مع تعمق أزمة انتشار جائحة فيروس كورونا فى الاقتصادات والأسواق الناشئة حول العالم، يهدد انهيار العملات وأسعار السلع وعائدات التصدير وعائدات السياحة، بتمزيق الشئون المالية للعديد من الحكومات، ما يجعلها تتدافع لتفادى التعثر فى السداد.
فقد استدعت زامبيا بالفعل، مستشارين من أجل إعادة هيكلة ديونها، فى حين طلبت الإكوادور مزيدا من الوقت لتسديد قسائم المدفوعات على سندات بقيمة ثلاثة دولارات.
ويعتقد عدد قليل من المحللين أن هذه الدول قد تكون الأخيرة، ولكن تونس والبحرين وأنجولا تأتى ضمن الدول الناشئة والحدودية الأخرى التى يخشى بعض الاقتصاديين إمكانية معاناتها للوفاء بالمدفوعات الوشيكة، على ديونها العابرة للحدود فى الأشهر المقبلة.
وأوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن انخفاض معظم عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأمريكى، أدى إلى ارتفاع حاد فى تكلفة خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية، مما خلق تهديدا خطيرا للدول الضعيفة على المستوى المالى.
وقال كبير الاقتصاديين فى الأسواق الناشئة لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، ويليام جاكسون، إن تأثير التدابير العالمية لاحتواء كورونا ستؤدى إلى انخفاض حاد فى الناتج المحلى الإجمالى للأسواق الناشئة هذا العام، كما أن انهيار الناتج وارتفاع تدفقات رؤوس المال إلى الخارج وتراجع أسعار السلع، قد تؤدى إلى مشاكل فى الميزانية العمومية التى تجعل الانكماش أسوأ بكثير والانتعاش أبطأ.
ووفقا لما قاله كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة «مورجان ستانلى» المصرفية، رضا مقدم، فرغم أن الأسواق الناشئة استطاعت بشكل كبير النجاة خلال الأزمة المالية العالمية وتعافت سريعا، إلا أنها لن تكون محظوظة للغاية هذه المرة، بل من المحتمل أن تخضع قدرتها على الوصول إلى التمويل الدولى لضغوط كبيرة.
حتى قبل تفشى الفيروس، كانت العديد من الدول النامية تكافح لخدمة ديونها رغم أسعار الفائدة المنخفضة بشكل تاريخى فى العالم.
وأوضحت بيانات مؤسسة «أكسفورد إيكونوميكس» أن تكاليف خدمة ديون الاقتصادات الناشئة ارتفعت كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2005. ففى أكتوبر الماضى، حذر صندوق النقد الدولى من أن هناك 34 اقتصاداً من بين 70 اقتصاداً حدودياً معرضة لخطر الوقوع فى ضائقة الديون بشكل كبير أو أنها كانت متعثرة بالفعل.
وأوضحت «كابيتال إيكونوميكس» أن زامبيا هى الأكثر تعرضا لهذه الضائقة، خصوصا أن إجمالى متطلباتها للتمويل الخارجي- الدولارات التى تحتاجها لسداد الديون الخارجية المستحقة وسداد المدفوعات على الديون قصيرة الأجل وتغطية عجز حسابها الجارى خلال الـ 12 شهرا القادمة – تبلغ %172 من احتياطيات النقد الأجنبى.
ولا تقع كل من تونس والبحرين والأرجنتين- التى تجرى بالفعل محادثات لإعادة هيكلة ديونها البالغة 83 مليار دولار- فى مستوى متخلف كثيرا، فمتطلباتها التمويلية بحاجة إلى %158 و%153 و%133 على التوالى من الاحتياطيات الأجنبية.
وتهيمن دول أفريقيا والشرق الأوسط على قائمة الدول الأكثر تعرضا لضائقة الديون، كما أن أنجولا وغانا وعمان وجنوب أفريقيا لديها متطلبات تمويل لا تقل عن %90 من الناتج المحلى الإجمالى.
وقال الاقتصادى فى «كابيتال إيكونوميكس»، ويليام جاكسون، إنه ليس من الغريب تماما حدوث ذلك بالنظر إلى أن العديد من هذه الدول تمتلك بالفعل قطاعات مالية محلية صغيرة للغاية، لذا من الصعب زيادة مستوى الديون المحلية، كما أن العديد منها يعانى أيضا عجزا كبيرا فى الحساب الجارى لبعض الوقت.
وأوضح تحليل منفصل أجرته وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» أن دولتى فيجى والبحرين بإمكانهما التعرض لضغوط أيضا، خصوصا أن كلتيهما يمتلك سندات خارجية تقدر بنحو %21 من الاحتياطيات الأجنبية والمستحقة العام المقبل.
وأشارت «موديز» إلى أن كل من مونتينجرو، وسريلانكا، وكرواتيا، وهندوراس معرضة للخطر أيضا.
وتمكنت بعض الدول من تأمين ترتيبات التخفيف النقدى، حيث تتفاوض فيجى للحصول على قرض من بنك التنمية الآسيوى، فى حين حصلت سريلانكا على قرض بقيمة 500 مليون دولار من بنك التنمية الصينى، وتمتلك مونتينجرو ضمانا من البنك الدولى. كما يتوقع بشكل واسع النطاق، أن تقوم السعودية بإنقاذ البحرين حال واجهت أى مشاكل.
ورغم هذه الدعائم، إلا أن بنك «مورجان ستانلى» حذر من أن القليل من الاقتصادات الناشئة تبدو مرنة، إذ يشير اختبار الإجهاد الذى أجراه البنك إلى أن احتياطيات النقد الأجنبى الرسمية، ستغطى فقط 10% من متطلبات التمويل الخارجية فى البحرين والإكوادور العام المقبل. ولن تكفى فى مجموعة كبيرة من الدول النامية الأخرى، مثل تركيا وجنوب أفريقيا وتشيلى وإندونيسيا والمجر.
وفى الوقت نفسه، تتوقع «فاينانشيال تايمز» إمكانية لجوء العديد من الدول إلى البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى، من أجل الحصول على المساعدة. فقد لجأت 85 دولة حتى الآن إلى صندوق النقد للحصول على مساعدة طارئة قصيرة المدى، وهو ضعف العدد الذى سعى للمساعدة بعد الأزمة المالية العالمية.
ومن المتوقع أيضا أن تعلن المؤسسات متعددة الأطراف، عن صفقات إنقاذ لبعض الدول فى اجتماعات الربيع المقررة نهاية هذا الشهر، ومع ذلك، ربما تتردد بعض الدول فى اللجوء إلى صندوق النقد الدولى.
وقال جاكسون: «إذا واجهت تركيا أو جنوب أفريقيا مشكلات بالفعل، فسيكون من الصعب للغاية عليهما التوجه إلى صندوق النقد نظرا لديناميكيات السياسة المحلية الخاصة بهما».
وحتى إذا طالبت الحكومات بمساعدة من المقرض متعدد الأطراف، فلا يزال من المحتمل أن يكون الدائنون من القطاع الخاص واقعين فى مأزق.
وأوضح جاكسون، أن صندوق النقد الدولى لا يمكنه إقراض سوى الدول القادرة على تحمل الديون، مشيرا إلى أن الصندوق لن يخترق هذه القاعدة.. لذا فإن دور صندوق النقد فى العديد من الدول سيأتى إلى جانب شرط يدور حول ضرورة إعادة هيكلة الديون.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا