سؤال مهم طرحته وكالة أنباء «بلومبرج»، لأولئك الذين يديرون اقتصاد العالم النامى البالغ قيمته 35 تريليون دولار فى ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
من الأحياء الفقيرة فى مانيلا إلى القرى النائية فى كولومبيا، يمارس نحو 2 مليار شخص تجارتهم فى اقتصاد غير رسمى يخضع بالكاد للتنظيم وخالى من الضرائب. وربما تتوقف جهود احتواء الفيروس الذى أصاب أكثر من مليون شخص حتى الآن ، قريباً على أماكن تعوقها المؤسسات الضعيفة والموارد المقيدة والفساد.
%90 من العمالة غير الرسمية بالدول الناشئة
وتغلق الدول الناشئة، التى تعتبر موطناً لأكثر من 90% من العمالة غير الرسمية أو «الاقتصاد الموازى» فى العالم، الأضواء المشتعلة بشكل متزايد أمام الأنشطة التى تعتبر عرضة بشكل متفاوت للفيروس، والأنشطة الأقل استعداداً للنجاة فترة طويلة، والأهم من ذلك بالنسبة للجزء الأكبر من برامج الدعم الحكومية التى تقع خارج نطاق الوصول.
وقدرت ورقة عمل صادرة عن صندوق النقد الدولى، متوسط حجم اقتصاد الظل لـ 158 دولة بين عامى 1991 و2015 بنسبة 31.9% من الناتج الرسمى.
وإذا استقرت هذه النسبة حتى عام 2019، فإن هذا الأمر يعنى أن القطاعات غير الرسمية تشكل نحو 30 تريليون دولار.
التهديد الناشئ
فى جميع أنحاء العالم النامى، تتفاقم محنة العمال غير الرسميين بسبب مزيج من الأحياء الفقيرة المزدحمة والعائلات الكبيرة التى تعيش سويا فى مساكن صغيرة وغياب الفحوصات.
كما ظهرت نقاط ساخنة جديدة لفيروس كورونا فى أماكن منها مدينة غواياكيل الاستوائية فى الإكوادور التى استولى عليها الجيش الأسبوع الماضى.
ودفعت الطوارئ الاقتصادية المكثفة، مجموعة العشرين هذا الأسبوع إلى التحول نحو الحاجة لمساعدة الدول النامية.
وقال وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية، خلال اجتماع افتراضى عقد يوم الثلاثاء، إنهم يتطلعون لمعالجة نقاط الضعف فى الديون بالاقتصادات الناشئة، مما يسمح لهم بتركيز جهودهم على التعامل مع أى تهديد.
وبسبب الافتقار إلى شبكة أمان مالى وقلة الوصول إلى الرعاية الصحية، فإن المأزق الذى يواجه العمال غير الرسميين فى الهند، البالغ عددهم 450 مليون شخص، هو أحد أوضح الأمثلة على كيفية تهديد عدم المساواة الاجتماعية لتقويض الجهود العالمية لاحتواء الفيروس.
فمعظم هؤلاء الرجال والنساء يحصلون على 2 دولار يومياً فى المتوسط، كما أنهم لا يملكون الخيار للعمل من المنزل أو الحصول على إجازة أو تجنب وسائل النقل العام لممارسة التباعد الاجتماعي.
ومع ذلك، يساهم القطاع غير الرسمى فى الهند، بداية من بائعى المواد الغذائية على جانب الطريق والعمال المهاجرين فى مواقع البناء وحتى العمال الذين لا يملكون أرضاً للزراعة أو يديرون متاجر صغيرة فى الريف، بنصف إجمالى ناتجه المحلى البالغ 3 تريليونات دولار تقريباً، ويعمل به أكثر من %90 من إجمالى القوى العاملة، وفقاً للتقديرات الحكومية.
وكان صغار التجار فى نيجيريا يستعدون، خلال الأسبوع الماضي، لإغلاق مدينتى لاغوس وأبوجا، وقد تجاوزت أكبر دولة أفريقية من حيث الكثافة السكانية، الهند من حيث أعداد الأفراد الذين يعيشون فى فقر مدقع عام 2018، ويقدر حجم قطاعها غير الرسمى بما يصل إلى 65% من الاقتصاد.
إغاثة
بدأت المنظمات، التى تمثل ملايين العمال غير الرسميين، الدعوة للحصول على حصة من حزم التحفيز الضخمة التى يجرى طرحها.
ودعت مجموعة مكونة من 10 منظمات فى جنوب أفريقيا، تمثل نحو 5 ملايين عامل، الحكومة إلى تقديم منحة نقدية من شأنها السماح للعمال غير الرسميين بعزل الذات دون مواجهة معاناة اقتصادية، كما دعت إلى تزويد جماعى بالأقنعة الطبية والقفازات، بالإضافة إلى الصابون ومعقم اليدين فى الأماكن العامة التى تضم كثيراً من العمل غير الرسمى.
صعوبة الاستهداف
عكس الاقتصادات الأكثر تقدماً والأكثر قدرة على استهداف العمال وتعويضهم عن الأجور الضائعة، ستكافح الدول النامية لمساعدة العمال غير الرسميين للتعامل مع المواقف وظروف الحياة الصعبة، وفقاً لرئيسة قسم الهند وجنوب شرق آسيا فى مؤسسة «أكسفورد إيكونوميكس» فى سنغافورة، بريانكا كيشور.
وأضافت كيشور: «إذا كان القطاع غير الرسمى كبيراً، فأنا أشعر بالقلق الشديد بشأن الإغلاق المطول»، وتابعت إنه من الواضح أن التحدى يكمن فى الإجراءات المستهدفة، لأننا نحتاج إلى استهداف أكثر الفئات ضعفاً الآن، فكلما زادت حصة هذا الجزء فى الاقتصاد، كلما زاد حجم الألم الاجتماعى الذى سنشهده من سوء التغذية أو الوفيات.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، ليس هناك تحدى أكبر من ذلك الذى تواجهه أفريقيا، حيث يمثل الاقتصاد غير الرسمى أكثر من 85% من حجم العمالة.
وقال رئيس دولة بنين، الذى يعتمد بالكامل تقريبا على تهريب البضائع من وإلى دولة الجوار نيجيريا، مؤخراً، إن بلاده غير قادرة حتى على تحمل الإغلاق.
المقاومة
تتحرك معظم الحكومات لتشديد الخناق، رغم أن إغلاق أجزاء من الاقتصاد، التى عادة ما تكون مخفية عن الأنظار، ربما يؤدى إلى مواجهة وردود فعل عكسية.
ونشرت جنوب أفريقيا، التى تعانى من أعلى مستوى من عدم المساواة فى العالم، الأسبوع الماضى، الجيش لفرض إغلاق لمدة 21 يوماً، ولكن المساعدة المقدمة للقطاع غير الرسمى كانت بطيئة، إذ طرحت الحكومة حزمة تحفيز تتجاهل إلى حد كبير مئات الآلاف من الأشخاص الذين يكسبون دخولهم من عملهم كمصففى شعر أو باعة الجائلين أو بائعى مواد غذائية.
قال جي.جى ألكوك، مواطن جنوب أفريقى كتب العديد من الكتب حول القطاع غير الرسمى، إن العديد من الحكومات الأفريقية نسخت التدابير التى اتخذتها إسبانيا وإيطاليا وطبقتها.
ولكن إذا استمر الإغلاق لأكثر من 21 يوماً، فسيكون التأثير شديداً للغاية وسينتهى الأمر بتجاهل الناس له، مشيرا إلى أن إن تدابير الإغاثة التى يتم النظر فيها تتجاهل جزءاً كاملاً من اقتصاداتنا.
العنف والتوترات
احتج المئات فى المغرب على تطبيق الإجراءات الطارئة، وبدأوا فى ترديد الهتافات الدينية بعد يوم واحد من تطبيق الإغلاق فى مدن فاس وتطوان وطنجة.
تفرض الدولة الأفريقية، حيث يفتقر %60 من القوى العاملة لوجود تأمين صحى، قيوداً مشددة على التحركات فى الشوارع والأماكن العامة التى تم إخلاؤها من الأسواق المزدحمة تقليدياً، ولكن الغضب اندلع حتى بعد وعود السلطات بتقديم مساعدات صغيرة إلى عائلى الأسر العاملين بشكل غير رسمى فى بلد يقدر فيه اقتصاد الظل بأكثر من ثلث الناتج المحلى الإجمالى.
صعوبة التحمل
تحاول الحكومة فى كولومبيا فرض حظر حتى منتصف أبريل الحالى، ولكنها تواجه مقاومة من العمال الذين يعيشون على موارد قليلة، وواجهت البلاد تضخم عدد القوى العاملة غير الرسمية فى السنوات الأخيرة بسبب فرار نحو 2 مليون مهاجر من الانهيار الاقتصادى فى فنزويلا.
أما فى بعض أجزاء الريف الكولومبى، يكاد يكون وجود الدولة معدوماً، كما أن القواعد تحددها جيوش خاصة ممولة بالكوكايين.
قالت كيشور من «أكسفورد إيكونوميكس»: «فى الدول ذات الاقتصادات غير الرسمية الكبيرة، ربما يؤدى الإغلاق الكامل إلى إجبارك على الاقتراب من شخص قد ينقل لك العدوى، ولكن إذا لم تسيطر الدول على انتشار الحالات رغم عمليات الإغلاق، فإن هذا الإغلاق سيستمر، مما يضاعف حجم الألم الاقتصادى والاجتماعى».
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا