مقالات

محمد العريان يكتب : قراءة في تراجع قيمة الدولار

آثار التراجع  فى قيمة الدولار الأمريكى بنسبة تقترب من 10% سيناريوهين

الأول.. يتبنى منظور قصير الأجل، ويركز على كيفية استفادة الاقتصاد والأسواق الأمريكية من الهبوط فى قيمة العملة.

أما السيناريو الثانى.. فهو سيناريو بعيد المدى ويقلق بشأن هشاشة وضع الدولار كعملة احتياطي عالمية، ويحتوى السيناريوهان على بعض الحقائق ولكنها ليست كافية للإجماع الناشئ حولهما.

واجتمعت عوامل عديدة لوضع ضغوط هبوطية على العملة الخضراء في الأسابيع الأخيرة، وهو ما تسبب في هبوط قيمتها، إذ مسح تقريباً نصف الارتفاع على مدار الـ10 سنوات الماضية في غضون أشهر قليلة.

ومع تيسير “الاحتياطي الفيدرالي” للسياسة النقدية، استجابة للآفاق الاقتصادية السيئة بشكل متزايد، انخفض الدخل المتدفق إلى الملاذات الآمنة المقومة بالدولار مثل السندات الحكومية، ومع فقدان الاستثمارات داخل الولايات المتحدة، بعض جاذبيتها النسبية، كان هناك تحول نحو الأسواق الناشئة وأوروبا.

وثمة مؤشرات أخرى كذلك على تراجع التدفقات الرأسمالية الداخلة إلى الولايات المتحدة، فقد انخفضت مجدداً مشتريات الأجانب للمنازل في أمريكا، وهو ما يعود جزئياً إلى سياسات الحكومية المتطلعة للداخل وتسليح التدابير التجارية والعقوبات.

وباستثاء لبنان وتركيا ودول أخرى قليلة عانت من تراجعات أكبر في قيم العملات من الولايات المتحدة، ارتفعت أغلب العملات أمام الدولار، ولكن بين هذه العملات الصاعدة كانت ردود الأفعال على هذه الظاهرة العامة شديدة التنوع.

ورحبت بعض الدول، خصوصاً في العالم النامي بهذا التحول، لأن ضعف عملاتهم السابق كان يرفع أسعار الواردات بما في ذلك المواد الغذائية.

وعلاوة على ذلك، فإن ضعف الدولار يعطيهم مجالا أكبر لدعم النشاطات الاقتصادية المحلية عبر مزيد من المحفزات المالية والتدابير النقدية.

ولكن رد الفعل كان أقل ترحيباً في الاقتصادات المتقدمة، وتخشى اليابان ومنطقة اليورو بشكل خاص، من أن ارتفاع قيم عملاتها قد يهدد التعافي الاقتصادي لديها من صدمة “كوفيد 19“.

كما أن البنكين المركزيين الأوروبي والياباني، ينبغي أن يقلقا في الوقت الحالي من وصولهما إلى حدود فعالية سياستهما، مما يضع اقتصاداتهم في مخاطر أكبر للتعرض لأضرار جانبية ونتائج غير مقصودة.

وفي الوقت نفسه، تم الترحيب بتراجع الدولار في الولايات المتحدة باعتباره تطوراً إيجابياً هائلاً للاقتصاد، على الأقل على المدى القصير، فبعد كل شيء تخبرنا النظريات الاقتصادية، أن تراجع الدولار يعزز التنافسية الدولية والمحلية للمنتجين الأمريكيين، مقارنة بالمنافسين الأجانب، ويجعل الدولة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب والسائحين، ويرفع القيمة الدولارية للإيرادات المكتسبة بالخارج من قبل الشركات القائمة بالداخل، وكل ذلك جيد لأسواق أسهم وسندات الشركات التي تستفيد من الجاذبية الأكبر للأوراق المالية المدعومة بالدولار عند تسعيرها بعملات أجنبية.

أما الإجماع بعيد المدى، فهو أقل إيجابية للولايات المتحدة، ويكمن القلق في أن تراجع قيمة الدولار، تآكل أكثر من مركزه كعملة احتياطى عالمية، والذي ضعُف بالفعل نتيجة السياسات الأمريكية في الأعوام الـ3 الماضية، بدءاً من الحمائية، وعلاوة على ذلك، تحتاج التأثيرات السوقية الإيجابية اليوم، مزيداً من الشروط بعد الأزمة الصحية. وبفضل السيولة الوفيرة والموثوقة، خاصة من قبل البنوك المركزية، فإن أغلب التقييمات انفصلت بالفعل عن أسس الشركات والاقتصاد، وبموجب هذه الأوضاع المالية، من الصعب تخيل أن انخفاض الدولار سوف يكون له إلا تأثير هامشي على الأداء الاقتصادي الحقيقي، وفيما يتعلق بدور الدولار كعملة احتياطي، أذكر نفسي بمبدأ بسيط تعلمته في الجامعة، وهو أنه من الصعب استبدال شيء بلا شيء.

وفي الوقت الحالي، ببساطة لا توجد عملة أخرى يمكنها ملء مكان الدولار، وبدلاً من ذلك سنرى العديد من الأنابيب الصغيرة التي تُبنى حول الدولار، وبالنظر إلى أن أيا منها لن يكون كافياً لحل محله ستكون النتيجة نظام نقدية أكثر انقساماً.

وكما حدث من قبل، سينتهى الأمر بوجهات النظر الحالية المتعلقة بالدولار، على أنها تغالى في التداعيات طويلة الأجل للتحركات على المدى القصير.

 

وضعف الدولار، اليوم، ليس نعمة للأسواق والاقتصاد الأمريكي ولا نذير شؤم بنهاية العملة العالمية، ولكنه جزء من انقسام أوسع وتدريجي للنظام الاقتصادي العالمي، والعامل الرئيسى فى هذه العملية هو النقص الصادم للتنسيق السياسى العالمى فى وقت تتزايد فيه التحديات العالمية.

المصدر: موقع “بروجكت سينديكيت”

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية