رئيس التحرير / أسامه سرايا | المشرف العام / خالد أبو بكر |
أخبار

معركة الحصص السوقية: “لماذا ينخفض سعر الحديد.. ولماذا الآن؟”

البحث عن إجابة لسؤال “لماذا انخفضت أسعار الحديد؟” ليس كافيا لتفسير ما يحدث في سوق الصلب المصري، فالأسباب الظاهرية من تراجع أسعار الخردة والخامات عالميًا تحكي نصف الحكاية فقط.

لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: “لماذا الآن تحديدا؟”، لماذا اختارت الشركات، وعلى رأسها حديد عز، هذا التوقيت لتقديم أكبر موجة تخفيضات منذ سنوات، رغم أن تراجع التكاليف مستمر منذ عامين دون انعكاس مماثل على الأسعار؟

في هذه السردية نذهب إلى ما وراء الانخفاض الرسمي، فنفصل بين العلة المعلنة والدافع الحقيقي، ونفكك ما الذي تغيّر داخل السوق ليجبر أكبر منتجي الصلب في مصر على كسر الأسعار بهذا الشكل، وكيف أثرت المنافسة، وفارق التكلفة، وحركة المصانع الاستثمارية على قرارات الشركات الكبرى.

نبحث أيضا في سؤال آخر لا يقل أهمية: هل هذا الانخفاض مؤقت.. أم بداية موجة تراجعات؟

انخفاض أسعار حديد التسليح

بدأت موجة تخفيض أسعار حديد التسليح “ظاهريًا” في منتصف نوفمبر الماضي، بعد أن أقرت مجموعة “حديد عز” حافزا مؤقتا على أسعار البيع بقيمة 4 آلاف جنيه في الطن، وبأثر رجعي من بداية الشهر وحتى نهايته، ليهبط سعر الطن من أرض المصنع إلى نحو 34.2 ألف جنيه للطن مقابل السعر الرسمي المعلن 38.2 ألف جنيه للطن.

في الساعات التالية لإعلان عز، ظهرت تخفيضات رسمية من شركات أخرى منافسة – بأثر رجعي أيضا – تراوحت بين 1500 و1800 جنيه للطن على رأسهم شركات السويس للصلب، حديد المصريين، المراكبي، الجارحي، الجيوشي، والعشري ستيل، لتتراوح الأسعار من أرض المصنع بين 33.5 وو34.1 ألف جنيه للطن لدى هذه الشركات.

الأسباب الظاهرية: تراجع التكاليف

رغم أن مصانع الحديد لم تعلن رسميا سبب التخفيض، إلا أن الخامات —محليا وعالميا— قد شهدت تراجعا ملحوظا خلال آخر عامين، وهو ما يضع الأساس المنطقي لجزء من الهبوط.

تعتمد صناعة الصلب في مصر على خامات مستوردة بالكامل تقريبا بالإضافة إلى جزء محلي، سواء لمصانع الدورة المتكاملة التي تستورد الخامات الأولية من “الأيرون أور” و”مكورات الحديد”، أو حتى “الخردة” كمكون وسيط للمصانع نصف المتكاملة، أو حتى “البليت” كمرحلة أخيرة في عملية التصنيع لصالح المصانع الاستثمارية المعروفة باسم “مصانع الدرفلة”.

بالنظر إلى أسعار الخامات المحلية من الخردة، أو الخامات العالمية في بورصة لندن المعادن، سنجد أنها انخفضت بما بنحو 15% أخر عامين، ما يفسر – ظاهريا- الأسباب المنطقية لانخفاض الأسعار.

محليا، انخفضت أسعار الخردة لتتراوح حاليا بين 18 و19 ألف جنيه للطن مقابل أكثر من 23 ألف جنيه منتصف العام الجاري، وما يتجاوز 40 ألف جنيه في مطلع العام الماضي، ما يعني أنها تراجعت بنحو 55% تقريبا خلال 24 شهرا.

انخفضت أيضا الأسعار العالمية لخامات التصنيع، لتسجل أدنى مستوى لها في عامين هي الأخرى، بعد أن تراجعت أسعار الخردة إلى 357 دولارا للطن حاليا، مقابل 423 دولارا مطلع عام 2024، بانخفاض تجاوزت نسبته 15%.

كما تراجعت أسعار مكورات الحديد “تركيز 62%” إلى 105 دولارات للطن حاليا، مقابل نحو 130 دولارا للطن في مطلع العام الماضي، بانخفاض تجاوزت نسبته 18%.

هبطت أيضا الأسعار العالمية لخام “البليت” إلى مستويات تتراوح بين 430 للطن من البليت الروسي و445 دولارا للطن من البليت التركي، مقابل 520 و550 دولارًا للطن على الترتيب بانخفاض تجاوزت نسبته 19% في مطلع العام الماضي.

خلال عامي المقارنة – قبل التراجع الأخير – لم تنخفض الأسعار المحلية لحديد التسليح بأكثر من 4500 جنيه في الطن، لتسجل 38 ألف جنيه في المتوسط العام بين كافة المصانع، مقارنة بنحو 42.5 ألف جنيه للطن مطلع عام 2024، بانخفاض لم تتجاوز نسبته 10.5%، بحسب الإعلانات الرسمية للمصانع إلى وكلائها. ويسلّط هذا الضوء على أن ما يحدث الآن ليس انعكاسا طبيعيا للتكاليف فقط.

لماذا الآن؟ الأسباب الحقيقية خلف التوقيت

فسر وكلاء لمجموعة شركات مختلفة لحديد التسليح توقيت تراجع الأسعار باختلالات بيعية لدى أكبر المنتجين في السوق “حديد عز”، ظهرت للمرة الأولى وبقوة على مبيعات الشركة في أكتوبر الماضي، نتيجة اندفاع أكبر على منتجات الشركات الأخرى المنافسة.

“الحافز الذي قدمته حديد عز بمثابة تصحيح لوضع مبيعاتها لأن الشركات الأخرى المنافسة كانت تبيع منتجاتها بأسعار أقل من التسعير الرسمي المعلن بداية من أكتوبر الماضي”، أوضح أحد المصادر من وكلاء مصانع الحديد.

“بعض المصانع باعت الطن في أكتوبر الماضي بما لا يتجاوز 35 ألف جنيه من أرض المصنع، بينما كانت أسعارها الرسمية أعلى من 38 ألف جنيه”، أضاف المصدر، وهو ما جذب إليها عملاء أكثر على حساب “حديد عز”.

من يضغط على من؟

المصانع الاستثمارية (الدرفلة) لعبت دورًا أكبر مما يبدو، حيث تحصل هذه المصانع – وعددها 22 مصنع – على البليت المحلي بسعر يقارب 29 ألف جنيه للطن، ومع إضافة نحو 3500 جنيه تكلفة درفلة، يبقى السعر النهائي أقل بكثير من أسعار حديد عز، وفق المصدر.

في الشهور الأخيرة، كانت الشركات الاستثمارية “مصانع الدرفلة” تعتمد على شركات كبيرة منافسة لـ”حديد عز” في درفلة منتجاتها من البليت، على أن تخرج هذه المنتجات إلى الأسواق بالعلامة التجارية للشركة التي تمت فيها عملية الدرفلة، بحسب المصدر. ما خلق حالة “تشبع سعري” في السوق ضغطت بشدة على مبيعات “حديد عز”، وفق المصدر.

فارق التكلفة: جوهر الأزمة

“البليت” الذي تستخدمه المصانع الاستثمارية يعتمد على الخردة المحلية بشكل رئيسي، والتي انخفضت أسعارها في آخر عامين بنحو 55%، على عكس “حديد عز” الذي يعتمد في إنتاجه من الصلب على الخامات الأولية من الأيرون أور بالدرجة الأولى، ثم مكورات الحديد، وجزء بسيط من الخردة، بما يحقق له المواصفات القياسية للإنتاج المحلي والتصدير.

يتراوح سعر طن الخردة المحلية حاليا بين 18 و20 ألف جنيه على أقصى تقدير، ومع إضافة 4000 جنيه لصهرها وتحويلها إلى بيلت يبلغ سعر الطن في المتوسط 23 ألف جنيه، قبل أن تحصل عليه المصانع الاستثمارية بنحو 29 ألف جنيه.

في المقابل، لم تنخفض أسعار الأيرون أور خلال العامين الماضيين بأكثر من 18%، وهو ما يوضح فارق التكاليف الذي ضغط على مبيعات حديد عز لتختار في النهاية تقديم حافز الأسعار الأخير، بحسب المصدر.

هذا الوضع، قلص مبيعات حديد عز التقديرية التي تقترب من 300 ألف طن شهريا، إلى أقل من 180 ألف طن خلال أكتوبر الماضي، ويرجع ذلك إلى بقاء أسعاره أعلى من المصانع الأخرى، على الرغم من جودته الأفضل، قال المصدر.

“حديد عز”، تملك الحصة السوقية الأكبر في صناعة الصلب المصرية بإنتاج سنوي يبلغ 7 ملايين طن تتوزع بين 4.7 مليون طن من أطوال الصلب، و2.3 مليون طن من الصلب المدرفل على الساخن، وذلك من خلال أربعة مصانع متكاملة في مناطق الإسكندرية والسويس والسادات والعاشر من رمضان، بحسب الموقع الرسمي للشركة.

انخفاض مؤقت.. هل يستمر؟

في بداية الأمر، منتصف نوفمبر الماضي، أعلنت الشركات الحوافز والتخفيضات الرسمية لأسعارها بشكل مؤقت حتى نهاية نوفمبر، وإن كانت بأثر رجعي من بداية الشهر، لكن الشركات مددت الوضع حتى نهاية العام على أقل تقدير، بحسب المصادر. لكن لا توجد توقعات بعد لأسعار بداية العام.

كما استبعدت المصادر أن تعود الأسعار إلى مستويات المرتفعة مرة أخرى خلال العام المقبل، إلا إذا تبدلت أوضاع الأسعار العالمية للخامات، أو ظهرت أزمة تكاليف محلية جديدة تدفع المصانع لزيادة الأسعار مرة أخرى.

الخلاصة هي أن ما نشهده ليس “موجة انخفاض أسعار” عادية، بل إعادة توازن قسرية للسوق بعد أن اتسعت فجوة التكلفة بين المنتجين كبارهم وصغارهم.

انخفاض الخردة محليا خلق أيضا ميزة تنافسية لصالح مصانع الدرفلة، بينما ظلت المصانع المتكاملة تواجه تكاليف أعلى، وكانت النتيجة تآكلا في مبيعات المنتج الأكبر (عز)، وبالتالي اضطراره لخفض السعر لحماية حصته السوقية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

معركة الحصص السوقية: “لماذا ينخفض سعر الحديد.. ولماذا الآن؟”

البحث عن إجابة لسؤال "لماذا انخفضت أسعار الحديد؟" ليس كافيا...

منطقة إعلانية