أغلقت المدارس في أكثر من 177 دولة في جميع أنحاء العالم، مما أثر على نحو 1.3 مليار طالب، أي ما يعادل نحو %72.4 من إجمالي الطلاب المسجلين في المدارس والجامعات في العالم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) فأحدث تغييرًا في طرق التعليم التقليدية، ودفع نحو تحول جذري تجاه منصات التعلم عن بعد. كما أصبح توفير أدوات التعليم الإلكترونية أولوية رئيسية للدول جميعها لضمان استمرار عملية التعليم. وعند توجيه أنظارنا إلى منظومة التعليم الإلكتروني، بما في ذلك وضعنا الحالي، وما قد نشهده في المستقبل نتيجة التأثير الواسع المدى لفيروس كورونا المستجد، تتجلى أمامنا بعض التوقعات التي تشير إلى بروز نظام جديد من حيث:
الوضع الراهن
1- التبني السريع للتعلم عن بعد
شهدنا توجها غير مسبوق من الجامعات والمدارس لتبني التعلم التكنولوجي سريعا، لكن بشكل متفاوت بين الدول العربية، حيث إن العديد من هذه الدول سارعت في التحرك، وبدأت بتوفير أدوات التعليم البديلة عبر استخدام منصات التعلم الإلكتروني وقنوات التلفزة . مثال على ذلك: في القطاع العام أطلقت السعودية نظاما تعليميا شاملا يضم 20قناة متلفزة، وقناة على منصة يوتيوب، وبوابة (عين) بوابة التعليم الوطنية، من بين أدوات التعليم الأخرى التي ً أصبحت متاحة اليوم حرصا منها على تيسير العملية التعليمية.وفي الإمارات حسب وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع جامعة حمدان بن محمد الذكية، تم تأهيل أكثر من 42ألف معلم في الدولة والوطن العربي للتدريب الإلكتروني، حتى16مارس/ آذار الماضي، من خلال دورة مجانية بعنوان كيف تصبح معلما عن بعد في 24ساعة.
2-مواجهة التحديات على كافة الأصعدة
الحاجة إلى تشديد تدابير الخصوصية والأمان والإجراءات التنظيمية، وجعلها عالمية. إن هذه التحديات وغيرها لا مفر منها، لذا يتعين على جميع المساهمين في قطاع التعليم، إبقاء أعينهم مفتوحة ليكونوا على أتم الاستعداد للتركيز على إيجاد الحلول.يكتسب الطلاب مهارات شخصية من خلال تعاملهم المباشر مع زملائهم في المدرسة أو الجامعة. نحن نعلم أن مواصلة الأنشطة اليومية على الانترنت عبر منصات التواصل الاجتماعي ليس حلًا بديلًا أو ملائمًا بالشكل الكافي، فالتعلم الإلكتروني من المنزل ليس بمقدوره سد هذه الفجوة الاجتماعية، لذلك يحتاج الطلاب والآباء إلى بذل الجهد الكافي لضمان الحفاظ على العلاقات الإنسانية، والتشجيع على التواصل مع الآخرين.ومع انخفاض حجم الدعم الذي توفره المدارس، يحتاج الآباء إلى بذل مجهود أكبر في مساعدة أبنائهم على فهم الدروس التي تلقوها عبر الانترنت. وهذا قد يكون أمرًا صعبًا في المنازل التي يعمل فيها الأب والأم.لمواجهة هذه المشكلة، مع الاعتراف بالمزايا التي شهدناها خلال فترة البقاء في منازلنا، هل ستبدأ الشركات في توفير ساعات عمل مرنة أو توفير إمكانية العمل من المنزل للموظفين؟
3- الريادة للقطاع الحكومي لدعم تكنولوجيا التعليم
يحظى التعليم فعلًا بواحدة من أكبر حصص الميزانية في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد خصصت الإمارات العربية المتحدة ما يعادل نحو %14.8 من الميزانية الاتحادية للدولة في 2020. فيما يصل حجم الإنفاق المتوقع من المملكة العربية السعودية على التعليم خلال عام 2020 ما يمثل نحو %19 من إجمالي المصروفات الحكومية للمملكة. مع ذلك، لم يُستغل جزء كبير من هذه المبالغ في تطوير التكنولوجيا حتى الآن . إلا أن ذلك سيتغير بالتأكيد مع خروجنا من هذه الأزمة التي نواجهها اليوم، مع إنفاق الحكومات والشركات المزيد من الأموال على تكنولوجيا التعليم. ومن المتوقع أن يتجاوز سوق التقنيات التعليمية في دولة الإمارات 40 مليار دولار بحلول عام 2022، حسب التقرير الصادر عن مؤسسة دبي المستقبل.
4. أصبح التعليم المجاني متاحًا بشكل أكبر
يعني النظام الجديد أن التعليم لن يعود مجرد فرصة تجارية سانحة أمام الشركات والمؤسسات؛ فالطلاب وأولياء الأمور يبحثون عن الفرص الحقيقية والتجارب عالية الجودة في كل مكان حول العالم من داخل بيوتهم. وستواصل منصات التعليم الإلكترونية المجانية الصعود والتقدم، مثل منصة (نفهم) في مصر، ومنصة (إدراك) في الأردن. كما تعمل منصة (مدرسة) إحدى مبادرات حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم على توفير 5آلاف درس تعليمي بالفيديو لأكثر من 50مليون طالب عربي. في الوقت الحالي ، يمكن للطالب الحصول على دورات مجانية عبر الإنترنت من أفضل الجامعات العالمية مثل جامعة هارفارد وجامعة ستانفورد وجامعة بوسطن.
5. توفير المزيد من المرونة والوقت
بعد التجربة الحالية في التعليم عن بعد، هل يحتاج الطلبة بعد الآن إلى التنقل للمدرسة أو الجامعة؟ أدرك الجميع الآن، أن التعليم عن بعد سيتيح لهم المزيد من المرونة والوقت، وسيوفر لهم المال والطاقة لممارسة الأنشطة الأخرى. كما سيوفر وقتًا فيما يتعلق بالسفر خارج الدولة، والبحث عن فرص سكن، والانشغال بكثير من التفاصيل في الحصول على تأشيرات وموافقات أمنية، وغيرها من الأمور التي تعطل مسيرة التعليم في بعض الدول.
6. اكتساب الجيل الجديد مهارات تكنولوجية
بعد قضاء شهور في التعلم المنزلي خلال فترة الإغلاق،أصبح الطلاب على معرفة أكبر بأدوات ووسائل تكنولوجيا التعليم، مع تمتعهم بالقدرة الكافية للتحكم في دروسهم الخاصة؛ فلن يكونوا طلابًا يتعلمون الدروس الموجهة وفقًا للمناهج الدراسية فقط، بل سيكتسبون أيضًا الخبرات في العديد من التطبيقات الجديدة المتاحة، التي يمكنهم استخدامها للدراسة والتعلم. حيث يتعلم الأطفال منذ سن مبكرة استخدام الأجهزة الإلكترونية بما يتجاوز المتعة والتسلية فقط، وهذا يعني أن الجيل الجديد سيتبنى مهارات متقدمة للغاية في مرحلة عمرية مبكرة، حيث يمكنهم استيعاب المعلومات والتعلم سريعًا.
7. سهولة الوصول إلى المحتوى التعليمي
سيدعو هذا التحول الرقمي إلى تغيير المناهج الدراسية. حيث أصبحت البرامح التعليمية الجديدة تتبنى الاستراتيجيات الذكية في بناء المحتويات التعليمية، عبر استخدام أحدث التطبيقات التي تطورها الشركات الناشئة وكبرى المؤسسات في القطاع . لكن من بين أهم النقاط الأساسية التي ينبغي علينا مراعاتها، هو أن هذا التحول سيكون قادرًا على تحسين سبل الحصول على التعليم، وبالتالي خلق المزيد من الفرص المتساوية للجميع في المدن والقرى. فيما ستمكن التكنولوجيا الأطفال في الأماكن البعيدة من الحصول على التعليم بالجودة ذاتها المتوافرة للأطفال الذين يعيشون في الدول التي تتمتع بدرجة عالية من التكنولوجيا. لكن لكي يحدث ذلك، سيتعين توفير الأدوات التقنية كالحواسيب المحمولة والألواح الذكية، والانترنت بأقل كلفة ممكنة، حيث ستصبح هذه الأجهزة جزءًا من الاحتياجات البشرية الأساسية لا الكمالية.
8. تزايد المنافسة العالمية في المجالات التعليمية
تنافس بين الجامعات والمعاهد والمعلمين ومنصات تكنولوجيا التعليم من جميع أنحاء العالم. ولن نرى بعد الآن تنافس المؤسسات التعليمية عبر المباني والمنشآت الجامعية الراقية، حيث ستركز الجامعات على جذب المواهب البشرية، عبر استخدام الأموال للاستثمار، في توفير بيئة صحية للتعليم وتوفير التكنولوجيا المتطورة لكل من المعلمين والطلبة، من أجل تقديم نظام تعليم عن بعد عالي الجودة.
9. تبني الأفكار الإبداعية والمبادرات الذكية
تثبت شركات التكنولوجيا العالمية اليوم قدرتها على تقديم الدعم والمساعدة، مثل شركة أمازون التي تبرعت بـ8200 حاسوب محمول، تتجاوز قيمتها مليوني دولار، إلى طلاب المرحلة الابتدائية في المدارس الحكومية في مدينة سياتل،. كما استثمرت شركة (Intel) أيضًا نحو 40 مليار دولار في أدوات الاستعداد والاستجابة ومبادرات التعليم الإلكترونية.
10. ظهور الشراكات الإعلامية والتكنولوجية
تتعاون شركات الإعلام والتكنولوجيا الناشئة مع الجهات التعليمية، لتبادل الخبرات وتقديم أفضل التجارب للطلاب والمتعلمين. ومثال ذلك تجارب التعليم المتقدمة في الأردن، حيث تشاركت وزارة التربية والتعليم الأردنية مع
منصة (أبواب) و(موضوع) وموقع (جو أكاديمي) ومنصة (إدراك) ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، لإطلاق قناتين
متلفزتين، ومنصة (درسك) التعليمية. كما سجلت المنصة أكثر من 23مليون مشاهدة في الأسابيع الـ3 الأولى بعد إطلاقها، وفقا لوزارة التربية والتعليم.
ما الذي ينتظرنا في المستقبل؟
1 تقييم البنية التحتية التعليمية
بالتأكيد، لن يأتي كل شيء بالمجان، ستبرز الحاجة إلى إعادة النظر في البنية التحتية التعليمية في المنطقة وتقييمها وإعادة هيكلتها بشكل قوي يساند هذه الثورة التعليمية. إلى جانب أهمية الاستثمار في زيادة مهارات المعلمين في المجال التكنولوجي مع توفير شبكات انترنت عالية السرعة مجانية للطلبة، أو بأسعار متاحة للجميع.
2. زيادة التركيز على الأنشطة والهوايات وتعزيز المواهب
رغم أن معظم المواد التعليمية العادية ستكون عن بعد، سيحتاج الأطفال والـشباب إلى التـجـمع معًا لمزاولة الأنشطة والألعاب وعقد اللقاءات والاستمتاع بـالفعاليات الموسيقـية والبدنية. كما أن المواهب الرياضية والفنية وغـيرها تحتاج تنميتها منذ سن مبكرة. لذا قد تتحول المدارس إلى مراكز ترفيهية، حيث يذهب الأطفال للتجمع واللعب وممارسة الألعاب الرياضية وغيرها.
3. نمو الاستثمارات في القطاع التعليمي الإلكتروني
ستنخفض عمليات الاستحواذ على المدارس، وسيزيد الاستثمار في الشركات الناشئة والتكنولوجيا. ومن المتوقع تجاوز قيمة سوق التعليم الإلكتروني العالمي 300 مليار دولار بحلول عام 2025، وفقًا للتقرير الصادر من شركة خدمات البحوث السوقية
(Global Market Insight) عام 2019. وقد جمعت أكثر 10 شركات ناشئة تمويلًا في تكنولوجيا التعليم بالشرق الأوسط، نحو 45 مليون دولار حتى الآن. ومن المتوقع تزايد هذا المبلغ، مع ظهور العديد من الشركات الصاعدة والأفكار التكنولوجية الجديدة.
4. انخفاض التكاليف والنفقات التعليمية
مع بقاء الطلاب في المنازل، وحصولهم على التعليم عبر الأجهزة الإلكترونية، سيتناقص الضغط المتعلق بالحضور والالتزام بالفصول التقليدية مع مرور الوقت. فيما ستنخفض النفقات والتكاليف المرتبطة بالحفاظ على المباني التعليمية وصيانتها، والإشراف على حضور الطلاب بشكل كبير. فضلًا عن التكاليف الأخرى المتعلقة بالزي المدرسي والتنقل من وإلى المنزل، أو السفر ونفقات المعيشة ومصاريف التأشيرة، إذا كان الطلاب يدرسون في دولة أو مدينة أخرى، وبالتالي سينعكس ذلك على المصاريف المطلوبة. وسنتمكن حينها من توفير الميزانيات وتوجيهها إلى مناطق أخرى، مثل توفير الرحلات الميدانية أو التكنولوجيات الجديدة.
5. بدء التوجه نحو تبني مناهج جديدة
في منظومات التعليم التقليدية، يتعلم كل طفل من فئة عمرية واحدة المناهج نفسها تقريبًا بالسرعة نفسها، دون النظر إلى اهتماماتهم أو مهاراتهم الفردية. وفي الوقت الحالي، تضع كل دولة مناهجها الخاصة. لكن في المستقبل، بفضل البنية التحتية الرقمية العالمية، سيكون للطلاب إمكانية الخيار. ومع النظام الجديد، وتقليل التركيز على مناهج التعليم الرسمية، سيتمكن الطلاب من التعلم بالوتيرة التي تناسبهم، والانتباه أكثر للأشياء التي يستمتعون بفعلها.
6. تزايد الإقبال على التدريس الخصوصي والدورات التدريبية
لدعم التعلم الإلكتروني، سيزيد الإقبال على المعلمين الخاصين، عبر المؤسسات والتطبيقات، من أجل تقديم المساعدات الخاصة التي تتناسب مع كل طالب في جميع أنحاء العالم، ولكي يتمكن الطلاب من الحفاظ على التواصل مع مدرسهم أو بلدهم.
7. زيادة برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وزيادة انتشار المعاهد المتخصصة
سيكون هناك طلب متزايد على برامج(STEM) المتخصصة عالية التقنية، على حساب العلوم الاجتماعية. وقد يرجع ذلك إلى تغيير المتطلبات العالمية وأسواق العمل دائمة التطور المعتمدة على تلك العلوم. ومن شأن المؤسسات التي لديها بنية تحتية متخصصة.
8. ارتفاع حصانة أسواق التعليم ضد التغييرات المفاجئة
ستصبح المنظومة التعليمية محصنة مع اعتماد النظام الجديد على التكنولوجيا، وبالتالي ستكون مستويات التعليم جميعها متاحة ومضمونة بصرف النظر عما يحدث في العالم. وسيكون هذا النظام الجديد محصنًا ضد الظروف المناخية المتغيرة والأوبئة العالمية والحروب والأحداث الأخرى، التي من شأنها تعطيل الحياة، طالما أن الانترنت لا يزال متاحًا ويسهل الوصول إليه.
9. تحسن مستوى الحياة
مع انخفاض عدد الطلاب الذي يذهبون إلى المدارس والجامعات، سيقل الازدحام المروري في الشوارع، وسيتوافر وقت أكبر لقضائه مع العائلة، فضلًا عن التحرر من قيود الجداول اليومية للحضور في مقرات المدارس والجامعات. بينما سيزداد السفر الدولي، حيث إن الطلاب وعائلاتهم لن يصبحوا متقيدين بجدول دراسي معين. كما ستتمكن العائلات من الانتقال في أي وقت يريدونه، دون القلق بشأن دراسة أبنائهم في المدرسة التي يرغبون فيها.
10. الحاجة إلى تحليل البيانات الضخمة
في ظل هذه التطورات، ستحتاج الحكومات والمستثمرون إلى التفكير مليًا في التغييرات التي ستحدث لا محالة بعد الدروس التي تعلمها الجميع خلال هذه الفترة. وإذا أردنا الارتقاء والتقدم بالتعليم، ينبغي على الحكومات تخصيص ميزانية معينة للبحوث والتطوير، من شأنها الاستفادة من البيانات الضخمة، الحقيقية والموثوقة والواضحة. كما أننا بحاجة اليوم إلى تحليل هذه البيانات لبناء مستقبل عملي ومشرق، يعود بالفائدة على الطلاب والمدرسين على حد سواء في المدارس والجامعات.
الاستنتاجات والتوصيات
علينا مواجهة التحديات سعيًا نحو مستقبل تعليم أفضل. وينبغي على جميع المساهمين في قطاع التعليم تبني التعليم الإلكتروني بصدر رحب وعدم التردد في وضع الأنظمة المناسبة واعادة بناء البنية التحتية للتعليم من أجل توفيره كخيار بديل ومتكافئ مع التعليم التقليدي ووضعهما أمام الآباء والطلاب وترك الخيار لهما.
اليوم أنسب وقت للاستفادة من النجاحات الحالية والبناء عليها، فقد وفرت تجربة التعليم عن بعد آفاقًا جديدة تبشر بكثير من الآمال نحو مستقبل تعليمي واعد، والتطلع نحو ما هو أعمق، وأهم من مجرد وجود الأنظمة التعليمية التقليدية فقط لنعمل معاً نحو مستقبل تعليمي مشرف. اليوم لم يعد التعليم عالي الجودة حكرًا على أحد، فلنعمل معًا لتوفير فرص التعليم من أجل الجميع.
بقلم خلود العميان: رئيس تحرير فوربس الشرق الأوسط
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا