مقالات

المعركة المناخية تتحول إلى الأغنياء والفقراء وليس الدول

فى الوقت الذى يجادل فيه القادة السياسيون قبل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ فى نوفمبر، فإنَّ الانقسامات الرئيسية حول سياسات غازات الاحتباس الحرارى تدور بين الدول: الغنية مقابل الفقيرة، ومصدرى الوقود الأحفورى مقابل المستوردين، والدول الخضراء – الإسكندنافية، على سبيل المثال – مقابل الدول الأقل خضرة، مثل أستراليا.

لكن هذا قد لا يستمر لفترة أطول، إذ يتحول الكفاح من أجل حماية الكوكب بطرق قد تؤدى قريباً إلى تفاقم النزاعات داخل الدول لا سيما بين الطبقات الاجتماعية، أو بصراحة بين الأغنياء والبقية، ويشكل أعلى %1 من سكان العالم من حيث الدخل حوالى %15 من الانبعاثات، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، وهذا يمثل أكثر من ضعف نصيب الـ%50 الأدنى دخلاً.

يشير تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2020 الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، على النحو المنصوص عليه فى اتفاقية باريس لعام 2015، سيتطلب من أغنى %1 خفض بصماتهم الكربونية بحلول عام 2030 «بعامل 30 على الأقل»، وكل ما يفعله الأثرياء تقريباً ينطوى على انبعاثات أعلى، من العيش فى منازل أكبر إلى قيادة سيارات أكبر والسفر جواً فى كثير من الأحيان، خاصة على متن طائرات خاصة، بالإضافة إلى أكل اللحوم وامتلاك حمام سباحة، ناهيك عن بيت أو بيوت العطلة.

لطالما انتقد نشطاء البيئة عدم المساواة البيئية موجهين أصابع الاتهام إلى ما يسمونه «النخبة الملوثة»، ولكن، حتى الآن، ابتعدت الحكومات إلى حد كبير عن السياسات المسببة للانقسام الاجتماعى، وركزوا، بدلاً من ذلك، على تغيير مزيج الطاقة للجميع عن طريق تقليل استخدام الوقود الأحفورى وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وبشكل انتقائى، زادوا الأعباء التنظيمية على القطاع الصناعى.

تحمل المستهلكون بعض التكاليف، مثل الرسوم الخضراء على فواتير الكهرباء، وضرائب المطارات البيئية ورسوم التخلص من الأجهزة، كما تم حثهم على تقليل بصماتهم الكربونية من خلال دعم السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والعزل المنزلى، لكن هذه السياسات ليست كافية.

ومع إعلانهم عن أهداف انبعاثات أكثر صرامة قبل اجتماع الأمم المتحدة، سيتعين على الحكومات كبح الانبعاثات مباشرة، وتعتبر الضرائب الإضافية على أى شىء من وقود السيارات إلى الغاز المنزلى خياراً واضحاً، لكنهم بذلك سيؤذون الفقراء والأغنياء بنفس القدر، ولكى تكون مرتفعة بما يكفى لتغيير سلوك فاحشى الثراء، يجب أن تفرض هذه الضرائب تكاليف لا تطاق على الأقل ثراء.

لذا فإنَّ ضرائب الكربون التى تستهدف الأثرياء ستهيمن على جدول الأعمال السياسى، لكن هل تكفى السياسات الضريبية؟ بالنسبة للأثرياء، لن يكون المستوى الطبيعى للضريبة المرتبطة بالكربون رادعاً، بإمكانهم دائماً تحمل التكاليف الأعلى والرسوم على السيارات الكبيرة والرسوم الإضافية على فواتير الطاقة المنزلية، وقد تضطر الحكومات إلى تجاوز السياسات الضريبية إلى فرض قيود على الأنشطة مثل استخدام الطائرات الخاصة أو حمامات السباحة المحلية، ولكن فى معظم الديمقراطيات، قد يُنظر إلى تلك السياسات على أنها متطرفة، ولكن عادة يتسامح الناس مع قواعد مثل حظر خراطيم المياه.

علاوة على ذلك، إذا كان الإجراء مقصوراً على السياسات الضريبية، فهناك خطر إنشاء عالم تزداد فيه مزايا فاحشى الثراء، الذين يمكنهم الدفع دون عناء، فهل سيكون هذا مستداماً سياسياً فى الديمقراطيات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان؟ يجب على أى شخص يعتقد أنه لن يتغير شيء أن يفكر فى النهج المتطرف الذى تعهد جو بايدن باتباعه مع سياسة المناخ، كما أن رئيس الولايات المتحدة لا يخشى التعهد بزيادة الضرائب على الميسورين.

ما الذى يمكن أن يفعله الأغنياء للاستعداد؟ حسناً، من المنطقى خفض البصمة الكربونية طواعية قبل أن تصبح إلزامية، ولن يكون كافيا زيادة الاستثمار فى التنمية المستدامة أو إعطاء الأموال للقضايا الخضراء، على الرغم من أن مثل هذه الإجراءات تحدث فرقاً، ما نحتاجه حقاً هو تخفيضات فى الاستهلاك لا سيما النوع الفاره الذى ينتج الكثير من ثانى أكسيد الكربون والعناوين الإخبارية غير المرغوب فيها، وستكون هناك تكاليف لأولئك الذين يقدرون أسلوب الحياة الفاتن لكننا رأينا فى الوباء أن التغيير ممكن، ولا يتعلق الأمر بالإيثار بل بالمصلحة الذاتية المستنيرة.

بقلم: ستيفان واجستيل، محرر الثروة والأموال فى صحيفة «فاينانشيال تايمز».

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

النقل توقع مذكرة تفاهم مع مجموعة “الغانم” الكويتية لتطوير وتشغيل ميناء برنيس البحري

وقعت وزارة النقل، مذكرة تفاهم مع مجموعة الغانم الكويتية، بشأن...

منطقة إعلانية