ملفات

برايس ووتر هاوس: بيئة الأعمال فى الشرق الأوسط تتغير

تفاوت الثروة واختلال قطاع الأعمال يعزز غضب الشباب

انعدام الثقة فى مؤسسات الدولة يقوض خطط الإصلاح

13 مليون مستفيد من برامج الحماية الاجتماعية فى السعودية

 %47  من الوظائف الأمريكية مهددة بسبب ميكنة العمل خلال الـ15 عاماً المقبلة

 

عندما تبادل الباحثوت النقاش حول كيفية إعادة تشكيل التوجهات العالمية فى الشرق الأوسط كان الضجيج هائلاً، لأن المنطقة تقع فى بؤرة التركيز للاتجاهات طويلة الأجل التى مثلت اطار هذا النقاش، ومنها العوامل الديموجرافية والتحول فى الطاقة العالمية والتحضر والتغير المناخى والتقدم التكنولوجى، وتثير هذه القوى القوية تحديات كبيرة للحكومات والشركات فى الشرق الأوسط، مما يعقد البيئة التى تضررت بالفعل جراء انخفاض أسعار البترول.

ومع تحليل التوجهات الكبرى يمك تسليط الضوء على الفرص والتهديدات الاستراتيجية المستقبلية فى وقت لا تملك المنطقة رفاهية تأخير الاستجابة على هذه التحديات، فهى ليست شيئًا يمكن انتظار جيل آخر لمعالجته ولا يمكن معالجته باستخدام أساليب التفكير أولاً ثم التصرف على التراخى التى أوصلت الدول إلى هذه النقطة مهما كانت المواقف واسعة المدى وفعالة، حيث تغير المشهد بشكل هائل ودرامى.

وأصبح واضحاً أن ظاهرة التوجهات الكبرى طويلة المدى محيطة ببلدان الشرق الاوسط بالفعل وفى الوقت الذى يعمل فيه الباحثون، كما يشير تقرير منظمة برايس ووترهاويس كوبرس مع الحكومات وصانعى السياسات والشركات والمؤسسات العائلية، فإن السؤال المتكرر لم يعد متى ستحدث التوجهات الكبرى بل كيف سيتم التعامل معها فوراً.

وتهدف الدراسة إلى مناقشة عدة تحديات على راسها تفاوت توزيع الثروة والدخل واختلال نموذج الأعمال المثالى والفئات العمرية للسكان والنزعة الشعبوية وفقدان الثقة فى المؤسسات، ويسعى الباحثون إلى التفكير من خلال الحلول التى تفيد على المدى الطويل، ويعنى المزيج غير المستقر من القضايا التى تواجه الشرق الأوسط أن الحكومات والشركات مجبرة جميعها على الاستجابة على نطاق واسع وبإلحاح لم يسبق له مثيل، ونتيجة لذلك، فإن المفاضلات بين الضغوط قصيرة وطويلة الأجل تتزايد والأكثر من ذلك أن الاعتماد على افتراضات قديمة أصبح أقل فائدة أكثر من ذى قبل فى إيجاد حلول بناءة على المدى الطويل.

وتعانى المنطقة بل وتعد نموذجا على الانفصال بين الحلول قصيرة الأجل والاحتياجات طويلة الأجل وهذه المتطلبات الملحة يمكن أن تضع ضغوطاً على التحولات الجارية، فلماذا سينجذب الشباب إلى القطاع الخاص عندما تكون الأجور والمزايا الأعلى متوفرة فى القطاع العام غير الكفء؟ وكيف يمكن تشجيع القطاع الخاص على خلق الوظائف والاستثمار محلياً إذا كان ملزماً بقواعد مصممة للحفاظ على وضعه تحت السيطرة وزيادة الإيرادات فقط؟

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التحديات تتفاعل وتتعزز مع بعضها البعض، مما يجعل وضوح آثارها الجديدة مهم للمنطقة ومنها:

أصبحت المشاكل أكبر وأضخم وتأتى بسرعة اكبر وتنتشر بشكل أسرع، فبالنظر لسعر البترول لم تعد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجى قادرة على الاعتماد على مصدر وحيد للإيرادات لتوفير النمو والأمن.

تتعامل الحكومات مع التعقيدات المتزايدة فى بيئة تتراجع فيها الثقة ومواردها محدودة وتنمو فيه المنافسة على المواهب ولم تعد الشركات قادرة على تحمل الاعتماد على الإنفاق الحكومى ودعم الأعمال، مما يجبرها على خفض التكاليف وأن تصبح قادرة على المنافسة عالمياً.

يسهم التفاوت المتزايد فى الثروة والدخل واستقطاب المجتمعات بشكل متنامى وسرعة التغيير فى زيادة مصاعب المؤسسات فى التكيف مع الأوضاع الحالية وترفع تكلفة الفشل، وتجرى حالياً إعادة هيكلة للميثاق الاجتماعى بين الحكومات والمواطنين، ويتم التعبير عن مطالب وإحباطات جديدة علانية عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

وتعنى الضغوط الديموجرافية واختلال نماذج الأعمال أنه لم يعد بإلامكان خلق فرص عمل للشباب بالمقياس المطلوب ويجب على القطاع العام أن يحول نفسه إلى كيان مسئول عن تمكين القطاع الخاص بدلاً من كيان اقتصادى منافس.

أولاً: تفاوت الثروة والدخل (عدم التماثل)

يشير عدم التماثل فى الشرق الاوسط إلى التفاوت المتزايد بين النخبة الثرية الصغيرة وبين مجموعة متنامية من المواطنين ذوى الثروات والدخل المحدودين الذين يشعرون بالغضب أو الإحباط بسبب عدم قدرتهم على التمتع بالحياة، كما كانوا ينتظرونها ويمثل هذا التفاوت ظاهرة عالمية ففى الواقع هناك 50% من ثروة العالم مملوكة الآن لنحو 1% من سكان المعمورة.

وفى أجزاء من دول مجلس التعاون الخليجى، يؤدى التفاوت المتزايد فى الثروة إلى تفاقم التوترات الاجتماعية خاصة بين العدد الكبير من الشباب غير القادرين على الحصول على وظيفة.

وفى السعودية يعانى ثلث المواطنين ممن هم فى سن العمل دون الخامسة والعشرين من البطالة بينما يوجد فى سلطنة عمان ما يقرب من نصف الشباب لا يستطيعون الحصول على وظيفة، بما فى ذلك ما يقرب من60 ألف من خريجى الجامعات فى عام 2017.

ورداً على ذلك، تحاول الحكومات تعزيز دور القطاع الخاص الذى يخلق الوظائف، واستبدال العمال المغتربين بالمواطنين الأصليين على غرار برنامج السعودة.

كما تعمل على تحسين المهارات المحلية وتوفير إمكانية الوصول إلى خدمات عامة عالية الجودة وبأسعار معقولة بداية من الرعاية الصحية إلى السكن وقد أنشأت الحكومة السعودية شبكة أمان اجتماعى لحماية المواطنين المحتاجين واستفاد من مميزاتها 13 مليون شخص.

ثانياً: اختلال نماذج الأعمال

لقد أصبح الاختلال ديناميكية مركزية للاقتصاد العالمى حالياً، حيث إن التكنولوجيات المتقدمة تعيد تشكيل نماذج الأعمال التجارية وتطمس الخطوط الفاصلة بين الصناعات المختلة وتخلق لاعبين جدد غير مرتبطين بمنظمات تقليدية تراثية وهى نماذج تؤدى إلى تدمر الذين يفشلون فى التكيف بسرعة كافية مع العصر الرقمي.

ولهذه التغييرات آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية هائلة حتى فى دولة كبرى مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال حيث من المتوقع ميكنة 47% من الوظائف فى السنوات الـ 15 المقبلة بحسب تقديرات مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز.

وأدى ضعف القطاع الخاص فى الشرق الأوسط إلى جانب القيود الإبداعية والنزعة الحمائية للقواعد التنظيمية الى تأخير التحول الرقمى على نطاق واسع، وذلك يتناقض من الإمكانات التى خلقها سكان المنطقة الشغوفين بالتكنولوجيا والذين يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى بنية تحتية رقمية جيدة.

وتمثل التجارة الإلكترونية 2% فقط من مبيعات التجزئة على سبيل المثال مقارنة بـ 15% فى الأسواق المتقدمة، ومع ذلك، فقد بدأت حتى موجة التغيير الأولى وقد وصلت نماذج المشاركة فى الاقتصاد للمنطقة مثل شركة أوبر بجانب الاستخدام الواسع لوسائل الإعلام الاجتماعية ونمو التجارة الإلكترونية، مما يلزم الشركات بالتكيف مع هذه المتغيرات لتجنب تآكل قواعد العملاء وتقويض نماذج الأعمال القديمة.

وتبقى الشركات وكذلك الحكومات فى الشرق الأوسط مهيأة لحدوث خلل سريع وعميق فى الوقت الذى تدرك فيه المنطقة وتيرة التغيير فى بقية العالم لأن العديد من الشركات لاتزال فى حالة إنكار رغم أن البعض بدأ يدرس ما حدث لأقرانه حول العالم ويستعدون لمواجهة التغيرات.

وتمثل البنوك فى دول مجلس التعاون الخليجى نموذجا معقول فى محاولة الاستعداد للتنافس العالمى فى حين يبحث تجار التجزئة عن إمكانات التكنولوجيا الرقمية واستخدام الروبوتات لخفض التكاليف وتحسين الخدمات.

وتحاول إمارة دبى أن تتوقع تأثير التغيير من خلال إنشاء وحدات تدمير ذاتى لنماذج العمل القديمة فى كل دائرة حكومية لتحقيق هدف تحويلها إلى مركز لأفضل الممارسات.

ثالثاً: الفئات العمرية

تمثل الفئات العمرية لسكان المنطقة دافعاً كبيراً للتحول، حيث أن النمو السكانى السريع على مدى العقود القليلة الماضية خلق تضخما فى فئة الشباب حيث حوالى 60% من مواطنى دول مجلس التعاون الخليجى دون سن الـ30. وﻋﻟﯽ ﺳﺑيل اﻟﻣﺛﺎل ﺳيكون هناك ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯽ أكثر ﻣن 3 ملايين وظيفﺔ ﺟديدة ﻟﺗوظيف اﻟﺷﺑﺎب اﻟﺳﻌوديين اﻟذى سيدخل إﻟﯽ ﺳوق اﻟﻌﻣل ﺑﺣﻟول ﻋﺎم 2025، ويمثل عدد العاملين فى الحكومة 3 أضعاف القطاع الخاص على الرغم من المحاولات فى السنوات الأخيرة لتقليص القطاع العام.

لا يطالب السكان الشباب فقط بالوظائف فالشباب السعودى قلق من أنه يخسر امتيازات كانت من حق جيل آبائهم كما إنهم يريدون تعليمًا جيداً ووظائف ذات أجور عالية ويبقى الحصول على السكن والرعاية الصحية خارج نطاق قدراتهم، كما يريد كل من النساء والرجال فرصًا للترفيه والرياضة والسياحة وينتقلون سريعا إلى موقع تويتر للتعبير عن عدم رضاهم إذا شعروا بأن الحكومة لا تستمع إليهم.

على الجانب الأمنى، إذا تمكنت الحكومة من تسخير طموح شبابها الأذكياء، فيمكنهم تسريع وتيرة الابتكار والاستثمار والنمو، وتحقيق عائد ديموجرافى للمنطقة، وينتمى كبار قادة الأعمال فى المنطقة إلى سن الأربعينيات، مقارنة بمتوسط عالمى فى أواخر الخمسينيات.

رابعاً: النزعة الشعبوية

يمثل تزايد النزعة الشعبوية والقومية استجابة لانهيار الإجماع العالمى حول الانفتاح على التجارة والاستثمار والمهارات الدولية الذى أستمر لعقود، وتتحول البلدان فى جميع أنحاء العالم إلى الانغلاق الداخلى، مما يثبط الهجرة والتعاقدات الخارجية، مما يدفع الشركات إلى الاستثمار وخلق فرص العمل محلياً، ونتيجة لذلك يتزايد النـزاع الدولى وتتعرض الدول لمستويات أكبر من انعدام الأمن.

وفى منطقة الشرق الأوسط تواجه الدول تحديات الشعوبية والقومية وأزمة الهوية بل وتصل الى ان تكون بؤرة توتر لـ3 أسباب.

1- بلغت التوترات والخلافات الجيوسياسية مستويات عالية وغالباً ما يتم استدعاء الولاءات الطائفية عبر الحدود، ومما يجعل ضمان الأمن هو المحرك الأساسى للسياسة.

2- تظل الهويات القبلية أقوى من الهويات الوطنية وهذا يفسر مثلاً التحديات التى تواجهها الإمارات فى فرض سياسات مشتركة بين امارة دبى وأبوظبى والإمارات الصغيرة على الرغم من التقدم المحرز فى بناء هيكل الدولة فى السنوات الأخيرة.

3- يشكل المغتربون فى دول مجلس التعاون الخليجى نسبة كبيرة من إجمالى السكان المقيمين، حيث تصل النسبة إلى 37% فى المملكة العربية السعودية و89% فى الإمارات بل ويهيمنون على القطاع الخاص بفضل انخفاض تكلفة مهاراتهم المرتفعة نسبياً، مما يجعل من الصعب على المواطنين المحليين منافستهم بدون نظام الحصص والقواعد الحمائية المنظمة لسوق العمل.

وأنشأت دبى نموذجًا يحتضن درجة عالية من الانفتاح على كل من الوافدين والشركات الأجنبية كما أنها بنت اقتصادًا مزدهراً بفضل مهاراتهم ورأس المال والعمالة والقوى الشرائية التى يحضرونها معهم.

وقد اتخذت المملكة العربية السعودية نهجاً مختلفاً بالتقليل من المغتربين لإفساح الطريق للمواطنين، لكن هذا الاقتصاد المغلق يخاطر بخسارة المهارات والمعرفة والأموال وسيجعل من الصعب اجتذاب المستثمرين الأجانب اللازمين لتحقيق برنامج الخصخصة الطموح فى البلاد.

خامساً: انعدام الثقة

وأخيراً، فإن الافتقار إلى الثقة فى المؤسسات والتكنولوجيا يجعل من الصعب على الحكومات والشركات أن تتصرف على المستوى العالمى، خاصة مع سريان انتشار نماذج المؤسسات الجديدة الى تتنافس مع أقرانها وتخضع لتأثير وسائل التواصل الاجتماعى على الجماهير، ففى الشرق الأوسط تتفاقم هذه الاتجاهات نفسها بسبب عدم نضج المؤسسات واللوائح، فضلاً عن الاعتماد على القادة الأفراد لإنجاز الأمور وهو امر يعزز مركزية اتخاذ القرار ويعطله أيضاً.

وحيث لا تكون الثقة فى الحكام قوية، كما هو الحال فى الكويت، فإن الاقتصاد يكون فى حالة ركود ويؤدى لهروب المستثمرين على الرغم من عائداته البترولية المرتفعة.

وحيث يتمتع القادة بدرجة عالية من الثقة كما هو الحال فى الإمارات فإن جو الثقة يدفع بخطى التغيير ويشجع الاستثمار مع الحفاظ على السلام الاجتماعى ومستوى عال من الأمن، وﻳﺘﻤﺜﻞ اﻟﺘﺤﺪى اﻟﺬى ﻳﻮاﺟﻬﻪ اﻵن ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺆﺳﺴﺎت تركز على اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، واﻟتى ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﻤﺎن اﻟﺘﻘﺪم اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ، ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى ﺗﺴﺎﻋﺪ قسه جهود سد اﻟﻔﺠﻮات اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺛﻘﺔ أكبر ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻣﺜﻞ اﻷﻣﻦ اﻟﺴﻴﺒﺮاﻧﻲ وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت.

وفى الإمارات ترتفع الثقة تجاه المؤسسات مجتمعة الى 24 نقطة فى المرتبة الثانية بعد الصين، وتعد خطة التحول الوطنية السعودية محاولة جريئة لبناء الثقة من خلال الإصلاح بإعادة بنلاء أدوار وعلاقات الحكم والقطاع الخاص والمواطنين لاقتصاد لم يعد يعتمد على البترول، لقد كان التقدم الحقيقى بطيئًا، لكن الشكوك الأولية تلاشن بفضل مزيد من الوضوح وإدراك أن الحكومة جادة للغاية وتعمل بجد للاستعداد لإجراء تغيير كبير، مما يجعل الرهانات عالية.

 

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية