ملفات

الفائدة الأمريكية تهدد حلم الأرجنتين بالتحول إلى “دولة طبيعية”

 محاولات مستميتة للدفاع عن «البيزو» والرئيس متمسك بالتقشف ومخاوف من الاحتجاجات الشعبية
وجه رفع الفائدة الأمريكية ضربة لجهود الرئيس الأرجنتينى ماريشيو ماكرى لتحويل بلاده إلى «دولة طبيعية» تستطيع تدبير احتياجاتها التمويلية بأسعار وشروط مقبولة. وأدى ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية إلى تراجع جاذبية أصول الاقتصاديات الناشئة، ومن بينها الأرجنتين، للمستثمرين الأجانب.
واضطر البنك المركزى الأرجنتينى لرفع الفائدة المحلية ثلاث مرات الأسبوع الماضى لتصل إلى %40، وبلغ الرفع الأخير 12 نقطة مئوية دفعة واحدة لوقف تدهور قيمة العملة المحلية «البيزو» التى تراجعت %15 أمام الدولار منذ بداية العام الحالى.
وقالت صحيفة فاينانشيال تايمز، إن المركزى الأرجنتينى فاجأ الأسواق بالرفع المتتالى لأسعار الفائدة، فى خطوة عززت العملة المحلية التى تعرضت للانحدار بعد أن تضررت عملات الأسواق الناشئة بموجات البيع الكبيرة.
ويأمل ماكرى، أن يؤدى هذا الرفع المفاجئ لأسعار الفائدة فى وقف بيع البيزو وتقليص معدلات التضخم، ولكن موقع «سكاى نيوز» الإخبارى، قال إن الخطر الحقيقى الذى يواجهه هو استغلال المعارضة للوضع، لإعاقة مزيد من الإصلاحات الصديقة للأعمال والضرورية لإنعاش الاستثمار، وللإطاحة به فى الانتخابات المقبلة.
ورغم إطلاق «ماكرى»، برنامج إصلاح اقتصادى قاسٍ لإزالة التشوهات الاقتصادية فى عهد أسلافه، لايزال يتمتع بمعدلات تأييد تبلغ نحو %50 بين الشعب الأرجنتينى.
وانخفضت العملة، التى لاتزال متراجعة بنسبة %15 العام الحالى مقابل الدولار، إلى مستوى قياسى بلغ 22.25 بيزو للدولار الخميس الماضى بعد أن ارتفعت أسعار الاقتراض بمقدار 300 نقطة أساس.
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أن الأرجنتين فى طليعة عدد من الدول الناشئة التى تعانى عملتها من ضغوط بيع حادة وهروب رأس المال بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وقوة الدولار.
وأوضح جاى ليباس، كبير الخبراء الاستراتيجيين فى الدخل الثابت فى شركة «جانى كابيتال» لإدارة الأصول، أنه فى أى وقت تقوم فيه أى دولة برفع أسعار الفائدة بنسبة %12 فى أسبوع واحد للدفاع عن العملة فإنها تكون تجاوزت مرحلة الأزمة.
وذكرت الصحيفة، أن قوة الدولار تجعل الأسواق الناشئة من فئات الأصول التى تبدو ضعيفة أمام عملية إعادة تقييم أوسع من قبل المستثمرين الذين تدفقوا فى السنوات الأخيرة والذين اجتذبتهم العائدات الأعلى.
وعانت صناديق السندات فى الأسواق الناشئة من التدفقات الخارجة بأعلى مستوى منذ عام 2016، إذ آثار ارتفاع الدولار الأمريكى المخاوف بشأن قدرة الشركات على سداد الديون المقومة بالدولار.
وتظهر بيانات «إى بى إف آر»، للاستشارات العالمية أن المستثمرين سحبوا 129 مليون دولار من الأموال التى ركزت على أسهم أمريكا اللاتينية فى الأسبوع الماضى وهو الأسبوع الثانى على التوالى من التدفقات الخارجة.
وقالت الصحيفة، إن هذا الاضطراب يعد أولى اختبارات السوق الجادة لأجندة ماكرى، الإصلاحية منذ وصوله إلى السلطة قبل عامين ونصف العام، إذ وعد الناخبين بأنه سيجعل الأرجنتين «دولة طبيعية» وتعهد بالحصول على دعم من المستثمرين ومعظم الأرجنتينيين.
وقفز معدل الاقتراض الرسمى فى الأرجنتين اﻷسبوع الماضى من %27.25 إلى %40، إذ سعى البنك المركزى إلى تعزيز قيمة البيزو بعد أن أنفق بالفعل 5 مليارات دولار من احتياطيات العملات الأجنبية.
وأعلن وزير الخزانة الأرجنتينى نيكولاس دوجوفنى، أنه سيزيد من هدفه لخفض العجز المالى الأساسى من %3.2 من الناتج المحلى الإجمالى إلى %2.7 العام الحالى.
وأضاف أن التقارب نحو التوازن المالى غير قابل للتفاوض متعهداً بعدم الاستجابة «للضغوط الشعبوية» فى مساعى الحكومة لتقليل العجز المالى الكبير والذى تسعى لتمويله من خلال الاقتراض الأجنبى.
وأشار لويس كابوتو، وزير المالية، إلى أن خفض العجز يعنى أن الحكومة سوف تحتاج إلى اقتراض 3 مليارات دولار العام الجارى على الأقل وهذا يعنى أن حوالى %85 من احتياجات التمويل فى الأرجنتين لعام 2018 قد تمت تغطيتها بالفعل مقارنة بنسبة %75 فى وقت سابق.
والأرجنتين هى ثانى أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، بناتج محلى إجمالى يبلغ 600 مليار دولار.
وكانت البلاد فى وقت من الأوقات، واحدة من أغنى الدول فى العالم بسبب مواردها الزراعية والمعدنية الكبيرة وشعبها المتعلم، لكن أيضاً لديها تاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى.
وسبق ماكرى فى السلطة الرئيسة السابقة «كريستينا فيرنانديز دى كيشنر»، الذى امتد حكمها من ديسمبر 2007 حتى ديسمبر 2015، وكانت انتخبت خلفاً لزوجها الراحل نيستور، وكلاهما «دى كيشنر، ونيستور» اتبعا سياسات خاطئة عزلت الدولة وتسببت فى ركود اقتصادى.
وذكر موقع «سكاى نيوز» الإخبارى، أن التحدى الأكبر الذى يواجه الرئيس الحالى، ماريشيو ماكرى، والذى بدأ فترته الرئاسية فى 2015، هو التغلب على هذا الإرث.
وتبنى ماكرى، أجندة إصلاحية ونجح فى إعادة تقديم الأرجنتين دولياً، ولكنه يواجه عقبات على طول الطريق من الكونجرس الذى تسيطر عليه المعارضة.
ووعد الرئيس بتخليص الاقتصاد من الحالة السيئة التى وصل إليها تحت حكم أسلافه اليساريين، وكانت خطوته الأولى هى إصلاح الإحصاءات الرسمية التى تم تشويهها عمداً لإخفاء الحالة الضعيفة للاقتصاد.
وألغى ماكرى، السياسات والتعريفات الحمائية التى فرضتها كيشنر، ورحب مجدداً بالمستثمرين الأجانب، واضطر إلى تطبيق تدابير تقشفية لخفض العجز فى الموازنة بعد أن اتسع تحت حكم كيشنر.
وجمدت الأرجنتين سعر الغاز والكهرباء والمياه فى 2002، ما تسبب فى انهيار الاستثمار وترك شبكات الطاقة فى حالة خربة، وتحولت الأرجنتين، من مصدر للطاقة إلى مستورد، وذهب معظم الإنفاق العام إلى دعم الطاقة والرشاوى السياسية بدلاً من الاستثمار فى البنية التحتية.
وأصلح ماكرى، نظام المعاشات الذى كان يستهلك ثلث الموازنة الحكومية قبل تولى «كيشنر» الرئاسة، ولكن بعد سنوات من توليها السلطة ورشوتها للناخبين بالأموال المقترضة، أصبح يستهلك نصف الموازنة. وقضى على الكثير من الفساد الذى كان قائماً، ورفع أسعار الطاقة والمواصلات إلى مستويات قريبة من أسعارها السوقية.
وهذه الإصلاحات دفعت المستثمرين الأجانب إلى مساندته، ونجح أحدث إصدارات الدولة للسندات بآجال تصل إلى 100 عام، وهو ما كان بمثابة انتصار لدولة تعثرت فى سداد التزاماتها 8 مرات، منذ أن استقلت عن إسبانيا فى 1816، كما أنه دليل على الثقة فى ماكرى.
وتقول سكاى نيوز إن الأمور أصبحت أكثر صعوبة مؤخراً، وضاق الشعب ذرعاً بالتدابير التقشفية وبدأت النقابات تقاوم الإصلاحات التى تجعل سوق العمالة أكثر تنافسية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

رئيس الوزراء: 27% انخفاضا في أسعار السلع الأساسية حتى الآن

تراجعت أسعار السلع الأساسية في السوق المحلية، التي تتضمن الزيت...

منطقة إعلانية