التخطيط يواجه عقبة نقص المعلومات والبيانات قراءة المستقبل مهمة فريق الأزمة عند تحليل الموقف
ستخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى فى 29 مارس 2019، وتكافح العديد من الشركات للتحضير لكيفية تغيير أعمالها هناك إلا أن أقلية من الشركات فقط حققت تقدماً فى تخطيط وإعداد إستراتيجية للسوق البريطانية.
وبحسب تقرير لمؤسسة هارفرد بيزنس فإن ورشة عمل حول الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى حضرها 19 من رؤساء الشركات الكبرى متعددة الجنسيات بالمملكة المتحدة كشفت أن 10 منها لم تكن قد بدأت أو بدأت للتو فى التخطيط لهذه المرحلة.
لا يوجد نموذج لكيفية تغيير الشركات لخططها لتحقيق أفضل استجابة للخروج البريطانى والمعلومات حول ما يعنيه هذا التغيير المحدود والآراء سريعة التغير ومتناقضة على نحو متزايد.
لكن هذا لا يعنى أن الشركات لا يجب أن تبدأ العمل المطلوب لوضع خطة، فمن الممكن التفكير فى الطرق التى يمكن أن يتغير بها النشاط التجارى حتى بدون الحصول على المعلومات المثالية وفق بعض الفرضيات التى تضع أهم الأسئلة المطلوب أن تطرحها الشركات متعددة الجنسيات لتستعد لها بإجابة ملائمة.
ويشير تقرير مؤسسة هارفرد إلى أن العديد من الشركات متعددة الجنسيات تقع فى ثلاث مصايد خطيرة عندما يتعلق الأمر بالتخطيط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أولا أنها تتبنى أسلوب الانتظار والترقب حتى تشعر بالثقة بأن لديها معلومات كافية لإعداد أعمالها من أجل بيئة ما بعد الخروج، وثانيا أنها تضع أهدافا باستخدام بيانات تاريخية قد تكون غير ذات صلة بالواقع الجديد، وأخيرا تفشل هذه الشركات فى الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات هذا الخروج على العملات واللوائح القانونية والزيادات فى التكاليف والتى ستؤثر على أجزاء مختلفة من أعمالها.
ووصف التقرير الانتظار للحصول على معلومات مثالية لبدء التخطيط بأنه أسلوب محفوف بالمخاطر لأن الوضوح الكافى قد يأتى متأخراً للغاية وقد لا يأتى أبدا مما يعرقل اتخاذ إجراءات حاسمة لمستقبل الشركات.
وتضمن طبيعة محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سواء داخل المملكة المتحدة أو أوروبا، أن يستخدم كل طرف الوقت كوسيلة للضغط مما يؤدى إلى سحب القضايا العالقة إلى اللحظة الأخيرة من أجل الحصول على أفضل الامتيازات.
ومن المحتمل ألا يكون هناك معلومات كاملة بحلول أبريل 2019 مما يعنى أن الشركات تخاطر بإهدار الوقت اللازم للتحضير للتغييرات التى ستؤثر بشكل كبير على أعمالها. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يستغرق تعديل سلاسل التوريد فترة تصل إلى تسعة أشهر أو أكثر وفقا للقيود الداخلية والخارجية. فداخليا قد تضطر عدة أجزاء من الشركات متعددة الجنسيات إلى الحصول على توقيع على إجراءات متعلقة بالتغييرات. وخارجياً، قد تكون عملية العثور على موردين جدد وتعاقدات جديدة مضيعة للوقت.
ويعتبر الاعتماد على البيانات التاريخية أمراً محفوفاً بالمخاطر أيضاً، فعلى سبيل المثال قد تجد الشركة التى تعمل على توريد الأجهزة للمطاعم فى المملكة المتحدة نفسها متضررة للغاية من تأثير الخروج البريطانى بشكل مباشر، ولكن زبائنها يشهدون بالفعل مزيدا من الحساسية نظرا لارتفاع سعر المستهلك بسبب تغير ظروف العمل لتوظيف مواطنى الاتحاد الأوروبى وارتفاع تكاليف التشغيل وهى عناصر تضع المزيد من الضغط على الشركة لنقل التكاليف للعملاء.
وهذا يحدث بالفعل قبل أن يجرى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فإذا كان المورد قد استخدم بيانات مبيعاته عامى 2016 و2017 والتى أظهرت زيادة الطلب على منتجاته نتيجة للطفرة فى السياحة فى المملكة المتحدة، فإن استخدامها للتنبؤ بالنتائج المستقبلية ووضع استراتيجية العام المقبل قد يكون قد بالغ فى تقدير الأداء المستقبلى وانتهى الأمر به أيضا بالجلوس فوق الكثير من المخزون بجانب ارتفاع التكاليف.
يمكن أن تؤدى تعقيدات الانفصال بسهولة إلى شلل فى التحليل وتثبيت مفهوم أن كل التخطيط لا جدوى منه حيث اكد الحاضرون فى ورشة العمل إن أكبر تحد للتخطيط يواجهونه هو تغيير المعلومات باستمرار.
لكن الشركات تخاطر بالتراجع وترك الصدارة للمنافسين الأفضل استعدادا إذا فضلت الانتظار والترقب، وقال سبعة مشاركين فى الورشة أنهم قلقون بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى حيث يتوقعون نشوب حرب أسعار مع المنافسين، فى حين أن ستة كانوا قلقين من أن المنافسين سيغيرون عروضهم لتلائم احتياجات العملاء بشكل أفضل، مما يقوض من أدائهم العام ووضعهم فى السوق. وكلما سارعت الشركات إلى وضع خطة زادت سرعة تركيزها على إدارة هذه الديناميكيات التنافسية.
وعندما يتعلق الأمر بالتخطيط، يجب على الشركات متعددة الجنسيات ألا تطبق إصلاحات سريعة للتخفيف من المخاطر التشغيلية قصيرة المدى مثل التحوط المالى لإدارة تقلبات أسعار الصرف أو تقييم سريع للموزعين لمراجعة سلاسل التوريد الخاصة بهم، بل تحتاج الشركات إلى مجموعة عمل تقوم بتقييم منتظم لتأثيرات الخروج المتعلقة بالمنافسة، وخطة استراتيجية لأعمالها فى المملكة المتحدة تتسم بالوضوح والمرونة وسهولة التتبع وفى هذا السياق يوصى التقرير بإجراء عملية من ست خطوات:
1. فهم كيف تتعرض الشركة لتداعيات الخروج، فيتعين على المدراء أولا فهم الأثر الأولى لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى على أعمالهم من حيث المخاطر الأساسية مثل سعر الصرف وسلسلة التوريد والمنافسة وديناميكيات الطلب وتوظيف المواهب وسلسلة القيمة الخاصة بشركاتهم بما فى ذلك الموردين والعوامل اللوجستية والعملاء وأصحاب المصلحة. وعلى نطاق واسع يجب أن يكون الانفصال مصدر قلق استراتيجى كبير للشركات التي:
• تصدر المواد الخام والسلع أو الخدمات النهائية من أيرلندا إلى المملكة المتحدة ومن المملكة المتحدة إلى أيرلندا ومن المملكة المتحدة إلى غرب أوروبا ومن أوروبا الغربية إلى المملكة المتحدة.
• لها وجود مباشر أو منشأة تصنيع فى المملكة المتحدة
• لديها موظفين من الاتحاد الأوروبى كجزء من موظفيها داخل فى المملكة المتحدة
• استخدام نفس الموزعين فى المملكة المتحدة وأوروبا الغربية
• امتلاك منتجات يجب أن تتوافق مع اللوائح البريطانية أو ذات مواصفات خاصة
2. إنشاء فريق استراتيجى خاص بالخروج البريطاني، فبمجرد أن تفهم الشركة نطاق تعرضها لتداعيته الواسعة على العمل فإنها تحتاج إلى تشكيل فريق مسئول عن خطتها الاستراتيجية. ويمكن لعدد قليل من الشركات تحمل تكريس الموظفين بدوام كامل لهذه المهمة، ولكن يمكن تكوين مجموعة العمل متعددة الوظائف ويكون هذا المشروع الجانبى خاص بها. ويجب أن تمثل هذه المجموعة وظائف متنوعة داخل المنظمة تشمل سلسلة التوريد ومديرى قنوات التوزيع والمشتريات والتسويق والمبيعات والشئون العامة والحوكمة والرقابة المالية وغيرها.
يجب على الأفراد فى هذا الفريق متعدد الوظائف العمل معا لتقديم تحليل شامل للتأثير المحتمل على الأعمال التجارية ويجب أن تكون المجموعة مسئولة عن مواءمة استراتيجية الشركة على صعيد المجالات والقرارات ذات الأولوية حيث أن أجزاء معينة من الأعمال ستتأثر فى وقت أقرب من غيرها.
يجب أن تتطلع الشركة إلى جلب موظفين من أسواق أخرى يحملون مهارات وأفكار ملائمة لنشاطها فمن بعض النواحى تشبه المملكة المتحدة فى بيئة العمل بعد استفتاء الخروج البيئة المتوترة لبعض الأسواق الناشئة. وبالتالى يمكن للشركة الخوض فى أفضل ممارساتها للأسواق الناشئة حيث اعتادت فرقها على التقلبات السياسية والتنظيمية والطلبية وعدم القدرة على التنبؤ.
3. فهم السيناريوهات المحتملة, فبعد أن يفهم فريق الخروج التأثير الأوسع على العمل، فإنه يحتاج إلى بدء التخطيط لسيناريو التطورات المحتملة لمفاوضات الانفصال وبعد ذلك يجب على الشركة أن تقرر أى السيناريوهات التى تعتقد أنها الأكثر احتمالا أن تحدث وتمثل تهديدا للأعمال.
هناك سيناريوهات خروج بريطانية متتعددة مثل فشل التوصل لاتفاق أو التوصل لاتفاقية تجارة حرة أو خروج بريطانى ناعم حيث تحتفظ المملكة المتحدة بالعديد من الفوائد المتبقية وكانها جزء من الاتحاد الأوروبى وهى سيناريوهات ستحدد مضى التقدم فى المفاوضات بجانب علامات اخرى تشير الى اتجاه سير الحكومة البريطانية.
وتسعى الحكومة فى لندن إلى ضمان يجعلها تتحكم فى عملية الهجرة من دول الاتحاد الى بلادها وهو شرط يعتبره الاتحاد الأوروبى غير قابل للتفاوض لأنه جزء من الحفاظ على أربعة حريات للاتحاد الأوروبى تشمل العمالة ورأس المال والسلع والخدمات.
4. إجراء تحليل شامل للآثار المترتبة على الخروج البريطانى فبعد تحديد مناطق التأثير الأولية وإنشاء فريق الخبراء حان الوقت لتقييم طبيعة ومستوى وتوقيت التأثير على عمليات الشركة بالتفصيل، وسيساعد هذا التحليل الشركة على تحديد الأولويات الأكثر عرضة للخطر ويجب معالجتها أولا.
وبالنسبة لشركات السلع الاستهلاكية سريعة التحرك تحتاج خطة تضع فى الاعتبار أن سلسلة التوريد الخاصة بها هى الأكثر عرضة للمخاطر مما يجعلها مضطرة لإجراءات مبكرة. وفى تجربة لإحدى الشركات فقد أعادت الإدارة النظر فى المستوى القياسى لقوائم الجرد ومدة الصلاحية وعملية حفظ المنتجات، أما العوائق الأخرى مثل موظفيها من مواطنى الاتحاد الأوروبى أو الامتثال لمتطلبات التعبئة فقد اعتبرت أقل أهمية ويمكن لمعالجتها فى المستقبل.
5. نموذج الطلب وارتفاع التكاليف فبينما يبحث تحليل التأثير فى كل سيناريو عما سيحدث للشركة مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فإن وضع نموذج يعنى قياس كيف يمكن أن تتأثر المبيعات والتكاليف بهذه السيناريوهات المختلفة. ويجب على الشركات أن تحدد كيفية تطور مبيعاتها وتكاليفها فى كل حالة ودمجها فى خططها الاستراتيجية الحالية للمملكة المتحدة.
وتأخذ بعض السيناريوهات طرق تحمل تكاليف مختلفة من العمالة والتعريفة الجمركية والحواجز غير الجمركية واللوائح وكحالة أساسية قد يواجه الموردون زيادات فى التكاليف ويمررون جزءا منها للعملاء فعلى سبيل المثال من المرجح أن ينخفض الجنيه الاسترلينى حال التوصل لاتفاق يحمل طابع اتفاقية التجارة الحرة مما يؤدى إلى ارتفاع التضخم وجعل الواردات أكثر تكلفة وسوف تنظر الشركات غريزيا فى زيادة الأسعار لموازنة تكاليفها.
وبالمثل، يختلف حجم الطلب وفقا لكل سيناريو وتحتاج الشركات إلى نموذج وتقييم لكيفية تأثير كل سيناريو على عروض منتجاتها الحالية فى السوق فمن المحتمل أن تتراجع معدلات المبيعات فى جميع المجالات حيث يتوقع الخبراء أن يضعف اقتصاد المملكة المتحدة ولكن مستوى انخفاض المبيعات سيختلف بحسب المنتج.
ويلفت التقرير الانتباه الى أن التطورات الاقتصادية ستغير تفضيلات العملاء وتزيد حساسية المستهلك للأسعار وهو الأمر الذى سيجبر الشركات على إعادة التفكير فى عملائها المستهدفين ومحفظة السلع. ومع ذلك، ينبغى ملاحظة أن هذه النماذج للتكاليف المستقبلية والطلب تعتمد على بيانات الاقتصاد والمبيعات التاريخية قبل الخروج ويجب أن تكون بمثابة دليل وليست نهائية.
6. تقييم القيمة المقترحة ورد الفعل ومراقبة التطورات فقبل اتخاذ القرارات، يتعين على القادة الإجابة على أسئلة تتعلق بكيفية تطوير القيمة المقترحة على المدى الطويل لدعم استراتيجية السوق بينما تتكيف مع الاضطرابات التشغيلية الناجمة عن الانفصال البريطانى مع مراعاة التركيز على الابتكار لتعزيز القيمة بهدف تقديم قيمة مستدامة للعملاء من خلال المزيد من الخدمات والدعم الفني.
وبعد التفكير فى التأثير الذى قد يحدثه كل سيناريو على النشاط التجاري، بالإضافة إلى القيمة المقترحة تصبح المؤسسة فى وضع يتيح لها البدء فى اتخاذ قرارات بشأن الأسعار ومحافظ المنتجات وإدارة سلسلة التوريد وإدارة قنوات التوزيع والتواصل مع الأشخاص.
وفى ظل إدارة السيناريوهات المختلفة يعمل فريق التخطيط الاستراتيجى للخروج على مراقبة المؤشرات الاقتصادية والأحداث الرئيسية بانتظام والتى تشير إلى مسار المفاوضات لمعرفة ما إذا كانت الخطة تسير على الطريق الصحيح أو تحتاج إلى تعديل.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا