مقالات

ضريبة الثروة.. ممتص الصدمات الاقتصادية المطلوب فى الدول الغنية

لدى الحكومات قائمة طويلة من المهام التى يتعين القيام بها، وأغلبها يكلف الكثير من الأموال، ويعد التعافى من وباء «كورونا»، والتعامل مع التغير المناخى، و«تحسين معيشة» المجتمع أهداف ضرورية ولكنها مكلفة للغاية.

وحاليا، العديد من الحكومات تمول نفسها من خلال طبع الأموال من قبل البنوك المركزية، وهذا لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية بدون إضعاف قدرة البنوك المركزية على إبقاء التضخم عند مستوى مقبول.

وقريبا، ستضطر الحكومات للاختيار بين فقدان السيطرة على التضخم أو التخلى عن الأهداف السياسية، وكلاهما خياران غير مقبولان يمكن أن يقودا إلى استياء اجتماعى، وهناك حل واضح فى الولايات المتحدة وبريطانيا وهو ضريبة الثروة.

ووفقا للاحتياطى الفيدرالى، فإن أغنى %10 من الأسر الأمريكية كانت تمتلك ثروة صافية بقيمة 80.7 تريليون دولار فى الربع الثالث من 2020، أى أقل قليلا من %70 من إجمالى ثروة الأسر الأمريكية، وكانت صافى ثروة أغنى %10 تعادل %375 من الناتج المحلى الإجمالى فى نفس الفترة، ولم تكن أبدا أقل من %200 من الناتج المحلى الإجمالى فى الـ30 عاما الماضية.

وسوف تجمع ضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة %5 على أغنى %10، نحو 4.03 تريليون دولار، أو %19 من الناتج المحلى الإجمالى الحالى، وهو ما كان ليقلص صافى ثروة نخبة الأثرياء فى الربع الثالث من العام الماضى إلى 76.7 تريليون دولار، ومع ذلك كانت ثرواتهم لتكون أفضل من العام السابق بنسبة %2.1 بدلا من %7.5 بدون الضريبة.

ومثل هذه الضريبة من شأنها أن تمول بأريحية خطط الرئيس جو بايدن على مدار الأعوام القليلة المقبلة، وأن تعكس بعضا من الارتفاع فى عدم المساواة فى الثروة على المدى البعيد وكانت لترفع فورا عبء تمويل الحكومة من قبل البنك المركزى.

وعلاوة على ذلك، يمكن لهذه الضريبة أن تعيد توزيع الثروة بعيدا عن فئة المجتمع الذى بحكم حجمه يمكنه استهلاك الكثير وبالتالى تحفيز الاقتصاد، وهو ما يساعد الأسواق المالية على العودة إلى وظيفتها الاقتصادية المتمثلة فى استكشاف الأسعار والتوزيع الفعال لرأس المال بدون يد الاحتياطى الفيدرالى المشوهة للسوق، وستزيل الحاجة للفائدة الصفرية وبرامج التيسير الكمى والسياسات التى عززت أوجه العلة الحالية فى الاقتصاد مثل ازدياد عدم المساواة، ودورات فقاعات المضاربة وانفجاراتها، وارتفاع مستويات الديون، وانخفاض نمو الإنتاجية.

وتحظى هذه الضريبة بتأييد شعبى، ووجد استطلاع رأى لـ”رويترز/إبسوس» فى يناير أن %64 من المستجيبين يؤيدون ضريبة الثروة، «%77 منهم من الديموقراطيين و%53 من الجمهوريين»، ومما لا شك فيه أن مالكى الأصول المالية تمتعوا بمكاسب هائلة خلال العقد الماضى، بفضل برامج التيسير الكمى وأسعار الفائدة المنخفضة، وهناك بالتأكيد حجة عدالة أساسية أخلاقية قوية وراء ضريبة الثروة.

وفى بريطانيا، قدر مكتب الإحصاءات الوطنية أنه فى 2018، تمتع أغنى %10 بثروة صافية 6.5 تريليون دولار أى أعلى قليلا من %300 من الناتج المحلى الإجمالى، ونظريا، قد تجلب ضريبة بنسبة %1 على ثروتهم إيرادات تعادل %3 من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بإيرادات نسبتها %3.7 من الناتج المحلى الإجمالى فى الولايات المتحدة.

ويعقد تنويع الثروة بين فئات الأصول المختلفة تطبيق الضريبة على أغنى الأسر، لأن %21.5 فقط من الثروة موضوعة بشكل مباشر فى أصول مالية وحوالى %43.7 فى المعاشات، ومن الممكن أن تقلل البيانات من حجم صافى الثروة الحقيقى لأغنى الأشخاص فى بريطانيا، وبالتالى فإن ضم الأصول المملوكة بالخارج خاصة فى الملاذات الضرييبة سوف تنتج على الأرجح مستويات أعلى بكثير من الثروة الخاضعة للضريبة.

وفرض ضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة %5 على أغنى %1 من الأسر البريطانية قد يولد إيرادات تعادل %7.9 من الناتج المحلى الإجمالى، وفى نفس الوقت فرض ضريبة سنوية بنسبة %1 ستدر إيرادات تعادل %1.6 من الناتج المحلى الإجمالى كل عام، وعلى النقيض، فإن رفع ضريبة الشركات من %19 إلى %24 سيجمع نظريا 14.5 مليار جنيه استرلينى إضافية أى ما يعادل %0.7 من الناتج المحلى الإجمالى حاليا.

وفى ظل اعتيادها لوقت طويل على التضخم المنخفض، تقتنع الأسواق المالية على الأغلب أن العجوزات المالية المتسعة لن تقود إلى تضخم أعلى ملحوظ، ولكن قد يكون حكمهم خاطئا، ولدى الاقتصاد الأمريكى مصادر محتملة للطلب الفورى المدفوع من أحدث الحزم المالية والمدخرات الأسرية الفائضة، كما أن الولايات المتحدة شهدت أسرع نمو فى معروض الأموال على الإطلاق.

وإذا صاحب الصدمة التضخمية توريق متواصل للعجز، تزداد احتمالات الانزلاق إلى دوامة تضخم ذاتية التغذية، ولكن ضريبة الثروة يمكن أن تقدم طريقا للخروج من هذه الدوامة، وبالنظر إلى التغير المستمر فى عائدات الأصول، فإن ضريبة الثروة لمرة واحدة أكثر عدالة من الضريبة السنوية.
ويعد استحداث ضريبة على المواطنين الأثرياء مغيرا لقواعد اللعب، ويوفر مخرجا من طريق توريق الديون الذى يقود بالأخير إلى جحيم اقتصادى، وربما يتعين علينا اتخاذ خطوة سياسية الآن لتجنبه.

بقلم: تيم بوند
مدير محفظة فى «أوداى أسيت ماندجمنت»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية