مقالات

«البيتكوين» والفن المعاصر وجهان لعملة واحدة

يجادل محبو العملات المشفرة بأن قيمتها مستمدة من حقيقة أنها نادرة، وهناك بالفعل إمداد محدود منها.. لكن أى أصل ليست له قيمة جوهرية ، يمكن أن ينهار سعره دائما سواء كان نادرا أم لا .. بل وقد يصبح عديم القيمة

مثلها مثل الفن، تعد العملات المشفرة فى الأساس مجموعة تخيلية قابلة للجمع، ولن تكون أبدا عملة قابلة للحياة فى السوق القانونية طالما أنها شديدة التقلب، وطالما أنك بحاجة إلى تحويلها إلى دولارات أو يورو لإنفاقها.

عرف الكثير من الناس أن هذا سيحدث ومرت العملات المشفرة بواحد من أسوأ الأيام فى تاريخها القصير يوم الأربعاء، وهبط سعر بيتكوين بنسبة %31 قبل أن تعوض بعض الخسائر إلى تراجعا يبلغ حوالى %10 وانخفضت كل من إيثريوم ودوج كوين وبينانس كوين بحوالى %20.

وتعد العملات المشفرة سوق جديد نسبيا وليس لدينا الكثير من البيانات لفهم كل شيء، ولكن الفضوليين بشأن العملات المشفرة قد يجدون بعض الإرشادات فى ركن آخر من عالم استثمار النخبة وهو سوق الفن المعاصر. العملات المشفرة والفن المعاصر هما فى الواقع سلعتان متشابهتان للغاية.

لم يكن انهيار العملات المشفرة الأسبوع الماضى والانتعاش الذى تلاه مفاجئا للمشككين فى العملات المشفرة، فقيمتها لم تكن منطقية بالنسبة لنا، ولدى الذهب والأسهم والسندات والدولار (المدعوم بسلع وخدمات الاقتصاد الأمريكي) بعض القيمة الجوهرية، وتتعرض لتقلبات سعرية أيضا، ولكن فى النهاية يستقر سعرها حول شيء يشبه قيمة الشركة أو الحكومة التى يمثلونها.

ويجادل محبو العملات المشفرة بأن قيمتها مستمدة من حقيقة أنها نادرة، وهناك بالفعل إمداد محدود منها (على الرغم من أنها ليست نادرة، حيث إنه من السهل نسبيا تعدين عملة رقمية جديدة) لكن أى أصل ليس له قيمة جوهرية يمكن أن ينهار سعره دائما سواء كان نادرا أم لا بل وقد يصبح عديم القيمة.
وهذا يتشابه أيضا مع ديناميكيات سوق الفن المعاصر حيث تلعب الندرة والضجيج دورا مماثلا.

سوق الفن المعاصر هو مجال الأعمال الفنية الجديدة لفنانين مشهورين أو شبه مشهورين، ويتم بيع معظم الأعمال سريعا فى صالات العرض، ويبذل التجار فى صالات العرض جهودا كبيرة للتحكم فى الأسعار وإبقائها سرية وحتى التلاعب بها.

لا يُباع الفن المعاصر الجديد فى المزاد أبدا لأنه حينئذ ستعرف الأسعار وتوضع فى السوق المفتوحة، وإذا نجح عمل فى الوصول إلى مزاد (ربما كإعادة بيع) يشارك التجار أحيانا فى المزاد للتأثير على السعر (وغالبا ما يضعون الجامع الذى باع عملاً على الملأ فى القائمة السوداء)، وإذا سألت التجار عن سبب قيامهم بذلك، فغالبا ما سيخبرونك أنه لحماية الفنان، وهدفهم هو الحفاظ على ارتفاع القيمة ولكن بشكل مستقر، وهذا يعنى أن التجار سيتدخلون أحيانا لمنع الأسعار من الارتفاع بسرعة كبيرة.

ومن بعض النواحى، يثير ذلك الدهشة، فبعد كل شيء، يجنى التجار المزيد من المال عندما يرتفع الطلب على أعمال فنان، ولكن كما هو الحال فى سوق العملات المشفرة، فإن قيمة الفن المعاصر لا تستند إلى أسس اقتصادية (مثل الربحية أو رأس المال) لكن هناك بعض الميزات التى تجعل العمل الفنى ذا قيمة، مثل الحجم أو إذا كان يحتوى على الكثير من اللون الأحمر لكن فى الغالب، لا سيما مع الفنانين الناشئين ليس للفن قيمة جوهرية موضوعية وهذا يعنى أن أسعارها هشة للغاية، وإذا ارتفعت الأسعار ثم انخفضت بعد ذلك، فقد يشك هواة الجمع فى أن الفنان قد تم المبالغة فى تقديره، وفى هذه الحالة، قد ينهار سوق عمله وقد لا يبيع الفنان أبدا مرة أخرى، وكل ما يتطلبه الأمر لتدمير الحياة المهنية لفنان هو أن يأتى جامع واحد متقلب ويعظم مكانته ثم يتخلى عنه.

ويبدو الأمر بأكمله غريبا بالنسبة لى إذ يتلاعب التجار بالأسعار فى السوق التى لديهم فيها مصلحة مالية ويبدو أنه لا فائدة من ذلك، ولكن ما إذا كانت المشكلة فى الواقع تنبع من سؤال واحد لا يمكن الإجابة عليه: هل أسعار الفن ليس لها أى معنى لأنه يتم التلاعب بها من قبل التجار، أم يجب على التجار التلاعب بالأسعار لأن الفن المعاصر ليس له قيمة أصيلة؟ قلة من الناس خارج عالم الفن يهتمون بالإجابة لأن هناك مشاكل أكبر فى العالم من دفع الأثرياء الكثير مقابل فن سيئ لتاجر مشبوه.

ما يحدث فى العملات المشفرة يبرر بطريقة ما نظام التجار، فمثلها مثل الفن، تعد العملات المشفرة فى الأساس مجموعة تخيلية قابلة للجمع، ولن تكون أبدا عملة قابلة للحياة فى السوق القانونية طالما أنها شديدة التقلب، وطالما أنك بحاجة إلى تحويلها إلى دولارات أو يورو لإنفاقها، ويعرضك الاحتفاظ بالعملات المشفرة للكثير من المخاطر، وتعود استساغة العملات المشفرة فى الغالب إلى المضاربة والإثارة فى جمع شيء نادر.

إنهكما أنها عرضة للمستثمرين المؤثرين ولكن المتقلبين، كما رأينا عندما قام الملياردير شركة «تسلا إنك»، إيلون ماسك، الشهر الجارى بانتقاد بتكوين بسبب تأثيرها البيئى ما أدى إلى انخفاض سعرها، وبالفعل عزز كبار المستثمرين فى بتكوين قيمتها أثناء انهيارها يوم الأربعاء وساعدوا فى تحفيز الانتعاش واشترى البعض مع انخفاض الأسعار.

هناك الكثير من أوجه التشابه بين سوق الفن والعملات المشفرة، ويبدو أنه لا مفر من دمجهما – وقد حدث ذلك بالفعل فى ربيع العام الجارى عندما أنفق هواة الجمع ملايين الدولارات على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) ، والتى تستخدم تقنية بلوكتشين لبيع الفن الرقمى.

لا أحد يعرف ما إذا كانت العملات المشفرة ستظل قائمة بعد 10 سنوات، وقد يتعب المضاربون من أصل محفوف بالمخاطر ويصعب التنبؤ به، ويعتقد مستثمرو العملات المشفرة أنها أصبحت بالفعل فئة أصول ناضجة وأن التقلبات الحالية ليست سوى تقلبات عابرة، ولكن إذا تعلمنا شيئا من عالم الفن فهو أن الطريقة الوحيدة لاستقرار أسعار العملات المشفرة (لكى لا تكون عرضة للانهيار التام) هى إذا مارست البورصات نوعا من التلاعب، كما يفعل تجار الفن.

وبالطبع، ستجد البورصات نفيها فى مواجهة المنظمين إذا جربت مثل هذا الأمر، وعلى عكس سوق الفن النادر، هناك مستثمرون صغار يضعون الأموال فى العملات المشفرة، ولا تزال اللوائح المتعلقة بالعملات المشفرة فى مهدها، ولكن من الصعب تخيل أن تتسامح لجنة الأوراق المالية والبورصات مع الجهات الفاعلة ذات المكاسب المالية التى تتلاعب بأسعار الأوراق المالية المتداولة علنا، لذلك فإن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن العملات المشفرة ستكون دائما فئة أصول متقلبة.

هذا يعنى أن المستثمرين يجب أن يفكروا فى أصولهم المشفرة بنفس الطريقة التى يفكر بها هواة الجمع عند استحواذهم على قطعة فنية: من الممتع امتلاكها والتحدث عنها مع هواة آخرين، لكنك لن تعرف أبدا ما إذا كانت تستحق أى شيء حقا.

بقلم: أليسون سكراجر

مؤلفة وكاتبة مقالات رأى لدى «بلومبرج»، وزميل فى معهد مانهاتن.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

“بولد رووتس” للتسويق العقاري تدشن أول مكتب إقليمي لها في دبي

عقدت شركة "بولد رووتس" للتسويق العقاري أولى فعالياتها في ختام...

منطقة إعلانية