 50 شركة بالاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء مؤهلة للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، وبالفعل أبدت استعدادها للمشاركة ضمن عمل إقليمي ودولي، بحسب تعبيره.
ونفى وجود أي شراكات محددة قد تم التوصل إليها في ملف إعادة إعمار غزة بين الشركات المصرية والفلسطينية، وهو ما قد تداولته بعض المواقع الصحفية خلال الفترة الأخيرة.
فيما أكد أنه سواء تم تمويل إعادة إعمار غزة من خلال منح عربية أو مصرية أو دولية، ستكون منطقة رفح والعريش لاعبا لوجستيا كبيرا أثناء عمليات البناء، نظرا لقربها الجغرافي من القطاع ما يجعلها منفذا هاما لإمداد الشركات التي ستتولى عمليات إعادة الإعمار بكافة المواد الخام اللازمة لهذه العمليات بما في ذلك الأسمنت والحديد وكافة مواد البناء.
تابع: “هذا القرب الجغرافي يمنح شركات مواد البناء المصرية ميزة تنافسية إذ تملك فرصة هامة للتوريد مقارنة بمثيلتها العربية أو الأجنبية، وهذا لا ينطبق على شركات مواد البناء فقط إنما على كافة الشركات التي تنتج بضائع وسلعا تتطلبها عمليات إعادة الإعمار داخل القطاع”.
كما توقع أن يسهم انطلاق عملية إعادة إعمار غزة في حدوث زخم كبير داخل السوق المصرية خاصة في حركة الخامات والعمالة.
الصناعات المعدنية شريك أساسي
من جانبه، رأى مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، محمد حنفي، أن قطاع الصناعات المعدنية المصري ستكون أمامه فرصة كبيرة للاستفادة من عمليات إعادة الإعمار، نظرا لقدرته الإنتاجية المرتفعة التي تؤهله للمشاركة في إعادة الإعمار.
أوضح أن عمليات إعادة إعمار البنية الأساسية كالمنازل ومحطات المياه والمستشفيات، ستتطلب كميات هائلة من المنتجات المعدنية مثل الحديد والألومنيوم.
وأشار حنفي أن الصناعات المعدنية المصرية تمتلك ميزتين فيما يتعلق بعمليات إعادة الإعمار، هما القرب الجغرافي وقوة العلاقات مع الدول التي تمر بمرحلة إعادة الإعمار، ما يمنح مصر فرص أكبر للمشاركة فيما يمنح المنتجات المصرية ميزة الأسعار التنافسية مقارنة بنظيرتها العربية أو الأجنبية.
لكنه أوضح أن الدول التي ستمول عمليات إعادة الإعمار من الممكن أن تفرض شروطا تقييد مشاركة الشركات المصرية كأن تشترط أن تكون المواد الخام موردة بواسطة شركاتها.
تسببت الحرب الإسرائيلية في تدمير أكثر من 85% من شبكة الطرق داخل قطاع غزة وقرابة 60% من الوحدات السكنية، ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تكلفة إعادة إعمار غزة بنحو 70 مليار دولار، فيما يرى البنك الدولي أن التكلفة لن تقل عن 50 مليار دولار.
فرصة للمصانع
قال رئيس شعبة الإسمنت بالإسكندرية، محمود مخيمر، إن مشروعات إعادة الإعمار ستشكل فرصة جيدة للمصانع المصرية المنتجة لمواد البناء، إذ يمكنها تصدير جزء من الإنتاج لغزة أو غيرها من دول إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن مصانع مواد البناء المصرية قد تغيب عن المشاركة في مراحل إعادة الإعمار، إذ تمتلك الدولة المصرية -على سبيل المثال- مصانع يمكنها توريد مواد البناء إلى القطاع دون الاستعانة بالقطاع الخاص، موضحا أن الدولة لديها كميات إنتاجية وفيرة خاصة في قطاعي الإسمنت والحديد.
تابع: “في قطاع الأسمنت -على سبيل المثال- هناك مصنع بني سويف الذي ينتج 36 ألف طن يوميا ومصنع أسمنت العريش الذي ينتج نحو 12 ألف طن ما يعني أن الدولة تنتج ما يقرب من 50 ألف طن يوميا من الإسمنت، ما يعكس قدرة إنتاجية مرتفعة تقوض فرص مصانع القطاع الخاص”.
وأشار مخيمر، إلى أن الطاقات الإنتاجية لمصانع الحديد والإسمنت في مصر غير مستغلة بالكامل في الوقت الراهن، موضحا أن زيادة معدلات الإنتاج سيسمح بتوفير فائض كبير للتصدير، ما يحافظ على استقرار الأسعار داخل السوق المحلي ويرفع تنافسية المنتج المصري إقليميا لاسيما فيما يتعلق بعمليات إعادة الإعمار.
بحسب بيانات رسمية، سجل إنتاج الإسمنت في مصر خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي نموا بنسبة تتجاوز 26% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إلى 25.7 مليون طن، فيما يقدر استهلاك مصر من الإسمنت بنحو 45 مليون طن سنويا.
الدول المانحة صاحبة الكلمة الأولى
أوضح رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء أن الحديث عن حصة الشركات المصرية من عملية إعادة إعمار غزة لا يزال مبكرا واستباقيا، مؤكدا “نحتاج أن نعرف أولا الدول المناحة والاشتراطات الخاصة بها لأن ذلك ما سيحدد نسبة المساهمة”.
وأكد سعد أن الدول المانحة دائما تعمل على تمكين شركاتها للاستفادة من فرص إعادة الإعمار، ما قد يقلل من الفرص المتوفرة لنظيرتها المصرية، لافتا إلى أنه يمكن تحديد النسبة التي قد تشارك بها مصر في إعادة الإعمار إذا اتضحت المدخلات الأساسية، كعدد الدول المانحة وقيمة المنح وشكل التخطيط العمراني في القطاع.
في وقت سابق، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن مصر ستستضيف نهاية نوفمبر الجاري مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار قطاع غزة، وتجري حاليا مشاورات مع الجانب الفلسطيني بشأن التحضيرات للمؤتمر.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا