كتب – عبدالرحمن رشوان
في مثل هذا الوقت من العام تقريبا كانت آخر زيارة لرئيس مصري إلى العراق، حينما توجه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى بغداد في 24 يوليو 1990 ليستقبله وقتها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كانت زيارة مبارك تستهدف إقناع صدام بالعدول عن غزو الكويت، لكنه لم ينجح في خطته وحدث ما حدث.
اليوم وبعد أكثر من 30 عاما يتجه الرئيس عبدالفتاح السيسي لبغداد، لكن ما أبعد اليوم عن البارحة، أحداث كثيرة ومصيرية مرت بالدولتين والمنطقة خلال العقود الثلاثة.
فمصر التي واجهت الجيش العراقي لتحرير الكويت ضمن تحالف دولي في مطلع تسعينات القرن الماضي مضت في طريق صعب للتنمية الاقتصادية على مدار 20 عاما انتهت بشكل درامي بعزل مبارك، ثم الدخول في مرحلة انتقالية انتهت بتولي السيسي رئاسة الجمهورية، الذي وضع خطة لإعادة بناء البلاد داخليا وأعاد رسم وضعها الإقليمي من جديد، لتتجاوز القاهرة بشكل كبير أوضاع عدم الاستقرار التي عانت منها في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة.
العراق انسحب من الكويت، ودخل في دائرة العقوبات الأمريكية التي انتهت بانهيار جيشها وبغزوها في 2003 وصولا للتنظيمات الإرهابية وما تبعهما من نهب وإهدار ثروات البلد الغني تحت وطأة الأزمات السياسية والاقتصادية، إلا أنه اليوم يسعى لإعادة البناء والاستفادة من التجربة المصرية التي بدأت تؤتي ثمارها سواء على مستويات البناء الداخلي أو الخارجي.
الشام الجديد
قمة اليوم بين الرئيس السيسي ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، وعاهل المملكة الأردنية الملك عبد الله الثاني تعد امتدادا لما سمي بمشروع الشام الجديد، والذي يضم مصر والأردن والعراق.
ويتضمن المشروع ترابطا اقتصاديا وسياسيا بين الدول الثلاث، إذ تدور الأفكار حول تصدير العراق النفط بأسعار تفضيلية إلى الأردن عبر خط النفط العراقي الأردني المقترح، وإلى مصر عبر ميناء العقبة الأردني، مقابل تزويد العراق بالطاقة الكهربائية التي يحتاجها، في وقت تتميز فيه مصر بقدرة لإنتاج الكهرباء تعادل مثلي ما تحتاجه، وتحتاج الأردن للكهرباء المصرية وتعتمد العراق بشكل أساسي على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء.
تتميز مصر أيضا بتعداد سكان ضخم ينعكس على مهارات شعبها في كافة المجالات تقريبا، فيما يعمل مشروع الشام الجديد على جذب الاستثمارات إلى العراق وإثقال شعبه بالخبرات المختلفة.
ويمكن للقطاع الخاص العراقي على سبيل المثال أن يستفيد من الخبرات الكبيرة الموجودة في مصر والأردن أيضا في الصناعة والتجارة، في الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة العراقية على الصادرات النفطية بنسبة تصل لـ98%.
وتتبنى مصر مشاريعا ضخمة لتكرير الخام والاكتفاء ذاتيا من البنزين خلال عامين ومن ثم تصديره لدول الجوار لكن نفطها الخام لا يكفي، في وقت يستطيع العراق تأمين النفط الخام بشكل مستمر.
يتضمن المشروع أيضا تشغيل طريق بري بين بغداد والقاهرة، والتعاون في مشروعات الربط الكهربائي ودعم جهود إعادة الإعمار في العراق من خلال مشاريع البنية التحتية.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته إن القمة تأتي استكمالاً لما تحقق خلال قمتي القاهرة وعمّان، مؤكدا أنه يحب تجسيد التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث ووضعه موضع التنفيذ على أرض الواقع من خلال الشروع في تنفيذ حزمة من المشروعات الاستراتيجية.
والتقى الملك الأردني عبد الله الثاني مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في العاصمة عمّان في أغسطس الماضي لبحث التعاون.
من جانبه أعرب الرئيس العراقي برهم صالح اليوم عن تطلع بلاده للاستفادة من التجربة المصرية الناجحة في تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية الشاملة.
وأكد رئيس الوزراء الكاظمي خلال القمة وجود فرصة كبيرة لبناء المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدول الثلاث، والتي يمكن أن تؤمن شراكات استراتيجية طويلة الأمد، وتبادلا تجاريا واسع الأفق، ويعزز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات.
نواة لتكتل أوسع
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن مشروع الشام الجديد سيكون نواة لتكتل أوسع، قد يضم قريبا دول عربية أخرى، بهدف ترجيح دول الاعتدال بالمنطقة، في ظل تصاعد وتيرة العنف والتطرف بالشرق الأوسط.
وقد يمتد الأمر وفقا للتقديرات إلى انضمام السعودية وربما الإمارات، ما سيزيد من ثقل التكتل الحالي.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا