فى الوقت الذى كان يحاول فيه الاقتصاد العالمى، التعافى والاستقرار بعد أسوأ أداء له منذ عقد من الزمن، جاءت الغارة الجوية التى شنتها الولايات المتحدة فى العراق، والتى أسفرت عن مقتل قاسم السليمانى، أحد أقوى الجنرالات الإيرانيين، لتعتبر بمثابة رسالة تذكيرية بمدى هشاشة التوقعات الاقتصادية.
قالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن الاتفاق التجارى اﻷولى بين الولايات المتحدة والصين، ساهم فى تعزيز توقعات النمو الاقتصادى العالمى، والتى أشارت بإمكانية انتعاش الاقتصاد خلال عام 2020، كما بدأت الثقة فى اﻷعمال التجارية تتحسن ببطء، إذ أظهرت مقاييس التصنيع الرئيسية، إشارات تدل على بدء تحسن قطاع التصنيع بعد أن وصل إلى أدنى مستوياته، أما الآن، فيمكن للتصعيد اﻷخير الذى شهدته التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، إخماد أى شعور إيجابى.
فالارتفاع المستمر فى أسعار البترول- ارتفعت العقود الآجلة فى بورصتى لندن ونيويورك بأكثر من %4 إثر الأخبار اﻷخيرة- من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصادات التى تعتمد على واردات الطاقة، وأن يقمع الطلب على السلع الاستهلاكية.
وقال الخبير الاقتصادى فى بنك OCBC فى سنغافورة، ويليان ويرانتو، إن الوضع يذكره بلعبة Whac-A-Mole، التى يحاول خلالها اللاعبون إيقاف أمر ما يحدث باستمرار بطريقة عشوائية، مشيراً إلى أنه كلما بدأت اﻷسواق التعافى فى ظل تراجع مخاطر تصعيد الحرب التجارية، يظهر حدث خطير آخر من أى مكان آخر.
ارتفاع أسعار البترول
ستتوقف أمور كثيرة على ما إذا كان ارتفاع أسعار البترول مستمراً أم لا، فالارتفاع الحاد فى أسعار البترول سيحدث تأثيراً سلبياً بشكل كبير على الاقتصادات خارج منطقة الشرق الأوسط.
وأشارت «بلومبرج» إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة يؤثر على الاقتصادات بطرق مختلفة، فالدول التى تعتبر مستورداً صافياً للطاقة، ستشهد تضرر دخل وإنفاق اﻷسر لديها، كما أن معدلات التضخم قد تتسارع.
ووفقاً لذلك، فإن الصين معرضة للخطر، باعتبارها أكبر مستورد للبترول فى العالم، وهناك العديد من الدول الأوروبية تعتمد أيضاً على الطاقة المستوردة، كما يمكن أن تحقق الأسواق الناشئة، التى تهيمن على قائمة الدول المنتجة للبترول، عائدات أكبر، مما يساعد على سد العجز فى الحساب الجارى.
ومع ذلك، قال كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك «رينيسانس كابيتال» الاستثمارى، تشارلى روبرتسون، ومقره لندن، إن المخاوف المتعلقة بارتفاع أسعار الطاقة المرتبطة بالاضطرابات الجيوسياسية، جاءت وتلاشت مرات عديدة على مدار العقد الماضى.
وأوضح أنه فى الوقت الذي يستمر فيه خطر تهديد توقف الإمدادات، توجد هوامش أمان رئيسية لمواجهة تلك التهديدات، مشيراً إلى أن احتياطيات البترول الاستراتيجية ربما تكون كبيرة بما فيه الكفاية فى الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبى لمواجهة تعطل منشآت البترول السعودية أو مضيق هرمز.
وفى أعقاب الغارة الجوية اﻷمريكية التى حدثت يوم الجمعة الماضية، ارتفع سعر خام برنت فى لندن إلى 69.16 دولار للبرميل، وهو أعلى سعر منذ الهجمات التى شهدتها البنية التحتية البترولية السعودية فى سبتمبر الماضى، ومع ذلك استقر السعر مع إغلاق اﻷعمال فى آسيا، مما يدل على أن البترول الخام قد يحتاج إلى ضربة ملموسة بشكل أكثر لإبقاء اﻷسعار مرتفعة، ومع ذلك، لايزال خبراء الاقتصاد حذرين.
وقال الخبير الاقتصادى فى بنك OCBC فى سنغافورة، هوى لى: «هذا هو آخر ما يحتاج إليه العالم»، موضحاً أنه إذا ارتفعت أسعار البترول، فمن المرجح أن يؤدي ارتفاع التضخم الناتج عنها إلى عرقلة الانتعاش الاقتصادى، وأضاف أنه رغم كل الاهتمام الذى حظيت به الحرب التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنها مجرد تذكير بأن مخاطر حدوث تطورات غير متوقعة لا تزال قائمة.
وتوقع عدد من المحللين فى «سيتى بنك» إمكانية ارتفاع أسعار البترول إلى مستوى يزيد على 70 دولاراً للبرميل فى أى وقت قريب، مشيرين إلى إمكانية أن تكون هناك عوامل هبوطية فى وقت لاحق من العام الحالى، مع احتمالية أن تجد إيران والولايات المتحدة شيئاً مشتركا بينهما للتوصل إلى اتفاق جديد.
أسواق اﻷسهم العالمية
أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن أسواق اﻷسهم العالمية سجلت تراجعاً عقب اغتيال السليمانى، لكن التأثير المحتمل على الأسواق فى المدى الطويل، يتوقف على الشكل الذى يتخذه الرد الانتقامى.
وأفاد رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلى فى «رابوبنك»، إلوين دى جروت، أن المخاطر الجيوسياسية لاتزال قائمة، موضحاً أن هذه المخاطر أثرت بلا شك على الأسواق خلال اﻷعوام الماضية، ولكن هذا التأثير لم يكن دائما، ومع ذلك لاتزال الجغرافياً السياسية مهمة على اﻷقل، لأنها يمكن أن تتحول دائماً إلى عامل أكثر سوءاً بالنسبة للأسواق عند مرحلة ما.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا