مقالات

محمد العريان يكتب: «كورونا» يزيد المخاطر فى سوق سندات الشركات

لدى موجات البيع المفاجئ فى السوق، طريقة بغيضة لكشف مواطن الضعف التى لها طبيعة مدمرة فى الأصل، وتخاطر بتضخيم الصدمة الأولية من خلال دورة تغذى نفسها بنفسها.
وفى هذا السياق، من الأهمية أن نتذكر الكميات الهائلة من ديون الشركات الأمريكية التى تواجه أغلبها احتمالية عالية بأن يتم خفض تصنيفها الائتمانى بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادى الحتمى نتيجة فيروس «كورونا»، وكلما تم تخفيض مزيد من سندات الشركات إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، ازدادت مخاطر تشوهات التمويل التى تجعل كل شىء أسوأ.
وتسبب انتشار الفيروس، فى صدمات متزامنة للطلب والعرض والتمويل، ويحتد التأثير بشكل خاص على الشركات التى تعمل فى المناطق المنكوبة مثل مقاطعة ووهان فى الصين، وشمال إيطاليا، وفى القطاعات الأكثر تضرراً مثل الطيران والفنادق والسفن السياحية وحتى الطاقة، وأدى تفشى الفيروس، إلى الإخلال بنسب التكلفة إلى الدخل من خلال ضعف الإيرادات وزيادة الإنفاق، وهو ما زاد تعقيد القرارات بشأن أطقم العمل وإدارة المخزون.
وفى الوقت نفسه، أضعف الفيروس موثوقية سلاسل التوريد وإدارة المخزونات، واستنزف الاحتياطيات النقدية، أما بالنسبة للشركات ذات الكميات الهائلة من الديون المستحقة فى وقت قريب، فقد تسبب «كورونا» فى الحد مما كان حتى الوقت الحالى وصولاً سهلاً للغاية، للائتمان، وكلما انتشر الفيروس، ازداد عدد «التوقفات المفاجئة» فى النشاط الاقتصادى حول العالم، وازدادت صعوبة تخفيف السياسات للصفعة.
وبعد كل شىء، هذه الصدمة ليست مثل «التوقف المفاجئ» فى القطاع المالى والذى تتدخل فيه البنوك المركزية لتهدئة المخاوف وتعالج إخفاقات الأسواق وتساعد على التعافى الاقتصادى، أما التوقف المفاجئ فى النشاط الاقتصادى، فيتطلب تقدماً حاسماً فى تقليص معدلات انتقال العدوى وتحسين الحصانة من الفيروس وارتفاع فى عدد حالات التعافى، وبالتالى، فإن التحركات مثل الخفض الطارئ لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطى الفيدرالى يوم الثلاثاء الماضى، غير فعال فى إعادة تنشيط معظم التفاعلات الاقتصادية المتوقفة.
والنتيجة هى تدهور جودة الائتمان، فى وقت تتسم فيه العديد من أجزاء سوق سندات الشركات الأمريكية بأحوال تقنية ضعيفة، وتقدر «بلاك روك»، تضاعف حجم السوق، 5 أضعاف عما كان عليه فى 2001، ليقف حاليا عند حوالى 10 تريليونات دولار.
وشجعت سنوات الأحوال الاقتصادية المالية شديدة اليسر، على إصدار كم هائل من الديون بأقل أسعار فائدة على الإطلاق، بجانب انخفاض الفوارق فى العائد مع الأوراق المالية الحكومية الخالية من المخاطر، وكلما كان من الأسهل على الشركات إصدار السندات، كلما رغبت فى الانخراط فيما يعرف بالهندسة المالية لتغير هيكل رؤوس أموالهم، وهذا الاتجاه ترسخ نتيجة صفقات الاستثمار المباشر التى تعزز ميزانيات الشركات وتساعد على توزيع الأموال على المستثمرين.
وكانت النتيجة أن ديون الشركات ارتفعت بحدة أسرع من نمو الأرباح وأرصدة النقدية، وهو ما أدى إلى خفض كبير للتصنيفات الائتمانية الذى أخذ تقريباً نصف الديون ذات الدرجة الاستثمارية إلى تقييم «تريبل بى»، بعدما كان أقل من الـ5 فى 2001.
وثلث تلك الشركات يقع عند أقل تصنيف من الدرجة الاستثمارية وهو سالب «تريبل بى»، وبالتالى يواجه مخاطر أكبر لتخفيضه إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، وتزداد احتمالية نمو عدد متزايد من «الملائكة الساقطة»، فى وقت تظهر فيه الاختلالات الهيكلية الطويلة فى سوق السندات عالية العائد البالغ قيمته 1.2 تريليون دولار.
وعلاوة على ذلك قد تزداد مشكلات السيولة، نتيجة نقص اﻷموال التى ترغب الشركات الاستثمارية فى وضعها بالمنطقة دون الدرجة الاستثمارية، بسبب الارتفاع المفاجئ للفوارق فى العائد وأحوال التداول الأكثر عنفاً.
وهذا لم يكن ليشكل خطراً كبيراً على الصحة الاقتصادية والاستقرار المالى لولا تزامنه مع عدة تطورات أخرى، الأول وفقاً لـ«الاحتياطى الفيدرالى» فى نيويورك، تعادل صافى القدرة المالية – نسبة صافى ديون شركة إلى أرباحها قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك والاستهلاك – تقريباً السندات المصنفة عند «تريبل بى»، والديون عالية العائد، أما السندات ذات التصنيف الائتمانى الاستثمارى – باستثماء الديون ذات تصنيف «تريبل إيه» – فلدى شركاتها نسب استدانة أعلى من الشركات التى تعد سنداتها عالية العائد.
والتطور الثانى.. ستدمر عدم القدرة على تداول السندات عالية العائد، فور طرحها بفوارق جيدة (مع السندات منخفضة أو خالية المخاطر) السوق الأولية لإصدار السندات، مما سيضع ضغوطاً على الشركات التى تسعى لإعادة تمويل ديونها المستحقة، والثالث.. أدى انتشار صناديق المؤشرات إلى زيادة تواجد المستثمرين «قصيرى الأجل»، فى حين عزز الثقة المفرطة فى الأدوات «الجاهزة» لإدارة السيولة فى المحافظ الاستثمارية.
والرابع.. سيتطلع المستثمرون غير القادرين أو غير الراغبين فى بيع مملكاتهم عالية العائد، إلى أصول أخرى ليتخلصوا منها، مما سينشر الاختلالات من سوق لآخر، وأخيراً.. صاحب النمو الهائل لسوق الديون هذا، تراجع حاد فى الوسطاء المستعدين لإصلاح الأوضاع فى السوق فى أوقات الأزمات.
والآن، يتعين على الشركات والمستثمرين على حد سواء، الإبحار عبر التأثيرات الاقتصادية والمالية لفيروس «كورونا» الذى يزيد مخاطر الائتمان، فى حين يسحب السيولة من أسواق السندات، وكلما طال الوقت لاحتواء هذه التأثيرات، ازداد عدد الشركات التى سيخفض تصنيف ديونها الائتمانية، وازدادت تهديدات التعثر وازدادت احتمالية انتقال عدى الاضطرابات من الأسواق المالية إلى الاقتصاد.

بقلم: محمد العريان

المستشار الاقتصادى لمجموعة «أليانز» ورئيس كلية «كوينز» بجامعة «كامبريدج»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية