مقالات الذهب

إفريقيا.. الحدود الأخيرة للنمو العالمى

تمثل إفريقيا %17 تقريباً من إجمالى سكان العالم فى الوقت الراهن، ولكنها لا تستحوذ سوى على %3 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهى إحصاءات لا تبرز الفشل فى استغلال إمكانات التنمية فى القارة السمراء فقط، بل إنها تسلط الضوء أيضاً على الفرص والمخاطر الهائلة المنتظرة.
وعلى الرغم من تاريخ القارة الحافل بالأوقات السيئة والصراعات، إلا أنها تمكنت من تحقيق مكاسب مهمة فى العقود الأخيرة، فقد بلغ متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى %5 سنوياً منذ عام 2000، أما فيما يخص القارة بأكملها فقد كان المعدل أقل من ذلك قليلاً.
ووفقاً لتقرير البنك الدولى لعام 2019، انخفض معدل الفقر المدقع فى أفريقيا، الذى يعرف بانخفاض الدخل عن 1.90 دولار يومياً، من %54 فى عام 1990 إلى ما يزيد قليلاً على %41 فى عام 2015، مما أثر على 400 مليون شخص تقريباً.
وإذا استمر الاقتصاد فى النمو بمعدل اليوم حتى عام 2030، فإن معدلات الفقر فى القارة السمراء ستنخفض إلى %23، ولكن بالنظر إلى معدلات الحد من الفقر فى أماكن أخرى من العالم، فإن هذه النسبة ستظل تمثل حصة متزايدة من الفقر العالمى.
وتتمتع أفريقيا بإمكانات من شأنها اقتيادها لتحقيق ما أبعد من ذلك بكثير، فقد أشارت تقديرات عام 2016 الصادرة عن شركة «ماكينزى للاستشارات الإدارية» إلى أن القارة الأكثر شباباً والأسرع تحضراً فى العالم سترتفع كثافتها السكانية فى المتوسط بمقدار 24 مليون نسمة بشكل سنوى بين عامى 2015 و2045، وهو ما يزيد على تقديرات الهند والصين مجتمعين، ويدل على زيادة كبيرة فى الاستهلاك.
ويبلغ إجمالى إنفاق المستهلكين والشركات فى أفريقيا بالفعل 4 تريليونات دولار، ويتوقع ارتفاع استهلاك الأسر بنسبة %3.8 سنوياً حتى عام 2025، ليصل بذلك إلى 2.1 تريليون دولار، كما أنه من المتوقع ارتفاع الإنفاق التجارى من 2.6 تريليون دولار فى عام 2015 إلى 3.5 تريليون دولار فى عام 2025، وإجمالاً، يتوقع تقرير «ماكينزى» ارتفاع فرص الأعمال التجارية الأفريقية إلى 5.6 تريليون دولار بحلول عام 2025.
وتكمن بعض هذه الفرص فى الزراعة، فإذا قامت أفريقيا، التى تمتلك %60 من الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم، بتكثيف إنتاجيتها الزراعية، فإنها بالتالى ستتمكن من إنتاج ضعفى إلى 3 أضعاف ما تنتجه حالياً من الحبوب والبذور الغذائية، مع تسجيل زيادات مماثلة فى محاصيل البستنة والثروة الحيوانية.
وهناك فرص أخرى كامنة فى البنية التحتية، فاعتباراً من عام 2010، كانت أفريقيا بحاجة إلى ما لا يقل عن 46 مليار دولار من الإنفاق الإضافى بشكل سنوى لتحسين شبكات الطاقة والمياه والنقل.
وبطبيعة الحال، تضم بعض الفرص الاستثمارية الموارد الطبيعية الوفيرة فى أفريقيا، والتى تشمل %10 من احتياطى البترول فى العالم و%40 من الذهب و%80 من البلاتين، ولكن لا ينبغى المبالغة فى تقدير أهمية هذه الموارد بالنسبة إلى الرخاء المستقبلى فى أفريقيا.
وأشار تقرير الأبحاث الاقتصادية الصادر عن بنك «جولدمان ساكس» لعام 2019، إلى أن السلع شكلت ما يقرب من %30 فقط من نمو الناتج المحلى الإجمالى لأفريقيا منذ عام 2000.
وفى الواقع، يخلص التقرير إلى أن الدوافع وراء التسارع المزمن فى أفريقيا تبدو وكأنها عميقة وهيكلية، مما يعكس النجاح، الذى يحتاج إلى تعزيز من الآن فصاعداً من خلال الاستمرار فى دعم المؤسسات ودعم الاستقرار السياسى وتعزيز الديمقراطية وتعزيز تنسيق السياسات وتحسين سهولة ممارسة الأعمال وخفض الديون وفتح الأسواق المالية وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر وتسهيل نقل التكنولوجيا ورعاية رأس المال البشرى من خلال التعليم والرعاية الصحية على سبيل المثال.
وتظهر بعض الدول، خاصة اقتصادات شرق أفريقيا الأصغر حجماً، بالفعل مدى قوة هذه الإصلاحات، ووفقاً لهذا الصدد، يعتقد البعض أنه إذا اتبعت القارة بأكملها هذا النهج ودعمت الإصلاحات اللازمة وسرعتها خلال نصف القرن المقبل، فإنه بإمكانها تقليد صعود الصين السريع خلال الخمسين عاماً الماضية، ولكن لا يشعر كل فرد بالتفاؤل تجاه قدرة أفريقيا على الوفاء بوعدها، بل إن البعض يشك فى إمكانية تغلبها على إرث العبودية والاستعمار والتنافس بين القوى العظمى.
وهناك أيضاً مخاوف متعلقة بالمشهد الاقتصادى العالمى، خاصة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وما يصاحبها من تأثير على النمو وأسعار السلع، ولكن الكثير من الأمور ستتوقف على أداء أكبر اقتصادات القارة – مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا – والتقدم المحرز اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
وإذا نجحت أفريقيا، فى الوقت الذى تعمل فيه كشريك اقتصادى مستقر ومزدهر بالنسبة لبقية العالم، فبإمكانها انتشال الملايين من دائرة الفقر، وإلا ستظل القارة مقيدة بالفقر والخمول المؤسسى والفساد، مما يغذى عدم الاستقرار، وربما يمتد الأمر إلى بقية العالم، وسيشعر العالم بطمأنينة كبيرة إذا استطاعت القارة السمراء، التى ستصبح قريباً موطناً لنحو خُمس سكان العالم، وضع نفسها على طريق النمو والازدهار.

بقلم: كولن كولمان

المدير التنفيذى السابق لعمليات إفريقيا جنوب الصحراء بمجموعة «جولدمان ساكس» والزميل الأقدم فى معهد «جاكسون» للشئون العالمية بجامعة «ييل»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

رئيس الوزراء: 27% انخفاضا في أسعار السلع الأساسية حتى الآن

تراجعت أسعار السلع الأساسية في السوق المحلية، التي تتضمن الزيت...

منطقة إعلانية