مقالات

محمد العريان يكتب: المحللون الاقتصاديون أسرى جدد لمعنويات أسواق الأسهم

بعد أكثر من 3 أسابيع، على تفشى فيروس “كورونا” الذى تسبب فى موجة بيع عبر جميع الأصول سواء الأسهم الأمريكية أو الأصول الخطرة الأخرى، عادت العديد من المؤشرات إلى مستوياتها القياسية.

ويتكرر هذا النهج الحاد فى التعافى، مثلما حدث فى صدمتين سابقتين، خلال الأشهر الـ6 الماضية، وهما الهجوم فى سبتمبر الماضى على مرفق تكرير البترول السعودى الذى أخذ نصف الإنتاج اليومى، والهجوم الصاروخى الذى قتل جنرال إيرانى رفيع المستوى، ويسلط هذا النهج، الضوء على مدى عمق سيطرة فكرة “الشراء فى وقت التراجع ” على المستثمرين، خوفاً من فقدان أى فرصة مربحة.

وتجاوزت أوجه الشبه مع الأزمات السابقة أسعار الأصول، وتضمنت إشارات مشابهة من البنوك المركزية تنطوى على حديث داعم للاقتصاد، وهو ما عزز فكرة أن الصدمة الحالية هى واحدة أخرى مؤقتة وقابلة للاحتواء وسريعة الزوال.

ومع ذلك لم تع الأسواق بعد، فرقاً مهماً وهو أن هذه الصدمة ستأخذ وقتاً طويلاً لتنعكس آثارها على الأرض، وكلما طال هذا الوقت، كان الضرر الاقتصادى أعمق وأوسع، وظهر نهج التراجع الشديد ثم التعافى الحاد على شكل حرف “V”، فى مؤشر “فيكس” للتقلبات، وهو مقياس للخوف فى الأسواق، فقد ارتفع إلى 18.5 نقطة ثم إلى 19.5 نقطة قبل التراجع بثبات إلى أقل من 14 نقطة يوم الجمعة، ومع ذلك كان هذا النهج أقل بروزاً فيما يتعلق بأداء العائدات على سندات الخزانة وتقريباً غير موجود فى العديد من أجزاء أسواق السلع، وهو ما يؤكد تأثير البنوك المركزية على سلوك الأسعار وتكيف المستثمرين.

ومثلما حدث فى صدمات الأعوام القليلة الماضية، دفعت موجة البيع المبدئية بسبب كورونا، البنوك المركزية للإشارة إلى إدراكهم بالمخاطر الكبيرة على النمو، واستعدادهم لتقديم محفزات، حال تحولت هذه المخاطر إلى ضعف فى النمو.

ومن المثير للاهتمام، كيف كان هناك إجماع اقتصادى على تبنى نهج التراجع الشديد ثم التعافى الحاد للنمو، سواء داخل الصين أو عالمياً جراء الفيروس، رغم درجة عدم اليقين العالية المرتبطة بتطور هذه الصدمة على وجه الخصوص.

وكانت النتيجة، مجموعة من التوقعات بتراجع النمو فى الربع الحالى، يليه انتعاش فى الربع المقبل، مع تأثير ضئيل على العام ككل، وهو نهج يدعم تحركات الأسعار فى سوق الأسهم، وكما أظن متأثر بسوق الأسهم كذلك.

وتثير السرعة التى تبنى بها الاقتصاديون هذا النهج، أسئلة مثيرة للاهتمام بشأن تطور طبيعة العلاقة بين توقعات المحللين وأداء الأسواق، فقد أصبحت تشبه بشدة علاقة الأسواق بالبنوك المركزية والتى تحولت البنوك فيها من قائدة للسياسة النقدية إلى أسيرة معنويات المستثمرين.

ويعد هذا التحول المحتمل لدى المحللين الاقتصاديين بمثابة ظاهرة جديدة، وعلى عكس واقعة الهجوم على السعودية، كان هناك تفاؤل أقل بكثير فى البداية فيما يتعلق باستعادة مستويات الإنتاج.

وعلل كثير من الاقتصاديين هذا التشاؤم بأوجه عدم اليقين المتأصلة، والحاجة إلى الحذر، ولكن لاحقاً، فاجأت شركة البترول السعودية “أرامكو”، المحللين بالسرعة التى استعادت بها كامل الإنتاج، أما هذه المرة فإن المحللين – مثل البنوك المركزية – تبنوا سريعاً نهج التراجع الشديد ثم التعافى الحاد على شكل حرف “V” بغض النظر عن عدم اليقين الأكبر.

وتعود تطمينات المحللين، إلى حقيقة أن تفشى فيروس كورونا لم يتسبب فى توقف مفاجئ للنشاط مثلما حدث فى الأزمة المالية العالمى، ولكن كما جادلت سابقاً، فإن ذلك يتجاهل الفرق الجوهرى بين التوقف المفاجئ للنشاطات المالية والنشاطات الاقتصادية.

فالأول يؤثر على أنظمة الدفع والتسويات المالية، ويتم الشعور به على نطاق واسع من اليوم الأول، وعلى النقيض، يكون التوقف المفاجئ فى النشاط الاقتصادى متركزاً محلياً فى البداية، ثم تنتشر آثاره مع الوقت عبر الاقتصاد الأوسع، وهو ما يحدث حالياً.

وشل الفيروس فى البداية النشاط الاقتصادى فى مقاطعة ووهان فى الصين، حيث ظهر أولاً، ولكنه ضرب العرض والطلب داخل باقى الصين ثم خارجها.

وتزداد الأمثلة على ذلك كل يوم، فقد انهارت المبيعات في الصين، ودمرت السياحة الصينية على جانبى العرض والطلب، وازدادت التعطلات فى سلاسل التوريد العالمية، وهو ما سيجبر المصانع فى أوروبا وغيرها على الإغلاق قريباً.

ولا عجب أن هناك الكثير من الشركات متعددة الجنسيات تغلق أو تخفض توقعاتها للأرباح خلال العام الحالى، بما فى ذلك “أبل” التى أعلنت يوم الاثنين أنها لن تتمكن من مقابلة توقعات أرباحها، بسبب مشكلات العرض والطلب وخصوصاً تراجع الطلب في الصين واضطرابات سلسلة توريد جهاز “آى فون”، وقد يمهد الحديث بشأن نهج التراجع ثم التعافى الحاد، إلى مزيد من المناقشات حول تحول نهج متعافى على شكل حرف “U” أو ربما “W” أو “L”.

وإذا تحقق ذلك، فإن الفجوة بين أسعار الأصول الآخذة فى الارتفاع، والتقلبات المنخفضة من ناحية، والأسس الاقتصادية المتعثرة من ناحية أخرى، ستصبح هائلة، وهو ما سيعنى أن فترة الصعود الممتدة منذ عدة سنوات، والتى تعتمد على 3 محركات قوية – التقييمات الجذابة، والآمال فى أسس اقتصادية أفضل ومستدامة، والأحوال الفنية المحببة – ستعتمد بحدة أكثر على عامل واحد فقط وهو الأحوال الفنية وخصوصاً ثقة السوق، فى قدرة ورغبة البنوك المركزية فى ضخ سيولة وفيرة ومتوقعة التى تنفصل عن الاقتصاد الحقيقى.

بقلم: محمد العريان
المستشار الاقتصادى لمجموعة “أليانز” رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية