فى ظاهر الأمر، يبدو أن المرحلة الأولى من الاتفاق التجارى الموقع بين الولايات المتحدة والصين، الأسبوع الماضي، ستوفر دفعة قوية لمنتجى البترول والغاز الأمريكيين، الذين يحتاجون إلى تطوير أسواق تصدير جديدة، والذين قد يعتمد نجاحهم مقارنة بالمصدرين الأكثر قربا من أكبر مستورد للطاقة فى العالم، على الاقتصاد بقدر ما يعتمد على السياسة.
ويُلزم بند تجارة الطاقة فى الصفقة الموقعة فى 15 يناير الحالي، الصين بزيادة مشترياتها من منتجات الطاقة الأمريكية- البترول الخام والمنتجات المكررة والغاز الطبيعى المسال والفحم- عن مستويات عام 2017، وهو أمر هام بالنسبة للمصدرين الأمريكيين قبل بدء الحرب التجارية فى عرقلة العلاقات الثنائية.
واتفقت الدول على ضرورة زيادة الشحنات عن مستوى عام 2017، لتصل إلى ما لا يقل عن 18.5 مليار دولار هذا العام، وألا تقل عن 33.9 مليار دولار فوق نفس خط الأساس فى عام 2021.
ويحتاج المنتجون الأمريكيون إلى تطوير أسواق تصدير جديدة لتصريف الإنتاج الذى لا يزال ينمو بوتيرة أسرع من احتياجات الطاقة المحلية، خاصة أن المعروض المفرط يحد من أسعار البترول والغاز الطبيعى المحلية ويؤثر على اعتباراتهم المالية.
وبالعودة إلى سنة الأساس فى 2017، قبل انتقام الصين من الموجة الأولى من التعريفات الجمركية الأمريكية المفروضة على صادراتها، قام المصدرون الأمريكيون بشحن منتجات ذات صلة بالطاقة بقيمة 9 مليارات دولار إلى الصين، وفقا لبيانات لجنة التجارة الدولية الأمريكية.
ووصلت صادرات البترول الخام إلى 78.7 مليون برميل، وفقا للجنة التجارة الدولية، أو 81.8 مليون برميل، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وأوضحت بيانات إدارة معلومات الطاقة، أن البترول الخام كان يمثل نصف إجمالى صادرات البترول الأمريكية إلى الصين عام 2017، فى حين أن سوائل الغاز الطبيعى «الإيثان والبوتان»- التى تعتبر مكونات رئيسية بالنسبة لمعظم الإنتاج القادم من منتجى البترول الصخرى الأمريكي- تمثل ثلث الصادرات الأخرى.
وقفزت صادرات الغاز الطبيعى للصين إلى 2.5 مليار دولار فى عام 2017. ويرجع ذلك جزئيا إلى زيادة القدرة التصديرية فى محطة تسييل سابين باس فى ولاية لويزيانا الأمريكية، ولكن هذا لا يزال جزءا صغيرا فقط من إجمالى الغاز الطبيعى المسال التابع للمنتجين الأمريكيين.
وحددت الوكالة الدولية للطاقة حجم شحنات الغاز الطبيعى المسال لعام 2017 المتجهة إلى الصين عند 103 مليارات قدم مكعب، أو %15 من إجمالى الصادرات القادمة من الولايات المتحدة، وانخفض هذا الحجم فى كل من عامى 2018 و2019.
وهذا يعنى أن الصفقة من شأنها أن تؤدى إلى قفزة هائلة فى حجم صادرات البترول والغاز الأمريكى إلى الصين، فإذا كانت الزيادة بأكملها على شكل بترول خام فيمكن للصناعة أن تتوقع صادرات إضافية مقدارها 770 ألف برميل يوميا فى عام 2020 و 1.4 مليون برميل يوميا فى عام 2021، استنادا إلى سعر خام غرب تكساس الوسيط البالغ 60 دولاراً للبرميل وتكلفة الشحن البالغة 5.50 دولار.
ولكن ربما لا يتسم فتح السوق الصينى أمام منتجات الطاقة الأمريكية بالسهولة، خصوصا إذا كانت تعريفة الاستيراد الصينية البالغة %5 على البترول الخام الأمريكى والبالغة %25 على الغاز الطبيعى المسال والبروبان سارية المفعول.
ووفقا لتقرير عملاق البترول البريطانى «بي.بي» الإحصائى للطاقة العالمية، استوردت الصين 121 مليار متر مكعب (أى 4.29 تريليون قدم مكعب) من الغاز الطبيعى فى عام 2018، مع وجود نحو %60 من إجمالى الصادرات فى شكل غاز طبيعى مسال بينما تم تسليم البقية من خلال خط أنابيب قادم من دول فى وسط آسيا.
ويعتبر أكبر موردى الغاز الطبيعى المسال للصين- أستراليا وقطر وماليزيا وإندونيسيا- أقرب بكثير من الولايات المتحدة، وهو ما يمنحهم مزايا كبيرة فى تكاليف الشحن.
كما ستكون هناك منافسة أكبر من إمدادات خطوط الأنابيب مع بدء تشغيل خطوط أنابيب «قوة سيبيريا» فى شرق اﻷراضى الروسية، والذى سيوفر ما لا يقل عن 5 مليارات متر مكعب من الغاز الروسى هذا العام، وسيتضاعف هذا الحجم فى عام 2021 وسيصل فى النهاية إلى 38 مليار متر مكعب سنويا.
وأوضحت مجموعة «وود ماكينزي» الاستشارية أن كافة موردى الغاز سيواجهون تحديات ضعف نمو الطلب الصيني، فى ظل مواجهة البلاد رياحا معاكسة وخيارات عرض تنافسية وفيرة، كما أنه من المتوقع ارتفاع إنتاج الصين من الغاز بنسبة %9 خلال العام الحالي.
وفى قطاع البترول، شكل الموردون الأمريكيون %3 فقط من متطلبات واردات الصين من البترول الخام فى عام 2018، وهو اﻷمر الذى وفر لهم مساحة كبيرة للنمو.
ومن غير المحتمل أن تحل درجات الخام الأمريكية محل التدفقات القادمة من الشرق الأوسط، والتى عادة ما تكون ثقيلة وحامضة وتحتوى على تركيزات عالية من الكبريت يجب التخلص منها.
وتعتبر سوائل الغاز الطبيعى التى تشكل أساس معظم عمليات البتروكيماويات، واحدة من المجالات التى ربما يواجه فيها المنتجون الأمريكيون عقبات أقل. ويُنظر إلى البلاستيك أيضا على أنه مجال نمو رئيسى للطلب على البترول فى التوقعات متوسطة الأجل، كما تتنافس الصين مع الولايات المتحدة للحصول على المركز الأول فى قائمة الوكالة الدولية للطاقة للاستخدام المتزايد للمواد الأولية.
ويواجه منتجو سوائل الغاز الطبيعى والبترول الخام الخفيف الحلو منخفض الكبريت القادم من التكوينات الصخرية الأمريكية عددا أقل بكثير من المنافسين لشحناتهم، مقارنة بمصدرى درجات الخام الأمريكية الأكثر تقليدية، الذين يعتبرون الفائزون الحقيقيون فى قطاع الطاقة فى المرحلة اﻷولى من الاتفاق التجارى.
بقلم: جوليان لى
كاتب مقالات رأى لدى “بلومبرج”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا