أخبار

دبي أم الرياض..الصراع يحتدم على مقرات كبرى شركات العالم

دبي

جعلت البنية التحتية الحديثة والقوانين السلسة من دبي المقر الإقليمي المفضل للشركات الدولية، لكن خروج الرياض من عباءة التشدد في السنوات الأخيرة أيقظ منافسا عملاقاً يستند إلى أكبر اقتصاد بالشرق الأوسط وأكبر مصدر للنفط في العالم، فيما يعكف المسؤولون السعوديون الآن على وضع ما يسمر باستراتيجية الرياض التي تستهدف أن تكون العاصمة السعودية ضمن أكبر 10 اقتصاديات مدن بالعالم.

وحددت المملكة العربية السعودية موعدا للشركات العالمية لتأسيس مراكزها الإقليمية في الرياض بحلول عام 2024 كشرط مسبق في حال رغبت التعامل مع عطاءات حكومية، ما يفرض على هذه الشركات الحاجة لاتخاذ قرار سيحدد تعزيز فرصها الاستثمارية في المملكة من عدمه، فيما تعني التكاليف المرافقة لهذه التبعات والتغييرات في السياسة والأحكام القانونية ذات العلاقة، أن الشركات ستحتاج إلى تقييم مخاطر تأسيس مقار إقليمية في السعودية، مقابل الحوافز المحتملة التي وعد بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ظل الإصلاح الاقتصادي.

عملاق نائم يستيقظ

وأعلنت المملكة العربية السعودية، الإثنين الماضي، إنها ستمنح العقود الحكومية فقط للشركات الدولية التي لها مراكز إقليمية في البلاد وعزت ذلك الى الحاجة الى وقف “التسرب” الاقتصادي.

وقد سهّلت الإمارة الخليجية الثرية فتح الأعمال التجارية في منطقة تعاني من البيروقراطية مما ساعدها على استضافة حوالي 140 مقراً لشركات كبرى خلال ثلاثة عقود، أكثر من أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط، بحسب وكالة رويترز.

وبينما كانت بيئة الأعمال تزدهر في دبي، تعثر النمو في الرياض، عاصمة أكبر اقتصاد عربي، بسبب السياسات المتشددة والتهديدات الأمنية والفساد.

لكن ولي العهد محمد بن سلمان سعى إلى وضع حد لذلك عندما تولى منصبه في عام 2017. وقد باتت المدينة المحاطة بالكثبان الرملية تنعم بازدهار نسبي وتشهد افتتاح أعمال جديدة بوتيرة متسارعة، من المطاعم إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

وقال الأمير البالغ من العمر 35 عاما في يناير الماضي إن هدفه “أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشر اقتصادات مدن في العالم”.

ولتسريع هذا الهدف، أعلنت الرياض أنّها ستوقف اعتباراً من مطلع العام 2024 التعامل مع شركات أجنبية تقيم مقرات إقليمية لها خارج السعودية.

وتمثّل الخطوة المفاجئة تحدّيا مباشرا لدبي وتهدّد بسباق مفتوح محتدم بين الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات.

دبي

وقال الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والسياسة ستيفن هيرتوغ لوكالة فرانس برس “لا أعتقد أن هذه هي النية ولكن هذا ما سيحصل عمليا، كون دبي الموقع المفضّل كمقر إقليمي للشركات الدولية”.

 

الرياض تدخل ساحة الاقتصاد بقوة

في عهد الأمير محمد، تبنّت السعودية سلسلة من التغييرات الاجتماعية التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وعدّلت بعض قوانينها المتشددة.

وفتحت الرياض، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 7,5 ملايين نسمة وكان يُنظر إليه على أنها معقل لسياسات المحافظين، أبوابها للترفيه والاستثمار، وهمّشت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفّذت حملات لمكافحة الفساد.

جذب الوجه الجديد للعاصمة جذب مع ذلك مستثمرين كثر يأملون في الاستفادة من مشاريع بمليارات الدولارات مثل مدينة نيوم المستقبلية الضخمة المخطط لها على ساحل البحر الأحمر.

ومن بين هؤلاء رائدة الأعمال السعودية هيا أخضر وزوجها الفرنسي اوغو بوديز اللذان أنشآ شركة استشارية متخصّصة في العلامات التجارية الفاخرة في دبي عام 2017.

وبالنسبة للزوجين الشابين، فقد حان الوقت للتوجه نحو الرياض وفتح مكتب هناك، إنما من دون أن يتخلّيا عن مقر شركتهما في دبي.

وقال بوديز لفرانس برس “لقد شاهدنا نمو السوق وتحول اهتمام العديد من العلامات التجارية إلى السعودية، وتحديدا الرياض”، مضيفا “نحتاج لأن نكون قريبين من عملائنا في كلا السوقين المهمين”.

ويقول المسؤولون السعوديون إن المملكة تستضيف أقل من 5% من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في المنطقة رغم أنها تمثّل “حصة الأسد” من الأعمال والعقود إقليميا.

استراتيجية الرياض تعطي عاصمة السعودية دفعة للأمام

ومؤخرا، قال الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إنه يجري حالياً الانتهاء من وضع استراتيجية الرياض، التي تستهدف زيادة عدد السكان بها ما بين 15 و20 مليون نسمة، وأن تكون من أكبر اقتصاديات 10 مدن بالعالم

 

جاء ذلك في لقاء خاص لولي العهد السعودي ضمن مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، أجراه معه رئيس وزراء إيطاليا السابق، عضو مجلس أمناء مؤسسة “مبادرة مستقبل الاستثمار “السيناتور ماتيو رينزي.

 

وقال الأمير محمد بن سلمان خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار إنَّ الرياض تشكِّل 50% من الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ولديها نحو 30% من السكان، وتتسم بانخفاض تكلفة خلق فرصة العمل بمعدَّل 30% عن بقية مناطق السعودية، كما تنخفض تكلفة التطوير العقاري بنسبة 29% عن بقية المناطق، فضلاً عن البنية التحتية الرائعة التي تحتمل سكاناً يصلون إلى 20 مليون نسمة، فقد قام الملك سلمان بن عبد العزيز على مدار 55 سنة حكم فيها الرياض بالتخطيط لها منذ أن كان عدد السكان 150 ألف نسمة حتى وصل حالياً إلى 7.5 مليون نسمة.

دبي

 

وتابع بن سلمان قائلاً: “الرياض فرصة كبيرة لخلق نمو اقتصادي ضخم للسعودية، وصناعة، وسياحة، واقتصاد، ويجب أن نهتم بها فهي أحد ركائز الاقتصاد في السعودية. وكل الخصائص في الرياض تخلق وظائف، واستثمارات، وفرصاً للنمو والتطور، والتنمية، لذلك تستهدف استراتيجية الرياض أن تكون من أكبر 10 اقتصاديات مدن في العالم، في حين تحلُّ في المركز الـ 40 على العالم حالياً، وأن تكون من أميز دول العالم في السياحة، والخدمات، وجودة الحياة”.

 

الرياض ونيوم

وذكر أنَّ الرياض تعدُّ أحد المكونات الرئيسية للتقدم الاقتصادي في المملكة، إذ يتمُّ التركيز على النمو السكاني في السعودية على مدينتي الرياض ونيوم، وهو نمو سكاني منخفض التكلفة، وسهل الحدوث، بينما في بقية المنطاق نركِّز على تحسين جودة الحياة، ورفع جودة الخدمات، واستغلال الفرص السياحية، والثروات الطبيعية.

 

وكشف ولي العهد السعودي أنَّه سيتمُّ الإعلان عن أكبر مدينة صناعية في العالم بمدينة الرياض، التي لديها اليوم بالفعل مدينة صناعية سترتبط بجميع الموانىء السعودية، وجميع دول وموانئ الخليج، ولديها العديد من الآثار المسجَّلة في اليونسكو، ورؤوس أموال ضخمة، وبنية تحتية تكاد تكون من أفضل البنى التحتية بالعالم.

 وبعدما وصلت رياح المنافسة للإمارات، استجابت الدولة النفطية بسرعة للتحدي الجديد.

فرفعت البلاد التي يسكنها مليون إماراتي وتسعة ملايين أجنبي الحظر المفروض على إقامة غير المتزوجين معا، وخففت القيود المفروضة على الكحول، وعرضت تأشيرات طويلة الأجل ومنح الجنسية لأفراد معينين، ووقّعت اتفاق تطبيع علاقات مع إسرائيل ليجتمع معا أكثر اقتصادات المنطقة تنوّعا.

قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “ستراتفور” الاستشارية ريان بوهل إن على الإمارات أن “تسرّع بعض الإصلاحات التي لا تزال غير ممكنة في السعودية” حتى تظل قادرة على منافسة المملكة التي يسكنها 34 مليون شخص اكثر من نصفهم من الشباب.

ولا تزال المدن السعودية تفتقر إلى البنية التحتية الملائمة في قطاعات رئيسية مثل النقل والمصارف، بينما تعاني بعض الوزارات من بيروقراطية متجذّرة.

وبحسب بوهل، فإنّ الرياض بعيدة جدا عن “دبي وحتى أبوظبي من حيث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه”.

وتابع أن “الحقيقة الصعبة الأخرى هي أن في السعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير سيكونون أقل قابلية للتفاعل مع العادات الاجتماعية الغربية لسنوات قادمة مقارنة بالإمارات”.

وهذه ليست التحديات الوحيدة. فبينما يُنظر إلى دبي على أنها واحدة من أكثر المدن أمانا في المنطقة، تواجه الرياض تهديدا من متمردي اليمن حيث تقود تحالفا عسكريا منذ 2015، والجماعات المتطرفة على حد سواء.

ومن المتوقع أن تتعرض جهودها لتحسين صورتها لضغوط من قبل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بعد تولي جوا بايدن والإطاحة بالحليف دونالد ترامب.

وكتب أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الله عبد الخالق في تغريدة الأربعاء “الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة (…) اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة”.

وأضاف” لن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة”.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

رئيس الوزراء: 27% انخفاضا في أسعار السلع الأساسية حتى الآن

تراجعت أسعار السلع الأساسية في السوق المحلية، التي تتضمن الزيت...

منطقة إعلانية