مقالات

محمد العريان يكتب: الصين تتحدى العالم الغربى للتحرك على جبهة العملات المشفرة

ما سيحدث تالياً على جبهة العملات المشفرة ستكون له آثار عميقة على الخدمات المالية والسياسة النقدية ونتائج الاستثمار ومنصات الدفع وهيكل العملات الاحتياطية العالمية، والتحكم فى البيانات الضخمة واستخدامها.

رغم عدم استقرارها، أصبحت العملات المشفرة تدريجياً جزءاً أكبر من محافظ المستثمرين من خلال استخدامها لغرضين كأصول مخففة للمخاطر وكرهانات انتهازية على الأصول غير المرتبطة بتحركات السوق الأوسع.

بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعتى «أليانز»، و«غرامسرى»، رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.

حان الوقت أن يتوقف مزيد من الحكومات الغربية عن رفض ثورة العملات المشفرة باعتبارها مزيجاً من مخططات المدفوعات غير المشروعة والمضاربة المالية المتهورة.

بدلاً من ذلك، يجب أن تكون الحكومات أكثر انفتاحاً على تبنى ابتكارات التشفير وتوجيهها فى اتجاه أفضل للتمويل والاقتصاد والمجتمع ككل.

ومن جانبهم، يحتاج مؤيدو العملات المشفرة إلى التعرف على العواقب النظامية المتزايدة للاضطرابات المستمرة والمستقبلية، وتعميق مشاركتهم فى القضايا التنظيمية والطاقة، كما أنهم بحاجة إلى الابتعاد عن عقلية «المحصل الصفرى»؛ حيث لا يمكن أن تأتى مكاسبهم إلا من خسائر النظام المالى الراسخ.

وبشكل عام، لا يزال الجدل السياسى فى الاقتصادات الغربية حول العملات المشفرة ضيقاً للغاية بالنسبة إلى أهمية القضايا الجارية والاستقطاب المفرط؛ حيث يتحدث المشاركون لغات مختلفة، وهو ما أدى إلى تكثيف الصراع الكامن بين تبنى القطاع الخاص المتسارع، وعدم ارتياح الحكومات والبنوك المركزية، ونظراً إلى الزيادة المطردة فى السابق، بدأنا فى رؤية تباين ردود أفعال العالم الغربى حول الاستفادة من انخفاض تكلفة العملات المشفرة ومحاولة توجيه تلك الثورة نحو تحسين الخدمات المالية، ما جعل الأمور أكثر تعقيداً.

فى المقابل، تمضى الصين قدماً فى رؤية أكثر قوة وموحدة من أعلى إلى أسفل، ما يمهد الطريق لآليات التحول التى لديها القدرة على التوسع إلى ما هو أبعد من الدولة نفسها.

ما سيحدث بعد ذلك ستكون له آثار عميقة على الخدمات المالية والسياسة النقدية ونتائج الاستثمار ومنصات الدفع وهيكل العملات الاحتياطية العالمية، كما سيؤثر على التحكم فى البيانات الضخمة واستخدامها، فضلاً عن المنافسة التكنولوجية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة.

وتُظهر ثلاثة تطورات على الأرض كيف تتشكل الأمور:

أولاً.. أصبحت التكنولوجيات التى تقود ثورة العملات المشفرة مثل دفاتر الأستاذ الموزعة رقمياً للمعاملات والمعروفة باسم بلوكتشين، مصدراً أكبر للإزعاج للصناعة المالية التى ظلت لفترة طويلة غير ذات كفاءة نسبياً ومصدراً للأرباح المفرطة، ولم يعد الجمع بين الخنادق التنظيمية التى ردعت الداخلين الجدد إلى القطاع والتردد التقليدى للعملاء قوياً بما يكفى لتثبيط موجة المنافسة المدفوعة بالتكنولوجيا.

ثانياً: رغم عدم استقرارها، أصبحت العملات المشفرة تدريجياً جزءاً أكبر من محافظ المستثمرين من خلال استخدامها لغرضين كأصول مخففة للمخاطر والتى تعد بديلاً للذهب وبعض السندات الحكومية، وكرهانات انتهازية على الأصول غير المرتبطة بتحركات السوق الأوسع.

ثالثاً: تعد العملات المشفرة أيضاً أكثر انتشاراً إلى حد ما فى نظام المدفوعات، وهو أمر مقلق فيما يتعلق بالمدفوعات غير المشروعة (ولننظر إلى العدد المتزايد لهجمات برامج الفدية) ولكنه أكثر إيجابية بالنسبة لعمليات تحويل الأموال، إذ يظل العديد من القنوات التقليدية بطيئاً ومكلفاً، لكن التطور الأوسع نحو العملات العالمية لا يزال يقوضه تقلب الأسعار، وانعدام الثقة الواسعة والمخاوف التنظيمية.

ويتمثل السؤال الآن فيما إذا ما كان مشغلو العملات المشفرة والمشرعون فى الغرب سينجحون فى تقريب وجهات النظر إلى نهج موحد أكثر؟

ويقع العبء هنا بشكل أساسى على العالم المشفر الذى يخاطر بتكرار الخطأ الذى ارتكبته شركات التكنولوجيا الكبيرة وهو السعى وراء أهداف تجارية ضيقة دون إدراك أن رغبتها فى النجاح ستجعلها ذات أهمية نظامية. ولن تقطع شوطاً طويلاً مع الحكومات والبنوك المركزية دون إدراج ضمانات أقوى لمكافحة غسل الأموال، كما يتعين عليها الاستجابة للقلق بشأن التآكل المحتمل لأدوات السياسة النقدية.

وازدادت الحاجة إلى أن تكون الحكومات والبنوك المركزية منفتحة؛ بسبب ما تفعله الصين، لقد فهم المسئولون فى بكين القوة التحويلية لثورة العملات المشفرة، ويرغبون فى امتلاكها بطريقة شاملة وموجهة للغاية.

من خلال القيام بذلك، فإنها تواجه الغرب بتحدٍ يتجاوز كون الصين أسرع فى تطوير أنظمة مدفوعات أفضل وعملة رقمية للبنك المركزى – وكلها من المرجح أن تقفز الحدود، كما يمكن أن يشكل ذلك مشكلة جديدة لوضع الدولار كعملة احتياطية، فضلاً عن تزويد الصين بمزيد من التحكم فى البيانات الضخمة الحساسة، وسد ما تبقى من الفجوة التكنولوجية.

وبالتالى، فى غياب نهج أكثر تعاوناً، قد يجد كلا جانبى عالم التشفير فى الغرب، أن مستقبلهما يتحدد من خلال ما تفعله أو تعتزم الصين سريعة الحركة القيام به.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

شركة تنتج أسلاك للسيارات تستهدف صادرات بـ200 مليون دولار في 2027

تستهدف شركة كوفي كاب للكابلات أن تصل بحجم صادراتها من...

منطقة إعلانية