مع الإعلان عن تدابير نقدية ومالية طارئة وكاسحة، تجنب الاقتصاد الأمريكى والأسواق العالمية – على الأقل حتى الآن – الانحدار إلى وضع سيء للغاية، وهذه هى الأنباء الجيدة، أما الأنباء السيئة أنه لم يخرج أى اقتصاد أو سوق مالى حتى الآن من الغابة المظلمة، وينتظر الجميع مسارا صعبا للغاية، سيؤدى حتما إلى دمار اقتصادى ومالى، ويتطلب يقظة سياسية متواصلة وكذلك مرونة فى الاستجابة.
وفيما يلى، استعرض أربعة أمور رئيسية ينبغى أن نعرفها جميعا فى هذه المرحلة من الصدمة الاقتصادية والمالية التى يتصف بها جيلنا بسبب فيروس كورونا الذى اعترفت به منظمة الصحة العالمية كوباء وأطلقت عليه «كوفيد 19».
الأمر الأول، قبل أن يكشف «الفيدرالي» عن التدابير الطارئة التى تستهدف أجزاء وقطاعات معينة يوم 17 مارس الماضى، وقبل التقدم الذى أحرزه الكونجرس الأمريكى الأسبوع الماضى بشأن حزمة التحفيز التى تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار، فإن الاقتصاد والأسواق كانوا متجهين سريعا نحو حلقة مفرغة ذاتية التغذية تتسم بالتدهور الاقتصادى والمالى السريع والحاد والذى يعيد إلى الذاكرة تهديدات تمهد الطريق لكساد اقتصادى مثل ذلك المشهود فى 1930 أو لاضطرابات مالية وركود كبير مثل المشهود فى الأزمة المالية العالمية فى 2008.
والأمر الثانى، تمثل السياسات النقدية والمالية الطارئة المتخذة حتى الآن، دور قاطع تيار، أى أنها ساعدت فى تقليص مخاطر التشوهات المالية السوقية، وقدمت جسرا لمنع المخاطر الفورية لضغوط السيولة من التحول إلى مشكلات إفلاس، وبالطبع، كانت الأجزاء عالية الجودة من سوق السندات بعيدة عن مشكلات عدم توافر السيولة التى تؤدى إلى انهيار الأسواق.
وفى الوقت نفسه، ستؤدى المساعدات النقدية والقروض الطارئة التى سيقرها البيت الأبيض والكونجرس، إلى تحسين قدرة بعض الشركات على البقاء وتجنب تسريح العمالة.. وفى الوقت نفسه تتمكن من الإغلاق التام، كما أنها ستساعد الأفراد على مقابلة احتياجاتهم الضرورية.
أما الأمر الثالث، فإن الاقتصاد والأسواق المالية العالمية ورغم كل تلك التدابير الطارئة المتخذة لم تخرج من الغابة المظلمة بعد.. وهذا لا يعود فقط للأزمات الحتمية التى يواجهها تنفيذ تدابير إدارة الأزمات وما يتعلق بفاعليتها الفورية، وإنما لاستمرار الاستقرار.
وهناك حاجة لتحكم القطاع الصحى بقدر أكبر فى حدة ومدة تفسى فيروس كورونا خصوصا فيما يتعلق بتحديد الحالات المصابة واحتواء انتشار الفيروس ومعالجة الأمراض وزيادة المناعة.
وحتى يأتى وقت تحقق ذلك، سترتفع فى هذه الأثناء معدلات البطالة وإن كان بوتيرة أقل مما كانت، لتصبح دون المحفزات النقدية والمالية الطارئة، كما ستنتشر الضغوط بسبب التعثر فى سداد الديون الذى سيطال للأسف جميع الشركات تقريبا.
أما الأمر الرابع والأخير، فيتعلق بالأسواق.
وأفضل تفسير للتعافى المشجع فى الأصول الخطرة يوم الثلاثاء الماضى، والذى تضمن أفضل أداء لمؤشر «داو جونز الصناعي» فى يوم منذ عام 1933، هو أنه فرصة لتحسين المستثمرين لجودة مراكزهم الاستثمارية وليس إشارة من الأسواق بأن كل شيء أصبح على ما يرام.
وربما يتعين على المستثمرين فى الدخل الثابت حذو الفيدرالى فى الوقت الذى يبث فيه الاستقرار فى الأسواق عالية الجودة ويخفضون تعرضهم لسندات الشركات دون الدرجة الاستثمارية التى لديها ميزانيات عمومية محفوفة بالمخاطر.
أما المستثمرون فى الأسهم، فربما يتعين عليهم التفكير فى بعض التغييرات التى تتضمن التركيز على الشركات ذات التدفقات النقدية القوية، والقليل من الديون المستحقة خلال الأرباع
القليلة المقبلة.
وينبغى القيام بكل ذلك مع تبنى عقلية تقليص المخاطر وعدم الشعور بالندم بعد اتخاذ القرارات الاستثمارية، وألا يعودوا لتحمل المخاطر إلا بعد إحراز تقدم على الجبهة الصحية.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا