أصابت جائحة الفيروس التاجى النساء بشكل خاص، لاسيما فى المناطق الأكثر ضعفاً: دخلهن وصحتهن وسلامتهن، وتشكل النساء غالبية العاملين فى العديد من قطاعات اقتصاداتنا التى توقفت العام الماضى، ومما زاد الطين بلة بالنسبة للنساء، أن الأنظمة الصحية قطعت أو أخرت خدمات الصحة الجنسية والإنجابية لتبسيط علاج كوفيد -19، وتزامن الإغلاق وحظر التجول مع تصاعد العنف المنزلي.
تنبئ هذه المشاكل بانخفاض طويل الأمد فى قدرة المرأة على الانضمام إلى القوى العاملة، أو سداد القروض، أو بدء الأعمال التجارية. والأسوأ من ذلك، يمكن أن تصبح هذه التهديدات للاقتصادات الوطنية دائمة، ما لم يتحرك صانعو السياسة بسرعة، ويشمل ذلك البنوك المركزية، التى لديها عدد من الأدوات لمكافحة أسوأ آثار الوباء على النساء.
تكمن المشكلة بالطبع فى أن البنوك المركزية معروفة بكونها مؤسسات يهيمن عليها الذكور، وتاريخياً، لم تجعل تلك المؤسسات النوع الاجتماعى أولوية فى تصميم وتنفيذ السياسات التى تؤثر على المواقف النقدية، أو التنظيم المصرفى، أو تأمين الودائع، أو إصدار السندات. وسيتطلب تغيير هذا النمط أربع تحولات فى عملية صنع السياسات.
أولاً، نحتاج إلى حزم تحفيز تراعى النوع الاجتماعى، فقد استجابت الحكومات للأزمة بحزم مالية ونقدية تهدف إلى تثبيت الطلب الكلى، وشمل ذلك التخفيضات الضريبية، وضمانات القروض، وحماية الأجور، وخصم فواتير المرافق، وتعليق مساهمات الضمان الاجتماعى، والتحويلات النقدية المباشرة. وقامت البنوك المركزية، من جانبها، بتوسيع ميزانياتها إلى مستويات غير مسبوقة وبسرعة مذهلة، وطباعة النقود ليس فقط لشراء السندات الحكومية، ولكن أيضًا لشراء الأصول المالية للشركات، وفى العديد من البلدان، لا سيما الاقتصادات المتقدمة، كانت الاستجابة الشاملة هائلة، لأنه كان يجب أن تكون كذلك.
لكن البيانات التى تم جمعها من خلال برنامج تعقب الاستجابة الجنسانية العالمى لكوفيد-19 التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة تُظهر أن عددًا قليلاً فقط من البلدان هى التى صممت سياساتها لمراعاة الاحتياجات الخاصة للمرأة. وكانت النتيجة انتعاشًا أبطأ للجميع، بينما يستعد العالم لموجة أخرى من الإنفاق التحفيزى والاستثمار فى إعادة الإعمار، من الأهمية بمكان تصميم هذه التدخلات ليس فقط مع وضع النساء فى الاعتبار، ولكن مع وجود النساء فى الغرفة.
ثانيًا، تحتاج النساء إلى القروض، وللبنوك المركزية دور مهم تلعبه فى كيفية توجيه الائتمان إلى قطاعات محددة، وبناءً عليه، من المهم التأكد من أن التمويل يصل إلى القطاعات التى تعمل فيها غالبية النساء، مع خسارة المزيد من النساء أو هجرهن للوظائف – حتى فى الاقتصاد غير الرسمى – سيتعين على البنوك إعادة تقييم وربما إعادة تصنيف قطاعات محافظ قروضها التى تلبى احتياجات المقترضين.
هذه القطاعات – التى تشمل الضيافة، والأغذية، وتجارة التجزئة، والسياحة، والخدمات المنزلية، والملابس، وغيرها من الصناعات التى تشكل فيها النساء غالبية القوة العاملة – يُنظر إليها عمومًا على أنها «أخف من الضمان»، لكن قبل الوباء، كانت تنمو بسرعة فى الاقتصادات الناشئة والنامية، لاسيما بين البنوك المحلية. كان هذا النمو مدفوعًا بالالتزام بالمساواة بقدر ما كان مدفوعًا بالإمكانيات التجارية لمجموعة العملاء التى تم تجاهلها سابقًا، وإذا فشل الانتعاش للنساء، فسوف تتأثر ربحية البنوك.
ثالثًا، تحتاج الحكومات إلى مصادر تمويل جديدة، لأن الأرصدة المالية قد استهلكت بسبب الوباء. ونمت الديون العامة بشكل كبير وستحتاج إلى تجديدها فى السنوات القليلة المقبلة، مع تنافس الحكومات على التمويل فى أسواق السندات الدولية، وبحثًا عن ميزة فى تلك المنافسة، سيلجأ الكثيرون إلى السندات المخصصة لمعالجة قضايا التنمية البيئية والاجتماعية.
إن الطلب على هذه الأوراق المالية كبير ومتزايد، ووقع أكثر من 3 آلاف بيت استثمارى (بإجمالى 100 تريليون دولار تحت الإدارة) على مبادئ الاستثمار المسئول التى ترعاها الأمم المتحدة، ولكن فى حين أن العديد من الشركات الخاصة والمؤسسات المملوكة للدولة أصدرت «سندات جنسانية»، لم تقم أى دولة بهذا الأمر بعد، يجب أن يتغير ذلك، وعندما يحدث ذلك، يجب أن تكون البنوك المركزية جزءًا من العملية.
أخيرًا، نحن بحاجة إلى تنبؤ أفضل، وقد تكون نماذج البنوك المركزية والسياسات المشتقة منها متحيزة وغير كاملة، لأنها تستند إلى افتراضات تتجاهل حقائق كيفية استهلاك الأسر للادخار والاستثمار والاقتراض والعمل. على سبيل المثال، تعامل معظم النماذج مشاركة الإناث فى القوى العاملة كخيار ثنائى بين العمل والترفيه، وليس خيارًا ثلاثيًا يشمل أيضًا العمل غير المأجور مثل رعاية الأطفال.
وبالمثل، فإن توقعات النمو، وبالتالى الطلب على النقود وتحويل أسعار الفائدة – مبنية على أنظمة الحسابات القومية التى لا تقيس بشكل صحيح اقتصاد الرعاية، وهو قطاع سريع النمو ولكنه فى الغالب غير سوقى حيث تشكل النساء معظم القوة العاملة، وأدى الوباء، الذى أدى إلى زيادة الطلب على الرعاية، إلى تحويل هذا الضعف إلى فجوة كبيرة.
ويُحسب للبنوك المركزية أنها كانت سريعة فى إدراك التحديات التى يفرضها تغير المناخ؛ ويطالب البعض بالفعل بالحلول ويقودون جهود الإصلاح الأولية، ولكن على الرغم من أن الفوارق بين الجنسين تمثل تحديًا منهجيًا بنفس القدر، إلا أن البنوك المركزية لم تقيم شراكات مماثلة مع دعاة النوع الاجتماعي. وهناك حاجة ماسة لمثل هذه الشراكات لتوجيه تصميم وتنفيذ الإصلاحات العالمية والقطرية، وستكون الفوائد – لكل من النساء والرجال – هائلة.
بقلم: أنيتا بهاتيا
نائب المدير التنفيذى لهيئة الأمم المتحدة للمرأة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا