أثار أستاذ اقتصاد فى جامعة «رنمين» الصينية، ضجة كبيرة، الشهر الماضى، عندما ادعى أن مجموعة بحث حكومية سرية قدرت أن نمو الناتج المحلى الإجمالى الصينى قد يبلغ نسبة %1.67 فى 2018، وهى النسبة التى تعد أقل بكثير من المعدل المعلن رسمياً البالغ %6.5 فى سبتمبر الماضى.
ورفض معظم الخبراء هذه التوقعات، مؤكدين أنها غير قابلة للتصديق على الرغم من الشكوك بشأن موثوقية بيانات إجمالى الناتج المحلى الرسمية فى الصين.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أنه قبل عقد من الزمان لعبت الصين دوراً حيوياً فى إنقاذ الاقتصاد العالمى من الأزمة المالية من خلال إطلاق برنامج تحفيز اقتصادى بقيمة 4 تريليونات رنمينبى، وهو برنامج لم يسبق له مثيل.
ولكن فى الوقت الحالى، فإنَّ الخوف فى الأسواق قد عكس ذلك تماماً؛ بسبب القلق من ارتفاع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة، وتباطؤ النمو فى أوروبا، بل يخشى العديد من المستثمرين أن تقود الصين الاقتصاد العالمى نحو الركود القادم.
جاء ذلك بعد أن أثار تحذير من شركة «آبل»، يوم الأربعاء الماضى، بشأن تباطؤ مبيعات «أيفون» فى الصين مخاوف متزايدة بعد صدور البيانات الاقتصادية القاتمة بما فى ذلك الانخفاضات المطلقة بمبيعات السيارات ومبيعات المنازل وأرباح المصانع.
وتباطأ نمو الناتج المحلى الإجمالى فى الصين إلى %6.5 فى الربع الثالث من العام الماضى، وهو الرقم الأضعف منذ بداية الأزمة أوائل عام 2009.
وأعلنت المجموعة السويسرية «يو بى إس»، أن نمو الربع الأخير فى الصين ربما تباطأ أكثر ليصل إلى %6.2 فيما كشفت صحيفة «جلوبال تايمز» وجود عمليات تسريح للعمالة واسعة النطاق بقطاع التكنولوجيا خلال ديسمبر الماضى.
وقال «فريد هو»، الشريك المؤسس لشركة «بريمافيرا كابيتال» للاستثمار المباشر فى هونغ كونغ، رئيس مجلس إدارة سابق لبنك «جولدمان ساكس»، إنَّ الشعور المحلى سيئ للغاية، وربما أسوأ من الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وأضاف «هو»، أنه من الناحية النظرية تتمتع الصين بخطوط عرض واسعة لتعزيز الطلب المحلى لتعويض خسائر الحرب التجارية التى ضربت الطلب الخارجى. ولكن مع تراجع الثقة فى قطاع الأعمال والمستهلكين فإنَّ الإنفاق الخاص على كل من الإنفاق الرأسمالى والاستهلاك الشخصى من المرجح أن يتراجع.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن علامات تباطؤ النمو لا تقتصر على الصين؛ حيث سجلت خمسة اقتصادات متقدمة بما فى ذلك ألمانيا واليابان انكماشات خلال الربع الثالث من 2019.
وفى الولايات المتحدة، توقع ما يقرب من نصف كبار المسئولين الماليين الأمريكيين بجامعة «ديوك» الأمريكية خضوع الاقتصاد العالمى للركود بنهاية عام 2019، وتنبأ آخرون بحدوث الركود بحلول نهاية 2020.
ولكن رغم هذه المخاوف، فإنَّ السؤال الذى يطرح نفسه على الأسواق العالمية هو مدى ضعف الصين لحدوث تباطؤ أكثر حدة؟
وذكرت الصحيفة البريطانية، أنه من سوء الحظ أن الانكماش الأخير حدث على الرغم من أن الضربة المتوقعة على الصادرات الصينية من الحرب التجارية لم تتحقق بعد.
وفى الواقع، يقول المحللون، إنَّ الصادرات تلقت على الأرجح ضربة واحدة فى الأشهر الأخيرة بعد تراجع الشحنات؛ بسبب الزيادة الجمركية المتوقعة من %10 إلى %25 التى هدد بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ولكن هذه المخاوف معلقة فى الوقت الراهن؛ بسبب الهدنة التجارية التى اتفق عليها ترامب، ونظيره الصينى شى جين بينغ، باجتماع «مجموعة العشرين» فى الأرجنتين الشهر الماضى.
وذكرت الصحيفة، أن الصين تسببت بقلق شديد فى الأسواق العالمية قبل 3 سنوات؛ بسبب فقدان السيطرة على أسواق الأسهم فى بورصتى شنغهاى، وشنتشن، بعد عمليات البيع التى أدت إلى انخفاض مؤشر الأسهم الرئيسى بنسبة 7% فى يوم واحد.
واستمرت هذه المخاوف 6 أشهر متتالية فشل خلالها تدخل بكين فى منع انفجار فقاعة سوق البورصة وتراجع قيمة العملة الذى أدى إلى تفشى هروب رؤوس الأموال.
وفى السنوات الثلاث منذ ذلك الحين، بدا أن الصين تثبت خطأ المتشككين؛ حيث شددت البلاد ضوابط رأس المال لتحقيق الاستقرار بالعملة، فى حين تسبب تعزيز الإنفاق على البنية التحتية ومسيرة الإسكان الانتعاش السريع.
ومنذ منتصف عام 2016، تحولت السياسة من التحفيز إلى التقشف استجابة لسنوات من التحذيرات بشأن المخاطر المالية من تراكم الديون السريع.
وأدت عاصفة من الرياح التنظيمية التى استهدفت الإقراض المصرفى إلى انخفاض حاد فى الائتمان خارج الميزانية العمومية.
وقال هوانغ يى بينغ، نائب عميد كلية التنمية الوطنية بجامعة بكين، إنَّ الصين تنتقل من التكلفة المنخفضة نسبياً إلى التكلفة المرتفعة، لذا هناك حاجة إلى إغلاق الكثير من الصناعات القديمة.
وأضاف «بينغ»، أن معارك السياسة الاقتصادية الرئيسية مثل تنظيف البيئة واحتواء المخاطر المالية كلها أسهمت فى تباطؤ النشاط الاقتصادى. لكن الحملات الصارمة على بنوك الظل والتلوث جلبا نتائج غير مقصودة؛ حيث ضربت الأعمال التجارية الصغيرة المملوكة للقطاع الخاص والتى تسهم بنحو %60 من نمو الناتج المحلى الإجمالى و%90 من الوظائف الجديدة.
وفى غضون ذلك، تواصل الشركات الأقل كفاءة المملوكة للدولة التمتع بميزة تفضيلية فى الحصول على القروض المصرفية التقليدية.
وعلى الرغم من التباطؤ، لا يتوقع معظم الاقتصاديين حدوث ركود فى الصين أو حتى تباطؤ فى النمو دون %5 خلال العامين المقبلين.
جاء ذلك بعد أن نفذت الصين سلسلة من إجراءات التحفيز النقدى والمالى بما فى ذلك ضخ السيولة بالنظام المصرفى ومشروعات البنية التحتية الكبيرة التى تبدأ بتنفيذ مشاريع ضخمة مثل مترو الأنفاق. ولكن حجم هذه الجهود كان أكثر تواضعاً من الجولات السابقة فى 2008 و2014 و2015.
ويعكس النهج الذى اتبعته الحكومة، التركيز على التحفيز مرونة السياسة المنخفضة فى الوقت الحالى مقارنة بعام 2008 عندما كانت مستويات الديون أقل، وكان هناك نموذج أبسط للنمو يعتمد على الاستثمار فى الإسكان والبنية التحتية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا