مقالات

الاتحاد الأوروبى محق فى المخاطرة بـ«عدم اتفاق مزدوج»

يقدم جدول الأعمال المقترح لقمة قادة أوروبا الأسبوع الجارى صورة لعالم منظم، وسوف تتضمن القمة تصريحات مطمئنة بشأن «كوفيد-19» والتغير المناخى والانتخابات الرئاسية الأمريكية، أما ما سيتم إسقاطه من الأجندة هو موضوعين شائكين سوف يتم مناقشتهما خارج غرفة المؤتمر وهما الخروج البريطانى، والمواجهة مع بولندا والمجر بشأن سيادة القانون.

وفى الواقع إذا لم يتم التوصل لتسوية فى وقت قريب، فسوف يعانى الاتحاد الأوروبى من «عدم اتفاق مزدوج» مع البريطانيين والبولنديين والمجريين، وهو ما سيعنى انهيار فى العلاقات التجارية مع بريطانيا اعتباراً من 1 يناير، ويقود إلى تعريفات وصفوف طويلة من سيارات النقل الثقيل على الحدود وربما مواجهات بين أساطيل الصيد.

أما تداعيات عدم الاتفاق مع بولندا والمجر ستكون فشل الاتحاد الأوروبى فى الاتفاق على موازنة لأول مرة فى عقود ما سيؤدى إلى اضطرابات فى التدفقات المالية وإلى نزاع مع وارسو وبودابست قد يتطور، كما هو متصور إلى رحيل دولتين جديدتين من الاتحاد الأوروبى.

ولا يوجد قائد أوروبى عاقل سيستقبل هذه النتائج بسعادة، وفى الواقع لا يريد أحد فى الاتحاد الأوروبى «عدم اتفاق مزدوج»، ولكن المفاوضين الأوروبيين يعلمون أن التوصل لاتفاقين سيئين سيكون أسوأ بكثير لمستقبل الكتلة على المدى البعيد.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبى، سوف يتضمن اتفاق الخروج السئ إعطاء البريطانيين وصول غير مقيد للسوق، بينما سيترك الاحتمالات مفتوحة لأن تضر الشركات الواقعة فى بريطانيا منافستها الأوروبية من خلال العمل تحت تنظيمات أقل صرامة، ولذلك يصر الاتحاد الأوروبى بشدة على «تسوية ملعب اللعب» فيما يخص التنظيمات كشرط أساسى للاتفاق التجارى.

ويجادل البريطانيون بأن كندا لم يطلب منها معايير مماثلة كشرط لاتفاقها مع الاتحاد الأوروبى، ولكن كندا لم تحصل على دخول كامل للسوق الأوروبى الموحد بدون تعريفات أو حصص، كما أن بريطانيا تقع على عتبة الاتحاد الأوروبى، وبالتالى تمثل تهديد تنافسى أكبر بكثير.

وتعلم الحكومات الأوروبية أنها إذا لم تفعل الأمر بالطريقة الصحيحة، فسوف تلحق ضرراً اقتصادياً وسياسياً طويل الأجل فى الموطن.

أما الفشل فى التوصل لاتفاق مع المجر وبولندا ستكون تداعياته أكبر بكثير، فالدولتين المهمتان فى الاتحاد الأوروبى كانتا تنزلقان نحو الاستبدادية منذ بعض السنوات، ومقترح ربط التمويل الأوروبى المستقبلى باحترام سيادة القانون ربما يمثل أخر فرصة ملائمة لبروكسل للضغط على بولندا والمجر لتغيير مسارهم.

وإذا فشلت هذه المجهودات، فإن الاتحاد الأوروبى سيتعين عليه أن يقبل فقدان مصداقية إدعائه بأنه نادى يضم ديموقراطيات يحكمها القانون، وسوف يكون فشله أكثر إثارة للقلق بالنظر إلى أن المجر وبولندا سيواصلون الحصول على تمويل سخى من موازنة الاتحاد الأوروبى.

ومن المثير للسخرية أنه من مصلحة الشعوب فى بريطانيا والمجر وبولندا أن يتم التوصل لاتفاق تحت مظلة الخطوط العريضة المقترحة من قبل الاتحاد الأوروبى حالياً.

ويعد السعى لسيادة غير مقيدة مبدأ أساسى لبعض المحافظين البريطانيين، ولكن حكومة بوريس جونسون فى نفس الوقت تدعى إنها ليس لديها أى نية لفرض تنظيمات تنافسية مع قواعد البيئة والعمالة الأوروبية، وبالتالى فإن الأمر يبدو غريبا للغاية أن تقطع الروابط الاقتصادية فى سبيل حق لن تستخدمه بريطانيا.

كما أن الصيد – رغم أهميته الرمزية – فهو قطاع صغير للغاية، وبموجب أى اتفاق متصور، سوف يكون لبريطانيا حصة أكبر من المميزات، وبالتالى لا يوجد أى مصلحة وطنية بريطانية فى تسميم العلاقات مع فرنسا لتأمين بعض السمك المملح الإضافى.

وفيما يخص بولندا والمجر، فإن المخاوف الأوروبية الأساسية هى القوانين البولندية والمجرية التى تقوض استقلالية القضاء، ولكن هذه المخاوف من مصلحة المواطنين البولنديين والمجريين العاديين، لأنها تمثل أفضل ضمان ضد الفساد والحكم التعسفى.

ويواصل البولنديون والمجريون كذلك الاستفادة بقدر هائل من عضويتهم فى الاتحاد الأوروبى سواء فيما يتعلق بالتمويل أو حرية العيش والعمل عبر المنطقة.

وسوف يدفع «عدم الاتفاق المزدوج» – فى وسط وباء فيروس كورونا – الاتحاد الأوروبى لأسوأ بداية ممكنة لعام 2021، ولكن تداعيات التوصل لاتفاقين سيئين سوف تدوم لعقود.

بقلم: جديون راتشمان

كبير المعلقين على الشئون الدولية فى صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية