تصاعدت الاحتجاجات فى السودان، وسط ارتفاع أسعار الغذاء، وتدنى الأوضاع الاقتصادية التى أججت المظاهرات المناهضة للحكومة، وانتشرت فى جميع أنحاء البلاد، وهو الأمر الذى مثل تحدياً كبيراً للرئيس السودانى عمر البشير، الذى يتعرض لضغوط متزايدة.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن المظاهرات فى السودان بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية تحولت إلى اشتباكات مميتة بين قوات الأمن والمتظاهرين، وصفها بعض المحللين بأنها قد تكون أكبر تحدٍ شعبى للرئيس السودانى عمر البشير الذى تولى الحكم قبل 29 عاماً.
وانتشرت الاحتجاجات التى بدأت فى مدينة عطبرة شرقى البلاد، يوم الأربعاء الماضى؛ بسبب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز، وانتقلت إلى ثلاث مدن أخرى على الأقل، من بينها العاصمة السودانية (الخرطوم).
وأعلنت منظمة العفو الدولية، أن قوات الأمن أطلقت النار على ما لا يقل عن تسعة أشخاص، فى حين ذكر صحفيون محليون، أن 28 شخصاً لقوا حتفهم فى هذه المظاهرات إلى جانب اعتقال السلطات 14 شخصاً من قادة الائتلاف المعارض فى البلاد.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن الخرطوم شهدت أعمال العنف فى أعقاب احتجاجات مماثلة فى عام 2013، وفى يناير الماضى من العام الحالى؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.. لكن المظاهرات التى نشبت، مؤخراً، هى الأعنف فى تاريخ البلاد.
وقال محمد عثمان، المحلل السودانى المستقل عبر الهاتف من العاصمة الخرطوم، إنَّ هذه المظاهرات أكبر تحدٍ يواجه البشير، منذ توليه السلطة عام 1989، مضيفاً أن حجم الاحتجاجات غير مسبوق، ومن الصعب جداً نجاة النظام من هذه الموجة دون أن يلحق به الأذى.
وأضاف أن الحكومة ينبغى عليها معالجة السبب الجذرى للتدهور السريع فى الأوضاع الاقتصادية، بدلاً من محاولة منع الناس من ممارسة حقهم فى الاحتجاج على الصعوبات المتزايدة التى يواجهونها.
وفى الشهر الماضى، انتشرت الطوابير فى العاصمة السودانية على ماكينات الصرافة النقدية؛ حيث يحاول العملاء الوصول إلى مدخراتهم فى البنوك بعد القلق الذى انتابهم من قرار فرض حدود للسحب النقدى اليومى بقيمة 11 دولاراً.
وكان العديد من المحللين قد توقعوا حدوث انتعاش اقتصادى بعد رفع الحظر التجارى الذى فرضته الولايات المتحدة لمدة 20 عاماً على السودان.. ولكن بدلاً من ذلك، تعثر الاقتصاد وانخفضت قيمة الجنيه السودانى، وأصبح المواطنون يصطفون من أجل الحصول على المال حتى يتمكنوا من شراء السلع الأساسية.
وقال حسن الحاج على، أستاذ العلوم السياسية بجامعة «الخرطوم»، إنَّ السودان يعيش أجواء أزمة اقتصادية حادة، إذ إنَّ التضخم مرتفع جداً، والعملة الوطنية آخذة فى الانخفاض، ويواجه الناس صعوبات كبيرة فى محاولة لتلبية احتياجاتهم اليومية.
وبالنسبة للرئيس السودانى عمر البشير، تعد الأزمة الاقتصادية واحدة من أكبر التجارب التى واجهها خلال ثلاثة عقود فى السلطة.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى ان السودان لا يزال غير قادر على الوصول إلى دعم صندوق النقد، أو البنك الدوليين، وترفض معظم البنوك الغربية تقديم الخدمات له.
وكشفت البيانات، أنَّ الجنيه السودانى تراجع بنسبة %85 مقابل الدولار العام الحالى، وبلغ التضخم نسبة %70 فى سبتمبر الماضى، وهو واحد من أعلى المستويات فى العالم.
وأوضحت الصحيفة، أنه منذ أن انفصل جنوب السودان فى عام 2011 جُرِد الاقتصاد من النقد الأجنبى؛ حيث أخذت الدولة الجديدة ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من البترول.. لكن المعاناة الاقتصادية تسارعت فى العامين الماضيين.
وقال أسامة داود عبداللطيف، رئيس مجموعة «دال»، أحد أغنى رجال الأعمال فى البلاد، إنَّ آلام السودان الاقتصادية كانت نتيجة جزئية للإصلاحات الرامية إلى انفتاح الاقتصاد.
وأضاف: «قفزت وارداتنا بشكل كبير أمام الصادرات، ولكن المشكلة الأساسية تكمن فى العجز التجارى الكبير الذى أدى إلى نقص هائل فى العملة الأجنبية».
واستأنف السودان المفاوضات الخاصة بعضوية منظمة التجارة العالمية، فى يناير 2017 بعد توقف دام 13 عاماً، بعد أن نفذت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية تتماشى مع قواعد المنظمة العالمية.
وكشفت البيانات، أنَّ العجز فى الميزان التجارى للبلاد وصلت قيمته إلى 2.7 مليار دولار فى نهاية العام الماضى.
وقال «عبداللطيف»، إنَّ تخلى صندوق النقد الدولى، عن تقديم الدعم للسودان كان له تأثير مالى واجتماعى مدمر فى البلاد.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لا يزال يواجه فيه الرئيس البشير، مذكرة توقيف دولية؛ بسبب مزاعم ارتكاب قواته جرائم حرب فى منطقة دارفور.
وقال الدردرى محمد أحمد، وزير الخارجية السودانى، إننا ندرك تماماً كيف ينظر المجتمع الدولى لنا، ونعتقد أنه لا ينبغى أن نشعر بالذعر، ولكن يجب أن نلاحظ أن تلك النقاط الشائكة يتم حلها، وفى النهاية سنصل إلى مخرج.
وخلال 2018 حاول الرئيس البشير، البالغ من العمر 74 عاماً، تطوير الاقتصاد وتغيرت النظرة إلى الاقتصاد فى الأشهر الثلاثة الماضية.
وبدأت البلاد جولة جديدة من المحادثات مع الولايات المتحدة لإزالة السودان من قائمة الإرهاب. وفى سبتمبر، تم تعيين معتز موسى، رئيساً للوزراء من أجل بث روح جديدة فى الاقتصاد.
وأعلن «موسى»، بالفعل عن خطة إصلاح اقتصادى طارئة مدتها 15 شهراً بدأت أكتوبر الماضى للحد من التضخم، وتحقيق استقرار سعر الصرف.
وقام «موسى»، بخفض قيمة الجنيه السودانى أمام الدولار ليتناسب مع سعر السوق السوداء وينبغى لهذه الخطوة أن تشجع الصادرات وتجعل السلع السودانية أرخص فى السوق الدولية. ويقوم السودان ببيع البترول والذهب والقطن والصمغ العربى والثروة الحيوانية، خصوصاً فى منطقة الشرق الأوسط، ولكنه يكافح من أجل دفع عجلة الإنتاج منذ انفصال الجنوب الذى أخذ معه مقدرات تصديرية هائلة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا