هناك عامل إضافى يمكنه تفسير بعض تقلبات أسعار الذهب فى الأسابيع القليلة الماضية وهو أن أكبر اللاعبين فى السوق ربما يفقدون شهية الشراء.
وقرر البنك المركزى الروسى، أكبر مشتر للذهب حول العالم فى السنوات الماضية، لإيقاف جميع مشترياته من المعدن، وهو ليس الوحيد.
فقد أبطأت بنوك أوزباكستان وكازاخستان، الذين أصبحوا عملاء موثوقين خلال الفترة الماضية، وتيرة شرائهم.
وبلغت الإضافات الجديدة لممتلكات القطاع الرسمى من الذهب (أى ممتلكات البنوك المركزية والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى) فى يناير، 67 طنا متريا فقط، وهى أبطأ وتيرة منذ أغسطس 2018.
ويمتلك القطاع الرسمى حوالى خمس الذهب الذى تم استخراجه من الأرض، وكان المشترى الأكبر للمعدن بعد مستهلكى الجواهر العام الماضى.
وفى المرة السابقة الذى تحول فيها إلى صافى بائع فى التسعينيات وأوائل القرن الحالى، انهارت أسعار الذهب.. وإذا أعاد التاريخ نفسهن فإن للارتفاع الحالى فى السوق قد يذوب سريعا.
ومن غير المثير للدهشة أن أقوى مؤسسات فى العالم تتراجع عن شراء أصل الملاذ الآمن فى وقت تدفع فيه المعنويات المضطربة للمستثمرين القطاع الخاص سعر المعدن للارتفاع، كما أن شراء السبيكة وهى بالقرب من أعلى مستوى لها فى سبع سنوات وبعد شهر من تأرجح الأسعار فى نطاق %13، لا يبدو طريقة ذكية لإضافة الاستقرار إلى محفظتك الاستثمارية.
وربما يجادل البعض، أن الأزمة الحالية هى تماما الأزمة التى تتضمن نوع الطوارئ الذى يثبت القيمة الدائمة للذهب بالنسبة لبنك مركزى باعتباره أصل خال من مخاطر الطرف الثانى، ويمكن بيعه مقابل أى عملة إذا ساءت الأحوال. ولكن ثمة مشكلتين تتعلقان بحجة الشراء الآن.
فعلى المدى القصير، يكون الذهب قيما فى أزمة فقط بقدر استعدادك لبيعه. وأى دولة تواجه نقصا فى العملة الأجنبية لإدارة ميزان مدفوعاتها، ينبغى أن تسيل ممتلكاتها من المعدن فى الوقت الحالى وليس إضافة مزيد من الذهب.
وعلى المدى الطويل، فإن إعلان «الفيدرالى» الأسبوع الماضى عن تدبير مؤقت يسمح للبنوك المركزية بتبادل ممتلكاتها من سندات الخزانة مقابل النقدية، ينسف تماما حجة الشراء فى الوقت الحالى.
وفى عالم لا يزال يقوم على الدولار، فإن عامل الجذب الأساسى للذهب هو السهولة التى يمكن استبداله بها بالعملة الخضراء. وطالما أن العائد على أذون الخزانة الأمريكية لا يصل إلى صفر، فستكون الأذون طريقة أكثر جاذبية للحصول على الدولار طالما أن خطوط المبادلة مفتوحة.
وجاءت شهية القطاع الرسمى للذهب فى السنوات الأخيرة، من مجموعة صغيرة للغاية من الاقتصادات الناشئة فى الأساس. وشكلت روسيا والصين وكازاخستان وتركيا وأوزباكستان وبولندا والمكسيك %90 من صافى المشتريات.
ووصل معظم هؤلاء المشترين إلى مرحلة أُرهقت فيها شهيتهم، وتمتلك الدولتان من وسط آسيا حاليا، نصف احتياطياتهم النقدية تثريبا فى صورة ذهب، وهو ما يزيد عما قد يحتاجونه لموازنة محافظهم وإدارة مخاطر عملاتهم.
وبلغت ممتلكات تركيا فى نهاية ديسمبر حوالى %20 من احتياطياتها، أى أعلى من السقف المحدد المعلن فى يناير.
وأوقفت روسيا مزيدا من المشتريات فى الوقت الحالى. أما المكسيك فكانت تبيع فى السنوات الماضية.
ومن الممكن تماما أن ترى بعض البنوك المركزية الأخرى، الأمور بطريقة مختلفة.
ولكى أوضح وجهة نظرى، فإن الاقتصادات الرئيسية فى شرق آسيا تمتلك احتياطيات بأرقام أحادية، مما يجعل المنطقة بالتأكيد واحدة من المناطق التى تعد فيها ممتلكات الذهب أقل من المعدل المثالى. وأى تحول نحو شراء أكثر عنفا من قبل أمثال الصين واليابان وتايوان أو كوريا الجنوبية ستدعم ارتفاع اسعار المعدن الأصفر أكثر.
ومع ذلك، يستحق الأمر وقفة للتأمل، فى أن ارتفاع سعر الذهب يزيد حصة السبائك فى احتياطيات معظم البنوك المركزية فى الوقت الحالى لدرجة قد تدفع بعض البنوك للتفكير فى البيع.
ولا يجب أن ننسى أنه منذ 20 عاما تسببت مبيعات القطاع الرسمى فى انهيار الأسعار بحدة، لدرجة دفعت البنوك الأوروبية لتوقيع اتفاقية للحد من تخلصها من المعدن وتنسيق عمليات البيع، وهذا الاتفاق بدوره تسبب فى ارتفاع سعر الذهب وجعل البائعين مثل البنكين المركزيين البريطانى والسويسرى، يبدو كأسوأ متداولين للمعدن النفيس فى التاريخ.
وتم إنهاء الاتفاقية العام الماضى باعتبار أنها لم تعد هامة فى عالم لا يشبع فيه نهم الحكومات للمعدن. وستكون هذه واحدة من السخريات فى سوق الذهب أن يتم التخلى عن شبكة الأمان فى أكثر الأوقات احتياجا لها.
بقلم: ديفيد فيكلينج
كاتب مقالات لدى “بلومبرج” يغطى السلع والشركات الاستهالكية والصناعية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا