مقالات

أمريكا تسبق أوروبا بأشواط بحزمتها التحفيزية الهائلة

فى المستقبل، ستكون أوروبا والولايات المتحدة أقل حجماً فى الاقتصاد العالمى؛ حيث تتفوق عليها البلدان الناشئة فى النمو، وهو أمر حتمى، ولكن ما لا نعرفه هو مدى سرعة تقلص الهيمنة الأمريكية والأوروبية، وسيعتمد ذلك جزئياً على خيارات السياسة التى يتم إجراؤها اليوم.
وعلى هذا الصعيد، أجَّل الرئيس الأمريكى جو بايدن نسبياً انحدار بلاده، ومع ذلك، يبدو أن قادة الاتحاد الأوروبى على استعداد لتسريع وتيرة تراجعهم.

وقد لا تكون حزمة التحفيز المالى لبايدن البالغة 1.9 تريليون دولار، والتى تم تمريرها الأسبوع الماضى، هائلة الحجم، ولكنها بالتأكيد ذات نطاق كبير، وفى تحديث لتوقعات النمو العالمى من قبل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى مارس، قدرت أن الحوافز الأمريكية ستضيف نقطة مئوية واحدة كاملة إلى النمو العالمى المتوقع، كما ضاعفت توقعاتها للنمو فى عام 2021 للولايات المتحدة نفسها، من 3.3 إلى %6.5، وتتوقع إدارة بايدن عودة إنتاج الولايات المتحدة إلى إمكاناته بوتيرة أسرع بثلاث إلى أربع سنوات بسبب حزم التحفيز.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فإنَّ استجابة السياسة قوية جداً لدرجة أنه بحلول نهاية العام المقبل، سيكون إنتاج الولايات المتحدة أعلى بنسبة %1 عن المسار المتوقع قبل كوفيد، وعلى النقيض، ستظل منطقة اليورو فى ذلك الوقت متأخرة أكثر من %2 عن مسار ما قبل الوباء، وتعتقد منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن التأخر فى بريطانيا سيكون ضعف ذلك.

وتعد تلك أنباء جيدة لمواطنى الولايات المتحدة وسيئة للأوروبيين، لكن لها أيضاً تداعيات جيوسياسية، وتعنى أن التراجع النسبى للولايات المتحدة مؤجل قليلاً، بينما ستزداد سرعة التهميش الاقتصادى فى أوروبا.

وهذه ليست المرة الأولى التى أدت فيها استجابة غير كافية للأزمة فى الداخل إلى تسريع الانهيار العالمى لاقتصاد الدول الغربية، ففى عام 2008، قبل الأزمة المالية العالمية مباشرة، كان الناتج المحلى الإجمالى للصين يمثل ثلث الناتج المحلى للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى (بما فى ذلك بريطانيا) وفقاً لأسعار الصرف فى السوق.

وبعد 4 سنوات فقط، وصلت هذه النسبة إلى النصف بالنسبة للاتحاد الأوروبى، بسبب الركود المزدوج، وأقل قليلاً بالنسبة للولايات المتحدة التى حظيت بتعافٍ أقوى إلى حد ما، ومقارنة بالسنوات الأولى من الألفية، تمكنت الصين من مضاعفة سرعة تقارب حجم اقتصادها من الغرب خلال الأزمة.

وهذه اللقطة لا تخبر إلا جزءاً من القصة، فبعد تعافى اقتصاداتها من الأزمة المالية فى 2008، لا تزال البلدان الغنية تنتج أقل بنسبة %10 فى المتوسط مما كان متوقعاً لها وفقاً لأدائها قبل الأزمة، وبدون هذا العجز، كان الحجم الاقتصادى للصين، نسبة للاقتصادات الغربية الكبيرة، ليكون أصغر.

وأعطت عمليات الإغلاق على جانبى المحيط الأطلسى خلال العام الماضى فرصة أخرى للاقتصادات الناشئة لتسريع اللحاق بالركب، على الأقل بالنسبة لتلك الاقتصادات، مثل الصين، التى تمكنت من احتواء الفيروس بسرعة، وبالتالى تجنبت الحاجة إلى الإغلاق، وإذا سمحت الدول الغنية مرة أخرى بأن يدفع أى ركود اقتصاداتها إلى ما دون اتجاه الإنتاج السابق، فسيؤدى ذلك إلى تسريع انحسارها مقارنة بالصين.

ويبدو ذلك مرجحاً لمنطقة اليورو وبريطانيا، وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن يكونا أفقر بنحو %2 و%4 على التوالى بحلول نهاية العام المقبل مما كانت قبل كوفيد، وفى الوقت نفسه، توقعت المنظمة أن تخسر الصين %1 من مسار ما قبل الجائحة.

وعلى النقيض، تتفوق الولايات المتحدة فى الأداء على توقعاتها السابقة، وفى الواقع، فإن حزمة تحفيز بايدن ستؤدى فى الواقع إلى تأخير لحاق الصين اقتصاديا بأمريكا، وإذا تحققت حزمة الاستثمار الموعودة فى البنية التحتية، فقد يتعزز النمو الأمريكى أكثر.

ويصدق هذا الافتراض الجيوستراتيجى على نهج إدارة بايدن وهو أن استعادة ريادة الولايات المتحدة للعالم تعتمد جزئياً على إعادة بناء قوتها الاقتصادية المحلية.

إذاً ما هى أشعة الأمل المتبقية للعالم القديم؟ أحدها أن لحاق الصين السريع بهم لا يتشاركه البقية، ومن المتوقع أن تتراجع العديد من الاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى مثل المكسيك والهند وإندونيسيا دون مساراتها السابقة بقدر أكبر حتى من أوروبا، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.

ولكن هذا لا يقدم عزاء كبيراً؛ نظراً إلى أن الصين هى المنافسة التى يقلق تنامى قوتها الاقتصادية الجميع.

وأفضل مكان للبحث عن الأمل هو حزمة بايدن التحفيزية فى الولايات المتحدة، وإذا لم تصبح أوروبا أكثر طموحاً، فإن محفزاتها للتعافى وتعزيزها للاستثمار العام ستبدو هزيلة أمام ما تسعى واشنطن إلى تحقيقه.

ولكن ما يناسب البعض قد لا يناسب آخرين، وإذا كان بإمكان الولايات المتحدة إصلاح الضرر الاقتصادى الناجم عن الوباء من خلال إطلاق العنان للقوة الكاملة للإنفاق الحكومى، فبالتأكيد يمكن لأوروبا أن تفعل ذلك أيضاً.

بقلم: مارتن سانداباو
محرر الشئون الأوروبية لدى «فاينانشيال تايمز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية