طرح الصعود المفاجئ للعملة الإلكترونية بيتكوين أصعب الأسئلة الاقتصادية خلال عام 2017 غير أن الإجابة ستؤثر بشكل حاسم على اتجاهات الاستثمار فى العام الجديد.
ووسط الزخم ولهث الأنفاس فى محاولة لمتابعة القفزات المجنونة لتداول هذه العملة حول مستوى الـ20 ألف دولار بات الحصول على إجابة مقنعة أمرا صعبا جراء اللغط الذى أحاط بمحاولات وضع تفسير اقتصادى منطقى يسمح بتأطيرها كعملة مناسبة لعقد الصفقات التجارية أو كأصل يعتبر مخزنا للقيمة مقابل الذهب مثلا أو حتى إدخالها ضمن لعبة مقامرة للكسب السريع.
وذهبت أكثر التفسيرات تطرفا إلى أن البيتكوين مؤهل ليحل محل الدولار الأمريكى كعملة دولية وبذلك يمكن التخلص من هيمنة العملة الأمريكية على النظام المالى العالمى خصوصا بعد إعلان دولة كبرى مثل اليابان الاعتراف بها ضمن المعاملات الرسمية.
وراحت الصين تدرس إنتاج عملة إلكترونية خاصة بها لكن الخبراء أكدوا أن الهدف ليس قتل الدولار ولكن وقف تدفقات النقد الخارجية عبر الحدود والتى قفزت خلال العامين الماضيين.
العملة الإلكترونية.. مقامرة الباحث عن الثراء السريع
يمكن لمحبى المغامرات الاقتصادية الاستمتاع بتكون فقاعة جديدة فى رأس الاقتصاد العالمي، وهذه ليست المرة الاولى التى يحدث ذلك لكن المميز هنا أن حصة كبيرة من المشاركين فى السوق يشترون على أساس افتراضات لا يمكن الدفاع عنها.
وبحسب تحليل نشرته مجلة فوربس الأمريكية، ففقط كل ما يمكن تبرير هذه المقامرة به هو الافتراضات التى لدى المشاركين فى سوق بيتكوين بأن الأسعار ستستمر فى الارتفاع حسب ما يعتقدون مما يجعل هذا استثماراً جيداً من وجهة نظرهم ويقول %72 من المشاركين فى استطلاع على تويتر لمشترى بيتكوين أنهم يرغبون فى الربح من ارتفاع الأسعار.
ويعتبر مكمن الخطورة فى هذه الافتراضية بالنسبة لعدد من الناس يعتقدون أن بيتكوين هو استثمار جيد ببساطة لأن الأسعار آخذة فى الارتفاع أنه لا أحد يعرف المدة التى ستطول خلالها فترة الصعود خصوصاً وأنها يجب أن تتوقف فى نهاية المطاف.
وبمجرد أن تتوقف الأسعار عن الارتفاع بسرعة، فإن جميع المشترين الذين يشترون على أساس افتراض ارتفاع الأسعار بسرعة لم يعد لديهم هذه القناعة وسوف تنطلق رحلة الخروج من السوق سريعاً أيضاً.
وعلى خلاف المنطق يرى البعض أيضا أن هناك سبباً آخر يسهم فى استمرار ارتفاع أسعار بيتكوين وهو أنها وسيلة مفيدة لتبادل السلع لعدد متزايد من الناس، ومع ذلك، فمن المهم أن يدرك الناس أن هذين الافتراضين يتعارضان مع بعضهما البعض، فالارتفاع السريع فى الأسعار ليس سمة مرغوبة لعملة تستخدم للتبادل فاستمرار قفزاتها الجنونية سيجعل من الصعب التعامل بها فلا يمكن لرجل أن يستبدل جورب بعملة إلكترونية الحد الأدنى لقيمتها الاسمية 125 دولاراً بينما هو فوق الأرفف يباع بسعر 25 دولاراً فعلياً وإلا سيكون ذلك درباً من الجنون.
ومن المثير للسخرية من وجهة نظر بعض المحللين أن هناك أن حصة غير قليلة من المشاركين فى المغامرة تعتقد فى الواقع أن بيتكوين سيحل محل الدولار بل وسيهزم سيطرة مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى على النظام المالى العالمى.
وبعيداً عن قهقهات الضحك من هذا الافتراض يحاول تقرير المجلة الأمريكية دراسة هذه الفرضية لتفنيدها وعلى هذا الطريق تلقى بعض الأرقام بظلالها على مساعى التفسير لهذا الجنون.
تقول الإحصاءات، أن القاعدة النقدية، التى تشمل النقدية المحتفظ بها فى الخزائن وفى الاحتياطى الاتحادى، تبلغ 3.9 تريليون دولار وبالنظر لحجم المال المتوفر الذى يشمل الودائع القابلة للتحول الى نقد وحسابات التوفير فهذا الرقم سيصل إلى 13.8 تريليون دولار.
لذا إذا قرر الجميع التصرف بشكل جماعى واستبدال الدولار بالبيتكوين، فإن ذلك يعنى أن بيتكوين تحتاج إلى الارتفاع إلى 13.8 تريليون دولار فى سقف السوق من حوالى 300 مليار دولار حالياً، لذلك يجب أن تنمو الأسعار إلى %4600 من المستويات الحالية، لذا فإن سعر عملة بيتكوين واحدة سوف تصل إلى نحو 871 ألف دولار بدلاً من ما يقرب من 20 ألف دولار حالياً وإذا كان من الممكن الوصول إلى هذه المستويات، فإن ذلك من شأنه أن يقوض تماماً دور بيتكوين كعملة.
فرقة اغتيال الدولار تترقب صعود العملة الافتراضية
حكم الدولار الأمريكى العالم المالى لفترة أطول من عمر معظم من كانوا على قيد الحياة حين تم ميلاد نظام بريتون وودز حتى بات الاقتصاديون يرددون مقولة، إن الكرة الأرضية تدور حول الشمس بينما تدور الشمس حول الدولار.
وجبراً وليس حباً اضطرت كل شعوب الارض إلى أن تصبح مواطناً مخلصاً لهذه الهيمنة الغربية منذ عقود وبات لدى الولايات المتحدة بطاقة ائتمان غير محدودة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويثير الخبراء الشكوك حول دور الابتكارات التكنولوجية مثل العملة الإلكترونية فى هزيمة هيمنة الدولار، حيث يتم تداول هذا الكلام بحفاوة كبيرة أملاً فى بناء نظام مالى عالمى أكثر عدالة بعيداً عن الامبرالية الأمريكية.
ويؤكد تقرير موقع كوينتيل جراف، أنه إجمالاً يمكن القول بإن دول العالم على حد سواء معجبة بالولايات المتحدة وتكرهها وتخشاها فى نفس الوقت، فعندما يكون لدى بلد واحد قدرة على ابتكار أفضل وسائل الترفيه فى العالم، واستيراد وزراعة أفضل التقنيات فى العالم، وإنتاج أكبر قوة عسكرية فى العالم، وقيادة عملة الاحتياطى العالمى فى العالم فانها بذلك تصبح امبراطورية عالمية حقيقية، لكنها لسيت كما كانت امبراطورية روما قبل بضعة آلاف من السنين.
وقد ترجمت واشنطن ذلك إلى بناء قاعدة عسكرية أمريكية فى كل دول العالم تقريباً بصور مختلفة وكميات هائلة من الدولار الأمريكى فى كل بنك مركزى فى العالم، لكن العالم ترجم أيضاً ذلك إلى استياء دولى غير محدود.
ومن المؤكد، أن هناك فى العالم من يحب إزالة هذه الإمبراطورية الأمريكية وفى سبيل ذلك يوجد من يسهر على حرق البترول منتصف الليل تماماً، أو من ينتظر الانضمام إلى شخص ما يمكنه فعل ذلك، أو تماماً مثل روما يوجد من ينتظر أن تنهار أمريكا، كما انهارت جميع الإمبراطوريات.
فكون العملة الاحتياطية العالمية تجبر الدول على عقد الصفقات باستخدام الدولار الأمريكى فى التجارة الدولية، بدلاً من العملات الخاصة بهم فهذا يسمح أيضاً بطباعة تريليونات الدولار كل عام لدفع ثمن الحروب والديون وغيرها من السلوك غير المسئول مالياً، وطالما استمر هذا النظام، يمكن للحكومة الأمريكية أن تستمر فى التعمق فى الديون دون أن تعانى من عواقب وخيمة، أساءت واشنطن استخدام هذا النظام لعقود.
ويسمح النظام الحالى لواشنطن بمراقبة النظام المالى العالمى عبر التدقيق فى جميع الوثائق لدى البنوك الأجنبية عبر قوانين الامتثال الدولية وإلا يتم معاقبتها بالحرمان من النظام المصرفى العالمى، كما حدث مع البنوك الإيرانية.
لكن جهود الصين لخلق نظام مقايضة العملات فى الصفقات الدولية وإعادة بناء طريق الحرير للتجارة العالمية كخطوة على الطريق للتخلص من هيمنة الدولار لا تعنى ان الإعلان عن دراسة لابتكار عملة اليكترونية صينية لا يمكن وضعه فى نفس السياق فالهدف الأساسى هو الحد من تدفقات الاموال الخارجة من البلاد على مدى العامين الماضيين.
وتعتبر المديونية الوطنية فى الولايات المتحدة البالغة 18 تريليون دولار هى الخطر الاكبر على الهيمنة الامريكية فإلى حد بعيد هى المديوينة الاكبر لأى بلد فى تاريخ العالم.
وقد تكون العملة الإلكترونية مسمار آخر فى نعش الدولار، لكن لا أحد يعرف إلى أين ستذهب الأمور أو يثبت عملياً أنه يمكن قتل الدولار رغم كثرة الأعداء.
بيتكوين مقابل الذهب والدولار.. أيها أفضل للمستثمرين ؟
مخاوف الانهيار السريع تهدد العملة الإلكترونية ..و المعدن الأصفر أفضل مخزن للقيمة على المدى الطويل
يجب أن تكون الأولوية القصوى للعقد المقبل هى كيفية حماية الثروة وفقا لكبير الاقتصاديين فى «أبك بوليون» جوردون إيليسيون الذى قارن بين الذهب والدولار الأمريكى وبيتكوين لمعرفة الأصول التى تعمل كأفضل وسيلة للتحوط ضد المخاطر.
ونقل تقرير لموقع شركة كيتكو لتداول المعادن الثمينة عنه قوله إنه إذا كان التاريخ يكرر نفسه أو حتى يسير على نفس القافية، فعلى المستثمرين والمدخرين أن يكونوا على اطلاع بالتغيير الكبير فى النظام النقدى فى السنوات المقبلة. والأهم من ذلك هو أن عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لضمان أن محافظهم قوية بما فيه الكفاية لمواجهة هذا التغيير، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا لزم الأمر.
ويرى إليسيو أن أفضل طريقة للتعامل مع هذا هو التوازن، الذى يميل نسبيا نحو الاستثمار فى المعادن الثمينة حيث يعتقد أنها الأفضل على الأرجح والأهم من ذلك هى أبسط وسائل حماية الثروة العائلية خلال بيئة السوق الصعبة التى سيواجهها الجميع فى السنوات القادمة.
وأضاف أن الذهب المادى ليس له نظير عندما يتعلق الأمر بحماية القوة الشرائية على مدى فترات زمنية طويلة، وهو ما يجيب على سؤال لماذا كان الخيار المفضل للبشرية من بين أنواع المال لآلاف السنين؟ مشيرا إلى أن استخدام الوسائل الثلاث بدرجات مختلفة ليس خطأ فى إشارة إلى الدولار والذهب والبيتكوين.
وقال إيليسيو إن هذا لا يعنى بالضرورة أن على المستثمرين والمدخرين اختيار سلة نقدية واحدة فقط كالذهب ووضع كل ثرواتهم فى معادن ثمينة بل يمكن التنويع من خلال العملة النقدية كالدولار أو العملة الافتراضية مثل البيتكوين.
واعترف كبير الاقتصاديين بأن نهجه الخاص ينطوى على الاحتفاظ بجزء كبير من ثروته الخاصة بالدولار وكمية كبيرة من الذهب أو الفضة.
ويقول أيضا إن استثمارا صغيرا فى بيتكوين هو أمر مفهوم فى ظل الحالة النفسية المسيطرة على السوق، ولكنه مشكوك فيه بالأسعار الجارية، محذرا التجار من احتمال حدوث انهيار لها على المدى القصير.
وأوضح أنه ربما تستمر المكاسب المتفجرة لسنوات قادمة ولكن النوع من الصعود وفى ظل عوامل أخرى تؤثر على التداول تشير ألى أن بيتكوين تعانى من فقاعة السعر مما يخلق فرصة كبيرة لانهيار هائل خلال الأشهر القادمة.
أضاف أن أهم شيء يجب السؤال عنه عند اختيار مخزن القيمة المناسب لتحليل كل الأصول هو توافر سبع خصائص منها الاستدامة، والقابلية للاستخدام، وإمكانية القسمة، والمنطقية (حركة السوق)، والاعتراف الفورى باعتبارها أصلا ماليا، وقابلية التداول والقيمة الجوهرية. فضلا عن ثلاث وظائف لهذا الأصل وهى استخدامه كوحدة للحساب، ووسيط للتدول، ومخزن للقيمة.
ومن الواضح أن الذهب يفى بمعظم هذه الخصائص خصوصا الخمسة الأولى للمال، كما أنه ذات قيمة جوهرية على حد سواء كعرض ثرى للثروة كما يستخدم كمادة خام لكثير من التطبيقات الصناعية.
كما يقوم المعدن الأصفر أيضا بواحد من وظائف المال نظرا لأنه يتمتع بمخزون استثنائى من القيمة على المدى الطويل وقد لا يستخدم اليوم حقا كوسيلة للتبادل أو كوحدة حساب، مما يؤثر على قابليته فى المعاملات اليومية.
وعندما يتعلق الأمر بالدولار الأمريكي، فإن الخصائص الستة الأولى للمال والوظيفتين الأوليين تحقق مستوى رضاء جيد بسهولة.
أكبر مشكلة فى حالة الدولار الأمريكى بالنسبة لإيليسيو هو اعتباره مخزنا للقيمة فالدولار الأمريكي، وجميع العملات فى الواقع تقوم بعمل فظيع على هذا الصعيد حيث فقدت العملة الأمريكية %95 من قوتها الشرائية فى السنوات الـ100 الماضية، وفقا لبيانات من الاحتياطى الفيدرالي.
وبالنظر إلى بيتكوين فإنها مستدامة ويمكن استخدامها وقسمتها ويمكن التعرف عليها على الفور ولكن لا يمكن الحكم عليها فى التداول من حيث منطقية التعامل معها وكما انها من حيث القبول لا تحصل على تقدير إلى حد كبير.
وعلاوة على ذلك، من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت بيتكوين سيكون لها قيمة جوهرية حيث إن إصدار مثل ذلك الحكم يتطلب مرور عشر سنوات.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا