فى كل مرة تتحول فيها منطقة من كونها فقيرة إلى غنية يكون عادة هناك دولة هى المسئولة عن بدء العملية، وفى أوروبا كانت بريطانيا، الدولة الأولى التى تتبنى الحركة الصناعية، وفى شرق آسيا كانت اليابان، وفى غرب أفريقيا قد تكون غانا.
ولدى غانا مجموعة من الميزات الكبيرة، مقارنة بالدول الأخرى فى المنطقة فيما يتعلق بموقعها الجغرافى ورأسمالها المؤسسى والبشرى، فهى تقع على ساحل ولديها العديد من الموانئ التى يمكن استخدامها لشحن واستلام البضائع، ويبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة، وهو عدد كبير كفاية لخلق سوق محلى كبير، ولكنه أيضاً صغير كفاية بما يجعل توفير الوظائف والطعام ليس تحدياً هائلاً، كما أن جماعة «أكان» العرقية تشكل أكثر من نصف السكان، ما يعنى أن غانا لديها تفكك عرق أقل من ذلك المتفشى فى العديد من الدول التى كانت مستعمرة من قبل.
وتحقق غانا درجات جيدة على المؤشرات الدولية لجودة الحوكمة والحرية والديمقراطية وسهولة القيام بأعمال والفساد، كما أن معدل وفيات الأطفال بها أقل من جيرانها وهو ما يشير إلى تمتع شعبها بصحة جيدة، ولها السبق فيما يتعلق بمعدل الأمية والتعليم.
وهذه المميزات جعلت غانا واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً فى القارة، ورغم أن معدل النمو فى 2019 بلغ %7، وليس النسبة المذهلة التى توقعها صندوق النقد الدولى عند %8.8، حيث توقع أن تكون الأسرع نمواً فى العالم، ولكنه لايزال رقماً كبيراً.
ولكن لكى تصبح غانا هى يابان أفريقيا، يتعين عليها الخضوع لتحول هيكلى، خاصة وأن الصادرات الرئيسية للدولة لاتزال جميعها من السلع، والتخصص فى السلع ليس بالضرورة بمثابة حكم إعدام للدولة، ولا تمتلك غانا نعمة الموارد مثل النرويج أو السعودية، ولكن مع تطبيق سياسة حكيمة ومستقرة يمكنها أن ترتقى بسهولة إلى حالة الدخل المتوسط مثل ناميبيا وبوتسوانا أو ربما تشيلى.
وبالفعل، قامت غانا بعمل جيد فى هذا الاتجاه، وارتفعت الإنتاجية الزراعية، وهو ما سمح للمزيد من سكانها بالانتقال من المزارع إلى المدن، حيث أصبحوا موظفين فى قطاع الخدمات، وهو ما يعد نهج نموذجى فى عدد من الدول النامية الغنية بالسلع.
ووجد الاقتصاديون دوجلاس جولين، وريمى جيدواب، وديتريش فولراث، إنه فى الدول المعتمدة بشدة على صادرات الموارد، يبدو أن عملية التحضر تتركز فى «المدن الستهلاكية»، حيث تتكون الاقتصادات فى الأساس من الخدمات غير القابلة للتداول.
ولكن قطاع الخدمات لا يخلق وظائف مضمونة وجيدة الرواتب، ومعظم التوظيف غير رسمى أو خطير، وذهبت الحصة الأكبر من مكاسب طفرة السلع إلى الأثرياء، ما عزز عدم المساواة، ووجد جولين وزملاؤه أن سكان ما يعرف بالمدن الاستهلاكية يكون حالهم أسوأ بكثير من سكان مدن الاقتصادات القائمة على التصنيع.
ولكن عندما تكون دولة ما قوية فى قطاعات الموارد الطبيعية، يكون من الصعب إشعال نوع الطفرة التصنيعية التى قادت دول مثل كوريا الجنوبية من الفتات إلى الثراء، وترفع صادرات السلع قيمة العملة المحلية ما يجعل الصادرات الصناعية أقل تنافسية، كما أنها تجعل الأجور فى القطاع الصناعى غير تنافسية.
وهو ما يفسر لما لم تثمر مجهودات غانا الجديرة بالثناء للتحول إلى التصنيع، وحاولت الدولة تأسيس مناطق اقتصادية، خاصة موجهة للتصدير مشابهة لتلك فى الصين، ولكن انتهى بها الأمر بالتخصص فى السلع وليس التصنيع.
ويتعين على غانا مواصلة المحاولة، وتتمثل أحد الأفكار فى دعم الصادرات الصناعية، وإذا كان هذا الدعم مستقراً وموثوق وكبير ودائم فقد تتمكن من إمالة كفة الميزان تجاه المنتجات الصناعية، ويمكن أن تتضمن تلك المحفزات دعماً لأجور العاملين فى قطاع التصنيع الموجه للتصدير، وهو ما سيسمح للعمالة بكسب لقمة عيش كريمة، بينما يوفر للمستثمرين فى المصنع التكاليف، وقد تشتمل أيضاً على توفير مصادر طاقة رخيصة ومستدامة لمصانع التصدير، نظراً لأن توليد الكهرباء يمثل مشكلة فى غانا، وهذا من شأنه أن يساعد الدولة على جذب المستثمرين من الصين وكذلك يخلق بيئة تنتعش فيها ريادة الأعمال، كما أن قبول المهاجرين الماهرين، خاصة من نيجيريا أو الشعوب الأفريقية الأخرى يمكن أن يساعد فى جمع خبرات تجعل الدولة وجهة جاذبة للاستثمار.
وتتوفر المواد الخام المطلوبة لتحقيق طفرة صناعية فى غانا، ولدى الدولة موهوبين ابتكاريين ورائدى أعمال، كما اتضح عند تقديم أول سيارة مصنوعة بالكامل فى غانا منذ عدة سنوات، كما أن الصين والدول الصناعية الأخرى مهتمة بشكل واضح بغانا كقاعدة إنتاج لسوق غرب أفريقيا المتنامى، ولكى يتحقق ذلك، يتعين على قادة الدولة ببساطة رفض الشعور بالرضا من الطفرة التى تقودها السلع والتحضر، وتمتعت غانا بنجاح كبير واستمرار ذلك التقدم يتطلب نموذجاً جديداً.
بقلم: نواه سميث
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا