مقالات

أشباح فشل استجابة مشتركة تطارد أوروبا فى الموجة الثانية لـ«كورونا»

فى النصف الأول من 2020، اتخذت أوروبا استجابة جريئة وسريعة لمكافحة الركود الناتج عن فيروس كورونا، ومع تسبب الموجة الثانية فى تباطؤ اقتصادى، يبدو أن صناع السياسة فقدوا بعضاً من حماستهم.
وتكافح الحكومات للتعامل بفاعلية مع الأزمة الصحية، وتتردد بين إبقاء الاقتصادات مفتوحة أو فرض قيود جديدة، ويبدو أن البنك المركزى الأوروبى يستعد للإعلان عن جولة جديدة من المحفزات فى منتصف ديسمبر، ولكن من غير الواضح إلى أى مدى سوف تساهم فى التعافى.
وهناك خلاف بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى فى الوقت الذى يحاول فيه وضع اللمسات الأخيرة على موازنة متعددة السنوات تتضمن صندوق تعافى مشترك من الوباء، وبينما يبدو التوصل لاتفاق هو النتيجة الأكثر ترجيحاً، فإن التأخيرات سوف تضر بفرص تحقيق تعافى اقتصادى سريع.
ولحسن الحظ، يبدو الركود الثانى أقل حدة من الانكماش الحاد فى الربيع، فقد حافظ القطاع التصنيعى على وتيرة نمو معقولة بفضل مرونة التجارة العالمية المدعومة من الصين، حتى فى قطاع الخدمات، لم تكن قيود الإغلاق الجديدة هائلة وبالتالى أقل تدميراً، ومن المتوقع أن ينكمس اقتصاد منطقة اليورو بنسبة %1.7 فى الثلاثة أشهر المنتهية فى ديسمبر، وفقاً لتوقعات «بلومبرج»، وهى نسبة أقل بكثير من انكماش الربع الثانى عند %11.8.
ومع ذلك، من الخطأ أن نتعامل مع موجتى الركود على أنهما فى اختلاف بالنظر إلى أن تأثيرهما التراكمى شديد الأهمية، وكان الأمر سيئ بما يكفى لملاك المطاعم والمتاجر أن يغلقوا خلال القيود الأولى، أما الإغلاقات الثانية رغم أنها أقل صرامة فإنها أكثر وحشية بعدة طرق لأنها تضيف البؤس فوق الإيرادات المفقودة من النصف الأول من العام.
وكما أشارت رئيس البنك المركزى الأوروبى، كريستين لاجارد، الشهر الجارى: «إذا لم يعد الناس يرون الوباء كحدث غير متكرر، فقد نرى تغيرات أكثر دواماً فى السلوكيات من الموجة الأولى»، وهو ما يعنى المزيد من الإفلاسات والعمالة المحبطة وضرر أكبر طويل الأجل على الاقتصاد.
وعلى الأقل كان لدى منطقة اليورو أساساً قوياً لمواكبة أحدث الإغلاقات، وفى الربيع، علقت المفوضية الأوروبية القواعد المالية للكتلة، ما مهد الطريق لاستجابة قوية من الحكومات، وأطلق المركزى الأوروبى حزم هائلة من مشتريات السندات، والتى أصبحت أكثر مرونة مع الوقت.
وعلاوة على ذلك، اتفق قادة الاتحاد الأوروبى على برنامج منح وقروض ستموله المفوضية من خلال الاقتراض من الأسواق المالية، ويبدو أن الكتلة تعلمت دروسها من الاستجابات البطيئة لأزمة الديون فى منطقة اليورو العقد الماضى، ورغم ذلك، تطارد أشباح الفشل أوروبا مجدداً.
ففى أسبانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، فشلت الحكومات فى الاستعداد بشكل كافى للموجة الثانية من الفيرس وانهارت أنظمة الرعاية الصحية وعمليات التتبع تحت ثقل أعداد الإصابة، وكانت الحكومات يائسة لإبقاء الشركات مفتوحة، ولكن من خلال ذلك فشلوا فى احتواء الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
ويخطط الساسة لجولة جديدة من إعادة الفتح «لإنقاذ الكريسماس» وتجار التجزئة، ولكن المستشفيات تعمل بالقرب من أقصى قدراتها، وهناك مخاطر لموجة ثالثة فى يناير، قبل التوزيع واسع النطاق المتوقع لمصل كوفيد – 19.
ويقوم المركزى الأوروبى بدوره، فعائدات السندات عند أدنى مستوى وقد تنضم سندات أجل 10 سنوات من أسبانيا والبرتغال قريباً لنادى العائدات السلبية، و«لاجارد» مستعدة لزيادة برنامج مشتريات الأصول البالغة قيمته 1.35 تريليون يورو «1.6 تريليون دولار»، ومستعدة لتقديم قروض رخيصة أكثر سخاءً للبنوك لضمان مواصلتهم إقراض الاقتصاد الحقيقى، ومع ذلك، هناك حدود لما يمكنها أن تقوم به، وخفض تكاليف التمويل للحكومات والشركات والأسر مرحب به، ولكنه لن يحفز فى الاستثمار ولا يضمن أن الأموال سيتم إنفاقها بشكل جيد، وأصبحت حدود السياسة النقدية واضحة للعيان.
وأكبر مخاوف الفشل السياسى هى صندوق «الجيل الجديد فى الاتحاد الأوروبى» وهو الاستجابة المالية من أوروبا للوباء، وتهدد المجر وبولندا بالاعتراض على الموازنة متعددة السنوات بسبب جعل المدفوعات ملزمة بقوة القانون، وسوف تتراجع وارسو وبودابست على الأرجح، لأن استخدامهم حق الفيتو سيحرمهم من الحصول على المساعدات المالية فى وقت متأزم بحدة، ولكن هذه التوترات تكشف صعوبات اتخاذ استجابة مالية أوروبية مشتركة.
ويتعين على اقتصاد منطقة اليورو التفكير فى إنشاء موازنتهم الخاصة بدلاً من ذلك للهروب من صفعات الدول التى ليست عضوة فى العملة الموحدة.
وأعطى التفاؤل القصير فى الصيف – مع انحسار موجة التفشى الأولى – أوروبا وهم أنها نجحت فى إدارة الوباء والصدمة الاقتصادية بنفس كفاءة آسيا وأفضل من الولايات المتحدة، ولكن الموجة الثانية أظهرت خطأ هذا الاعتقاد، وتبدو نهاية الأزمة الصحية قريبة المنال، ولكنها لم تحدث بعد، والأسوأ من ذلك أن المصل لن يشفى الأضرار طويلة الأجل للاقتصاد، ويتعين على أوروبا إستعادة حسها السابق بخطورة الموقف.

بقلم: فرديناندو چوليانو

محرر رأى فى “بلومبرج”

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية