عقارات ملفات

المراكز المالية العالمية فى مهمة كونية

اقتصاد

يواجه الاستثمار المؤثر تحدياً عالمياً أثناء تطوره لمعالجة أكثر مشاكل العالم إلحاحاً، والتى تتمثل فى كيفية تحويل مليارات الدولارات إلى تريليونات مطلوبة للتخفيف من المشكلات الاجتماعية أو البيئية.
واعتمد قادة العالم 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة فى عام ،2015 والتى حددت أهدافاً طموحة لجميع البلدان الغنية والفقيرة بشأن القضايا العالمية بما فى ذلك الحد من الفقر والعمل المناخى والطاقة النظيفة منخفضة التكلفة.
ويمكن للمراكز المالية الدولية، التى تتعامل بالفعل مع حوالى 1.4 تريليون دولار من التدفقات الاستثمارية خدمة أجندة التنمية المستدامة، نظراً لأنها بالفعل قنوات متخصصة للاستثمارات العالمية عبر الحدود، بما فى ذلك الأسواق الناشئة وهناك فرصة كبيرة لمؤسسات التمويل الدولية لتوسيع دورها فى خدمة قضايا اجتماعية أو بيئية على المستوى الوطنى بدعم الاقتصاد المحلى وعلى مستوى الكون بدعم الاقتصاد العالمى فى أكثر القطاعات احتياجاً للتمويل.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بناءاً على تدفقات الأموال الحالية من الشمال العالمى إلى الجنوب هناك فجوة تمويل سنوية تقدر بـ2.5 تريليون دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة فى البلدان النامية، مع الأخذ فى الاعتبار جميع الأسواق العالمية، وقد تصل التكلفة إلى 90 تريليون دولار بحلول عام 2030.
ومن غير المرجح أن تسد الجهات المانحة وصناديق استثمار الأموال الخيرية هذا النقص، وهذا هو السبب فى التركيز المتزايد على دور رأس المال الخاص فى تمويل أهداف التنمية المستدامة من خلال الاستثمارات المؤثرة حيث يتوقع أن يأتى حوالى %80 من الأموال اللازمة من مستثمرى القطاع الخاص.

نقص التمويل يعرقل تفعيل خطط التنمية المستدامة على أرض الواقع

%86 من جيل الألفية يؤمنون بالاستثمار صديق البيئة
155 مليار دولار حجم سوق السندات الخضراء العالمى

تتصدر لندن قائمة الأمثلة الجيدة كرائد عالمى فى مجال التمويل الأخضر، حيث تمول مشروعات صديقة للبيئة مثل الطاقة النظيفة، ويوجد 78 سنداً أخضر مدرج الآن فى بورصة لندن بأكثر من 24 مليار دولار من سوق عالمى يبلغ إجمالى قيمته 155 مليار دولار.
وأدت الحاجة إلى الاستثمار المستدام لإعلان وزير الاقتصاد البريطانى جون جلين فى قمة التمويل الأخضر الثانية فى لندن خلال يوليو الماضى أنه يتوقع خلال 12 عاماً مقبلة وما بعدها انفجاراً فى الزخم لدرجة أن التمويل الأخضر يصبح ببساطة هو قلب القطاع المالى، وبحسب تقرير مجلة «كونتير» البريطانية فالزخم موجود بالفعل فحوالى %86 من جيل الألفية مهتمون بمثل هذا الاستثمار وفقاً لمسح أجرته مؤسسة «مورجان ستانلى»، بالإضافة إلى ذلك، تعنى لوائح يونيو 2018 الصادرة عن الحكومة البريطانية أن صناديق المعاشات التقاعدية سيكونون مطالبين بإعداد سياسة تتضمن تقييماً لاستدامة قراراتهم الاستثمارية.
ويعمل صندوق الثروة السيادية فى النرويج وصناديق المعاشات التقاعدية الهولندية والدنماركية على نحو متزايد على مواءمة سياساتها الاستثمارية مع سياسات أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
وبالمثل يمكن للمراكز المالية الدولية استغلال هذا الزخم ودعم أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة وفى هذا الصدد تعمل مؤسسة «انفوست» الاستشارية على الربط بين التمويل المبتكر والأثر المجتمعى وهى مؤسسة متخصصة فى تقديم المشورة حول كيفية معالجة رأس المال للتحديات الأكثر إلحاحاً فى العالم، مثل تغير المناخ والأمن الغذائى والاندماج المالى.


وقال العضو المنتدب جوستين سايكس للمؤسسة إن تأثير الاستثمار يتحدى الرأى القائل بأن القضايا الاجتماعية والبيئية يجب أن تعالج فقط من خلال التبرعات الخيرية وأن استثمارات السوق يجب أن تركز حصرياً على تحقيق عوائد مالية.
ومثال على ذلك صندوق «جرين لايت بلانت» الذى تم تأسيسه فى عام 2008 لتصميم وتصنيع وبيع أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية بأسعار معقولة للمساعدة فى التخفيف من فقر الطاقة لدى ما يقدر عددهم بمليارى شخص يعانون من ندرة الكهرباء الأساسية والموثوق بها فى الأسواق النامية.
وحتى الآن، ساعد هذا العمل أكثر من 6 ملايين أسرة خارج الشبكة الحكومية للكهرباء فى 65 دولة، مما أدى إلى إنتاجية إضافية للشركات الصغيرة وزادت من ساعات الدراسة لطلاب يحتاجون الإضاءة لمذاكرة دروسهم.
ويؤكد سايكس على أهمية دور المراكز المالية الدولية فى تعميم التأثير والاستثمار الأخضر باعتبار أن لديهم دور أساسى يلعبونه فى تحويل مليارات الدولارات الحالية من الاستثمارات لسد فجوة تقدر بتريليونات الدولارات مطلوبة خلال العقود المقبلة.
وأضاف أنه يمكن للمؤسسات المالية الدولية تسهيل عمل هذه الهياكل بطريقة شفافة وفعالة وبعدد كبير ويضيف أن الفجوة بين ما يتم استثماره حالياً وما هو مطلوب لا يمكن سدها إلا من خلال رأس المال الخاص وهذا يتطلب أدوات استثمار محددة خاصة وأنها تتميز بالفعالية وخضوعها للمساءلة وجميعها فى وضع جيد على المستوى العالمى للقيام بذلك.
ويقدر المبلغ المطلوب لتمويل هذه الأهداف بتريليونات الدولارات، فعلى الرغم من أن أموال الجهات المانحة والصناعية تستأثر حالياً بمليارات الدولارات كدعم إلا أن تكلفة حل أكثر المشكلات العالمية خطورة أمر بالغ الأهمية، ويتميز تمويل المراكز المالية بتوافر المهارات التى تساعد على الوصول إلى خدمات قانونية ومحاسبية وتقيمية عالية الجودة ومسجلة ومع إمكانية تدقيق حسابات الشركات من أجل تنظيم الأموال وتسليمها وإدارتها، وعلى سبيل المثال، أطلقت مؤسسة «جيرنسى» أول صندوق أخضر منظم فى العالم يخدم أهداف التمويل الأخضر.
ويقول آندى سلون مدير الإستراتيجية فى «جيرنسى فاينانس»، إن سمعة شركته فى هذا القطاع واتساع نطاق تمويلهم يقدم لهم مكانة مثالية وذلك بفضل التزامها بقواعد صارمة يجب معها أن تستوفى %75 من قيمة أصول الصندوق المعايير الخضراء المعترف بها دولياً والتى وضعتها مجموعة تمويل مشتركة من بنوك التنمية متعددة الأطراف.
وتشمل هذه القواعد مجالات الاستثمار المسموح بها وهى الطاقة المتجددة، وتوليد الطاقة بكفاءة وكفاءة الطاقة والزراعة وأنظمة مياه الصرف الصحى ومعالجة مياه الصرف والنقل.
وتتوافق مبادرة الصندوق الأخضر فى «جيرنسى» مع الاتجاهات الدولية والمبادئ المشتركة لخدمة تمويل الحد من آثار تغير المناخ التى وافقت عليها أكبر مؤسسات تمويل التنمية فى العالم والتى تتداخل مع أهداف التنمية المستدامة للامم المتحدة.
كما أنه يحل مشكلات التحقق وإصدار الشهادات والتى اعتبرها الكثيرون عائقاً رئيسياً أمام نمو سوق التمويل الأخضر.
وقال سلون: إنه كان هناك استجابة جيدة للغاية لمنتجات التمويل التى تم إطلاقها كاستجابة للطلب على القطاع ولديهم مجموعة من الصناديق الجديدة المحتملة التى تتطلع إلى الحصول على وضع صندوق «جيرنسى الأخضر”، كما بدأت مؤسسات التمويل الدولية الأخرى فى وضع نفسها فى هذه السوق الخضراء، ومن المتوقع أن يواصل تخصص الصندوق الإضافى القضايا الاجتماعية أو البيئية.

شركات الخدمات المالية نادٍ للمواهب

جذب الكفاءات الوظيفية فى المناصب القيادية يتحول لمعركة شرسة
غياب التدريب والاستثمار فى شباب المبدعين يعرض المؤسسات لخطر الركود

يمكن أن يؤدى العمل فى المراكز المالية المتقدمة إلى ظهور تحديات كبيرة فى إدارة المواهب لشركات الخدمات المالية والقطاعات الداعمة المرتبطة بها ولسنوات عديدة كان الحل هو جذب الأشخاص من داخل الدولة نفسها أو من أجزاء أخرى من العالم عبر إغرائهم بميزات كثرة أهمها الحصول على مكانة مرموقة فى العمل.
وقال تيم موزيو، كبير المستشارين فى ممارسة الخدمات المالية بـ«اودجر انتيريم»، إن انتقال الموظفين خياراً ليس سهلاً، لأن المنافسة على هذه المواهب شرسة خاصة على مستوى كبار الموظفين.
أضاف أن المكانة الوظيفية تعتبر الدافع الرئيسى للتنقل وتحتاج الشركات إلى النظر فى نقاط الجذب الفريدة الخاصة بها عندما يتعلق الأمر بالحصول على كفاءات فردية وقد يكون عامل الجذب هو مستوى المسئولية الوظيفية فى الموقع الجديد أو الفرصة للدخول فى دور أكبر، وتوجد اختلافات كبيرة حول قواعد التوظيف التى تحتاج إدارات الموارد البشرية للوصول إليها بحسب ريك هاميل، الرئيس التنفيذى لشركة «إليمنتس جلوبال سيرفيسز».
وقال هاميل، إنه قد يفترض المرء أن المراكز المالية الدولية مثل سويسرا ولوكسمبورج متشابهة للغاية فى أساليبها لإدارة المواهب، ولكن توجد بضعة اختلافات كبيرة فعلى سبيل المثال، تفرض لوكسمبورج أسبوع عمل لمدة 40 ساعة كحد أقصى، بينما يمكن للموظفين فى سويسرا العمل لمدة تصل إلى 50 ساعة.
وقد يكون للخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى تأثير على حركة المواهب فى القارة العجوز لأن الوضع الحالى يعنى أن المواطن البريطانى قادر على العيش والعمل فى أى بلد آخر من بلدان المنطقة الاقتصادية الأوروبية دون الحاجة إلى تصريح عمل، لكن هذا الموقف قد يتغير بعد الخروج، كما أن استقدام بريطانيا للمواهب سيكون أمراً صعباً.
وخارج الوظيفة نفسها، يوجد عدد من العوامل الأخرى المؤثرة على إدارة المواهب التى يجب مراعاتها، وتقول جوان دانيل، المدير العالمى لخدمات دعم الثقافات واللغات والشركاء فى «كراون وورلد موبيليتى»، إن جزر مثل «جيرسى» و«جيرنزى» ليست دائماً أماكن مثالية للعائلات نظراً لصعوبات الوصول إليها والانتقال الى أماكن أخرى، فى حين أن جزر «كايمان» تعانى من ارتفاع تكلفة المعيشة وعدم وجود نظام للرعاية الصحية الاجتماعية رغم البيئة الضريبية الجذابة.
وتشير دانيل إلى أنه من منظور إدارة المواهب، يصبح من المهم للغاية توفير التدريب لسد الفجوة بين الثقافات لمساعدة الموظفين والعائلات على الاندماج، وفى تجربة مختلفة، نقلت شركة لوكسوف للتكنولوجيا مقرها الرئيسى إلى سويسرا منذ 5 سنوات، ومنذ ذلك الحين جذبت موظفين من 15 دولة مختلفة خاصة فى الاتحاد الأوروبى حيث يعملون ويعيشون مع أسرهم بمقرها فى «زوج».
ويقول ديمترى كوشنير، رئيس «جلوبال ديليفرى لوكيشنز»، إنه يمكن للموظفين الذين تم نقلهم استئجار أو شراء العقارات فى سويسرا بسهولة فالقيد الوحيد للشراء هو الحاجة للحصول على إذن لشراء منزل أو شقة، كما أن الأسعار المرتفعة للتأجير أو الشراء تشكل أيضاً تحدياً فى بعض الأحيان، ولكن عادة ما ينعكس ذلك فى ارتفاع الأجور لتعويض هذا الأمر.
وفى بعض المواقع، مثل سويسرا ولوكسمبورج، قد يكون اختيار موظفين مقيمين فى فرنسا أو ألمانيا القريبة خياراً، وتقول ميشيل رايلى الرئيسة التنفيذية لـ”كاتس إنترناشيونال”، إن هناك أعداداً كبيرة من الموظفين الذين يسافرون للعمل من فرنسا وألمانيا، حيث أن العيش فيها أرخص.
وتوجد خيارات أخرى لإدارة المواهب للشركات تتجاوز نقل الموظفين حيث أن الشراكة مع الجامعات أو الكليات المحلية لتوظيف الخريجين وتدريبهم يمكن أن تساعد فى تطوير الموظفين على مستوى المبتدئين، ويمكن تكملة ذلك من خلال جذب المتقاعدين الجدد للمساعدة فى نقل المعرفة إلى العمال الشباب.
وتعتبر هذه الطريقة فعالة من حيث تكلفة لنقل المهارات والمعرفة إلى القوى العاملة الشابة، وهذا يعنى أيضاً أن العائدين لسوق العمل لديهم الفرصة لإعادة التواصل مع صاحب العمل القديم.
حتى أن بعض شركات التكنولوجيا تتطلع إلى تطوير خريجى الكليات والمتدربين بحسب بن كيمبتون، المدير الإدارى الاستشارى بشركة «ترينتو اكسيك»، فهذا ما يمكن لشركات الخدمات المالية النموذجية أن تسعى إلى تكراره محذراً من أن المنظمات من مختلف القطاعات التى تقرر عدم الاستجابة أو الاستثمار فى متطلبات المواهب تواجه خطر الركود فى المستقبل بسبب توظيف قوة عاملة غير متطورة.
ويقول ديفيد كارترايت، مؤسس أكاديمية «أو بى دى»، إن الاستفادة من المواهب المتوفرة لدى الشركات خيار آخر من خلال الاستثمار فى التدريب والتطوير مشيراً إلى أهمية عدم التركيز فقط على توظيف أشخاص جدد فى وقت تحتاج فيه قاعدة العمل الحالية إلى التطور.

قانون الأصول الاقتصادية الأوروبى يتعقب الأنشطة المشبوهة

وضع الاتحاد الأوروبى معايير الأصول الاقتصادية بهدف تنظيم التعامل مع التحركات المالية التى يمكن أن تكون باباً مفتوحاً لممارسات ملاذات التهرب الضريبى عبر المراكز المالية الدولية، وتجنباً للانضمام إلى القائمة الأوروبية السوداء أدخلت غالبية المراكز مؤخراً تشريعات تنص على متطلبات هذه المعايير لبعض الكيانات الخاضعة لولاياتها القانونية.
وفى يونيو 2018، أصدر الاتحاد الأوروبى ورقة تحديد النطاق التى تحدد متطلبات الأصول الاقتصادية التى كان يتعين على مؤسسات التمويل الدولية المستهدفة اعتمادها قبل عام 2019 فيما يتعلق بالكيانات ذات الصلة الموجودة ضمن ولاياتها القانونية، ومن المتوقع الآن أن تصبح هذه المتطلبات معياراً عالمياً لمنظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، حيث تمت المصادقة عليها مؤخرًا من قبل المنتدى المعنى بالممارسات الضريبية الضارة.
وبعد عدة أشهر من النقاش والتفاوض مع الاتحاد الأوروبى، سنت جميع الولايات القضائية الرئيسية فى مؤسسة التمويل الدولية بما فى ذلك «برمودا» وجزر «كايمان» وجزر «فيرجن البريطانية» و”جيرسى» و”جيرنزى» وجزيرة «مان»، تشريعات مماثلة على نطاق واسع بشأن الأصول الاقتصادية للوفاء بقواعد الاتحاد الأوروبى بحلول الموعد النهائى فى 31 ديسمبر من العام الماضى.
ووفقاً للتشريع الذى تم إقراره يلزم الآن مستوى كاف من إثبات الأصول الاقتصادية للكيانات التى تمارس الأنشطة ذات الصلة مثل الخدمات المصرفية والتأمين وإدارة الأموال والتمويل والتأجير التمويلى وإنشاء مقر للشركة وإجراءت الشحن وإثبات الملكية الفكرية ومراكز التوزيع والخدمات والمؤسسات التى تحمل صفة القابضة، وبشكل عام، يعنى وجود مستوى مناسب من الأصول الاقتصادية أن الأنشطة موجهة فعلياً وتدار فى نطاق الولاية القضائية وأن الأنشطة الأساسية المدرة للدخل يتم تنفيذها فى هذا النطاقة وليس مقر مسجل على الورق.
ومع الأخذ فى الاعتبار ميزات كل صناعة أو قطاع معين، تتضمن المتطلبات مستوى مناسب من وجود الأشخاص المؤهلين ونفقات التشغيل والمبانى فى نطاق الولاية القضائية، ومما لا شك فيه أن إدخال متطلبات الأصول الاقتصادية يمثل تغييراً هاماً فى مؤسسات التمويل الدولية وسيكون لبعض الكيانات خيار الاختيار بين تغيير نموذج أعمالها أو الانتقال إلى نطاق ولاية قضائية أخرى مناسب.
ومن المرجح أن يظل مدى التأثير على الولايات القضائية الفردية غير واضح لعدة أشهر قادمة، لكن بالنسبة لمؤسسات التمويل الدولية فلديها تاريخ طويل فى التكيف مع التغيير استناداً إلى الدور الهام الذى تلعبه فى الاقتصاد العالمى، والذى يتجاوز سوء استغلال المزايا الضريبية التى يركز عليها الاتحاد الأوروبى.
وتوفر مؤسسات التمويل الدولية منصات فعالة ومفيدة لتسهيل الأنشطة العابرة للحدود وتمكين استثمارات كبيرة من التدفق فى جميع أنحاء العالم، ودعم النمو الاقتصادى والوظائف وإيرادات الضرائب فى الولايات القضائية المحلية، وعندما ترغب الأطراف من مختلف البلدان التى لديها قوانين وأنظمة تنظيمية وضريبية مختلفة فى القيام بأعمال تجارية مع بعضها البعض، فإن توفير مكان آمن ومحايد لإجراء مشروع مشترك يوفر العديد من الفوائد.
وتتجه مؤسسات التمويل الدولية لتلبية احتياجات التجارة والاستثمارات الدولية مع وجود أنظمة تنظيمية متخصصة وفعالة لأنواع محددة من أنشطة القطاع المالى، وسوف تتطلع كل مؤسسة مالية دولية إلى التعامل مع آثار هذا التحدى الجديد بطريقتها الخاصة والاستفادة إلى أقصى حد من أى الفرص المتاحة ويجب أن تكون مؤسسات التمويل الدولية القوية والشفافة التى تفى بالفعل بالمعايير العالمية الحالية فى وضع جيد لإدارة عملية الامتثال للمتطلبات الجديدة.
وفى «برمودا»، على سبيل المثال، تفى العديد من الكيانات الخاضعة لولايتها بالفعل بالمتطلبات وأدرك الاتحاد الأوروبى صراحة الطبيعة الجوهرية لبعض الصناعات الرئيسية مثل التأمين وإعادة التأمين والذى يعززه الامتثال لمتطلباته التنظيمية الجديد، كما أعلنت حكومة «برمودا» مؤخراً عن تنازلات فيما يتعلق بتصاريح العمل وضريبة الرواتب لتسهيل تأسيس الأصول الاقتصادية فى نطاق الولاية القضائية لها.
وأصدر الاتحاد الأوروبى بعد مراجعة للتشريعات واللوائح المصاحبة التى وضعتها كل مؤسسة مالية دولية قائمة سوداء جرى تحديثها بالولايات القضائية غير المتعاونة من بينها «بليز» و”برمودا» و”دومينيك» و”فيجى» وجزر «مارشال» و”عمان» و”الإمارات» و«فانواتو»، واتهمها بعدم تطبيق تعهداتها وفق اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبى فى المواعيد المحددة، وتأتى هذه القائمة ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبى وجهوده الرامية إلى محاربة ظاهرة التهرب الضريبى عبر سياسيات ضريبية رشيدة حول العالم تسد أى ثغرات فى قواعدها الضريبية تسمح بالتلاعب.

دور مؤسسات التمويل فى تعزيز التنمية الاقتصادية.. «أستانا» نموذجاً

تحقيق النمو عبر تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة عالمياً
إنشاء مركز قانونى دولى لفض النزاعات يعزز ثقة المستثمرين

تعتبر المراكز المالية الدولية عنصراً ضرورياً للنمو الاقتصادى الوطنى والعالمى على حد سواء ولذلك، فإن التعاون بين المؤسسات المالية الدولية، وليس المنافسة، هو الذى يدفع جدول أعمال التنمية للمراكز المالية الناشئة فى العالم وبشكل متزايد.
ويمكن النظر إلى مركز «أستانا» المالى الدولى فى كازاخستان كنموذج عمل صاعد يسعى لتثبيت مكانته إلى جانب أعلى مستوى لمؤسسات التمويل الدولية وكمركز حيوى للتمويل فى منطقة آسيا الوسطى.
ويركز مركز «أستانا» على دعم شركات المشروعات الصغيرة والمتوسطة كإحدى مساهماتها الرئيسية فى التعاون العالمى مع مؤسسات التمويل الدولية، ويعتبر دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو أيضاً برنامج أساسى للرابطة العالمية للمراكز المالية الدولية مع مبادرة الشركات الصغيرة والمتوسطة التى تقودها مؤسسة «أستانا للتمويل”، وساهمت العولمة والطبيعة العابرة للحدود الوطنية المتزايدة للأنشطة المالية فى تسريع دور المراكز المالية الدولية ولفت الانتباه إليها.
وتوفر مؤسسات التمويل الدولية مجموعات من عناصر التفوق والخبرة فى الخدمات المالية والخدمات المهنية ذات الصلة، والتى يمكن أن تفيد تنمية الاقتصاد الوطنى كما توفر كجزء من شبكة متكاملة عالماً أكثر قوة وأكثر أماناً وازدهاراً.
وتعزز المؤشرات العالمية الرئيسية لمؤتمرات التمويل فى لندن ونيويورك وهونج كونج وسنغافورة التحركات الهيكلية لمؤشرات النمو العالمى والتى تقدم قوالب لتطوير الآخرين عبر الاستفادة من التجارب الناجحة حيث تطورت سلسلة من المؤسسات المالية الوطنية لتصبح مراكز إقليمية مثل أستانا وطوكيو وشنجهاى وتورنتو وهى تقلد نماذج ناجحة مثل موسكو واسطنبول ودبى أثناء تطورها.
وقد أثبتت مراكز التمويل المتخصصة المحلية أنها قادرة على أن يكون لها بصمة دولية قوية أيضاً وإن كانت على نطاق محدود مثل زيورخ وساو باولو وجوهانسبرج ومومباى، وعلى الرغم من أن جميع مراكز التمويل لا تطمح إلى أن تكون عالمية، إلا أن الأداء المحلى أو الإقليمى الجيد يمكن أن يحقق النجاح للمراكز الناشئة فى سعيها لتطوير منافذها أو تقديم مجموعة من المنتجات المالية التى تلقى رواجاً عالمياً.
وتسعى دبلن ولوكسمبورج بنجاح إلى وضع استراتيجية مركزة، لكن فى إطار رؤية تعاونية للاستفادة من نمو مؤسسات التمويل الدولية الأخرى الأقدم والأكثر رسوخاً وليس فى إطار تنافسى على أساس أن التنمية هى فرصة للشراكات الواسعة لتحفيز النمو.

دور مؤسسات التمويل فى تعزيز التنمية الاقتصادية
ودخلت مؤسسات التمويل الدولية الحديثة معترك القطاع المالى برؤية أن تكون الشركات الأكبر حجماً أكثر ابتكاراً وأن تستجيب للطبيعة التنافسية للسوق العالمى، وتعتبر «The City UK» وهى منظمة عضوية تدعم صناعة الخدمات المالية والمالية ذات الصلة فى المملكة المتحدة وتروج لمركز لندن الرائد كمركز مالى دولى، من المنؤسسات التى تلعب دوراً رئيسياً على هذا الصعيد.
وتعمل مثل هذه المراكز المالية الإقليمية على قلب اتجاهات العمل الدولية لصالح نمط المنافع المتبادلة للتعاون وهو نمط متغير لم يعتاد عليه نشاط التجارة العالمى، وسيبقى التركيز على تلك التطورات فى سياق إقليمى لتسهيل التركيز أو التأثير العنقودى للخدمات المالية والخدمات المهنية ذات الصلة لتعزيز الابتكار والتنويع والمرونة.
ولذلك، تعد المراكز المالية عاملاً أساسياً فى الحفاظ على النمو الاقتصادى ويجب الاعتراف بأهمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم على أنه أمر بالغ الأهمية، ويمكن لمفهوم مؤسسة التمويل الدولية توفير البنية التحتية للاستثمار والمدخرات التى تحفز مساعى ريادة الأعمال والنمو الاقتصادى من خلال فهم أفضل لعملية احتضان الابتكار فى مجال التمويل والمساهمة بنشاط فى تطويره.
ويتميز طابع الابتكار لا سيما فى مجال التكنولوجيا المالية أو التكنولوجيا بشكل عام بأنه نشاط متزايد عبر الحدود ويمكن إنشاء قواعد لمطوريه أينما ازدهرت أعمالهم بغض النظر عن تأثيرات الجغرافيا.
وقد حددت هذه المؤسسات أبرز المؤسسات المالية الدولية الفاعلة ومن بينها مركز أستانا المالى الذى يعمل من خلال التعاون الدولى على اعتماد أفضل الممارسات الدولية لبناء بيئة تشجع وتحفز المبدعين والمبتكرين فى الجيل القادم.
وتسعى الدول الصاعدة إلى إزالة القيود التى تعمل كحاجز أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة للتوسع والتصدير نظراً لأنها توفر أكثر من %60 من العمالة فى جميع أنحاء العالم و%80 من الوظائف فى العالم المتقدم فى حين تسهم بنسبة %50 من القيمة المضافة الإجمالية.
ولاتزال غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتمد فى المقام الأول على التمويل المصرفى، ولكن الابتكارات فى مجال التكنولوجيا وحلول التمويل القائمة على السوق تقدم بدائل صالحة ومطلوبة، وهذا يعزز التركيز على مساهمة مؤسسات التمويل الدولية فى إدخال مجموعة منتجات مبتكرة مدعومة بالخبرة وأنظمة التنفيذ الضرورية.
وتآسس التحالف العالمى للمراكز المالية الدولية «WAIFC» والذى يضم 11 مركزاً مالياً فى يوليو 2018 بهدف تلبية أكبر الاحتياجات من خلال أفضل الممارسات والتعاون بين مؤسسات التمويل الدولية عبر حوار متطور، وسيكون التركيز على مشاريع ملموسة عبر المساهمة فى الاستثمار الأخضر والبنية التحتية والتطورات الجديدة بمجال التكنولوجيا.
وتلعب المراكز المالية دوراً حيوياً فى دعم الرابطة الدولية الجديدة غير الهادفة للربح ومن أهم المشاركين سوق أبو ظبى العالمى وهيئة أستانا للمركز المالى الدولى ونادى التمويل البلجيكى ومركز ترويج مدينة بوسان المالية الدولية، وهيئة التمويل بمدينة الدار البيضاء ومركز فرانكفورت للتمويل ومركز لوكسمبورج للتمويل ومركز المنتدى التحليلى بموسكو وهيئة السوق المالية بسلطنة عمان ومركز يوروبالس بباريس ومركز تورنتو المالى الدولى.
ويمكن القول بأن مركز «أستانا» بات علامة تجارية جديدة بين المراكز المالية التى بالتعاون مع أعضائها ستقوم بتطوير نظام إيكولوجى مالى لتمكين إنشاء سوق لتداول رأس المال ومنصة مالية لخدمة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وسيلعب المركز دوراً محورياً لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تركيز الاهتمام على الدور الذى يوفره القطاع المالى فى المساعدة على بناء القدرات والدعم، وسوف يتغير مفهوم القطاع المالى وفقاً لذلك، حيث يبدأ الناس فى إدراك أهمية المؤسسات والمراكز المالية وخلق أسلوب جديد يمكن معه تعزيز دور هذه المراكز بتقديم مزيد من خطط دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما فى ذلك تمويل التجارة.
وسيكون فى صميم إسهام هذه المركز فى الرابطة الحديثة ضمان الوصول إلى البيانات الأساسية والتبادل المعرفى كجزء من النظام الإيكولوجى المالى، ويعد تطوير التقنيات المالية الجديدة إحدى أولويات مركز أستانا وتتمثل المهمة الرئيسية فى خلق الظروف الأكثر ملاءمة لإنشاء وتطوير مشاريع التكنولوجيا والبنية التحتية الحديثة والتنظيم المرن والقدرة على جذب المستثمرين الاستراتيجيين.
ووضع مركز أستانا نفسه كمركز تجارى ومالى لآسيا الوسطى ويهدف بمفهومه المبتكر إلى جذب الاستثمارات عن طريق خلق بيئة جذابة وتطوير سوق الأوراق المالية وبالتالى ضمان تكاملها مع أسواق رأس المال الدولية.
وباعتباره المركز المالى الرئيسى فى آسيا الوسطى، فإن مركز أستانا مؤهل أيضاً للتعاون إقليمياً مع منطقة الشرق الأوسط عبر المبادرات الحيوية التى يتم تطويرها فى إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية أو المعروفة بطريق الحرير الجديد.
وتم إنشاء مؤسسة أستانا للتمويل فى ديسمبر 2015 بموجب مرسوم من الرئيس الكازاخى نور سلطان نزارباييف كجزء من مجموعة كبيرة من الإصلاحات الهيكلية، بهدف إنشاء مركز رائد للخدمات المالية على المستوى الدولى.
وحقق مركز أستانا المالى الكثير بمساعدة المؤسسات القائمة فى المملكة المتحدة وخبراتها، ومن خلال شبكة العلاقات الدولية فى مؤسسة «ذى سيتى يو كيه» وتشمل الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات لـ500 شركة مقيمة فى المركز بحلول نهاية عام 2020.
ونجح المركز الناشئ فى تحقيق العديد من النقاط الرئيسية لنجاح تطوير مؤسسات التمويل الدولية والتى وضعتها مؤسسة «ذى سيتى يو كيه» مؤخراً ومن بينها توفير بيئة تنظيمية مستقلة عادلة وشفافة وخلق مناخ أعمال يسهل ترويج المنتجات المالية والأفكار الجديدة فى إطار سياسة مالية واضحة وتنافسية.
كما يتمتع مركز أستانا بالقدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية لكل من التجارة والاستثمار والانفتاح على المستثمرين الأجانب من خلال نظام قانونى يحظى باحترام كبير ونزيه يستند إلى القانون العام.
وحرص المركز أيضا على التركيز على البنية التحتية الناعمة، بما فى ذلك البنية التحتية للسوق وقنوات التبادل، وإدارة البيانات والاتصالات، والأمن، والبنية التحتية الصلبة المتعلقة بوسائل الاتصال والنقل والإقامة، كما تتوافر قوة عاملة ماهرة ومتنوعة.
واستفاد المركز عند وضع الإطار القانونى من مبادئ القانون العام الإنجليزى لأنه أكثر مرونة فى الاستجابة لتطوير الخدمات المالية، وهو السبب الأول فى أن أكثر من نصف العقود التجارية فى العالم يحكمها القانون الإنجليزى فى تسوية المنازعات القضائية وغير القضائية.
وتعترف أستانا بهذا وقد طورت بدعم من مؤسسة «ذى سيتى يو كيه» من إطارها القانونى ونالت عضويتها فى قطاع الخدمات المالية والخدمات المالية ذات الصلة فى المملكة المتحدة.
وأنشات أستانا مركزاً للتحكيم الدولى منفضل تماماً عن المركز المالى فى أنشطته وهو يعمل وفقاً لأفضل المعايير الدولية لحل النزاعات المدنية والتجارية فى ظل نظام محاكم متسق مع القانون العام.
وتختص محكمة مركز التجارة الدولى بالاختصاص الحصرى فيما يتعلق بالنظر فى النزاعات الناشئة بين مشاركى المركز المالى الدولى فى أستانا والهيئات التابعة للمركز أو موظفيهم الأجانب.
كما يتم النظر فى المنازعات التى يتم تقديمها عن طريق الموافقة المتبادلة لمحكمة مركز دبى المالى العالمى فى نطاق الاختصاص القانونى.
ويوفر مركز التحكيم الدولى بديلاً مستقلاً وفعالاً من حيث التكلفة وعملياً للتقاضى، ويعمل وفقاً لأفضل المعايير الدولية لحل النزاعات المدنية والتجارية فى المركز وهذا يوفر للأطراف الخيار الأكثر مرونة فى القواعد والإجراءات لحل النزاعات.
وتتميز أستانا بوجود بورصة أستانا الدولية (AIX)، والتى تضم 4 أقسام رئيسية منها الخدمات المالية، بما فى ذلك إصدار السندات والأسهم، وأدوات التحوط بما فى ذلك مخاطر العملات بالإضافة إلى مركز خارجى للتعاملات بعملة اليوان الصينية، كما تضم منصة رئيسية لخصخصة الشركات الوطنية فى إطار تنفيذ خطة الخصخصة الشاملة للفترة 2016-2020.
وتوجد منصة لتداول الأوراق المالية والسلع والأدوات المالية المشتقة بعملة «التنجى -العملة الكازاخية المحلية» والروبل والدولار الأمريكى واليوان وهى منصة جديدة لجذب الاستثمارات.
ويمكن القول إنه منذ إنشاء المركز فى 2015 حدثت تحولات وطفرات نمو إقليمية استثنائية وهى أنباء سارة للمنطقة مع العلم أنها ستقدم مساهمة كبيرة فى تعزيز التعاون بما فى ذلك التعاون العالمى من خلال الجهود المشتركة التى تعمل وفق معايير متفق عليها دولياً عبر مكونات عمل يقودها فريق متجانس ومحترف.
وأهم يما يمكن رصده خلال السنوات المقبلة على صعيد تأثير المراكز المالية ودورها فى تعزيز التنمية المحلية والدولية هو تقديم خدمات عالية الجودة لتسهيل النمو الاقتصادى الإقليمى وتنويعه وهذا لن يحدث بدون زيادة الشفافية ومعايير الأعمال التجارية المثالية والتى تتماشى بالكامل مع المعايير الدولية وتعمل وفقاً لأحكام القانون مما يخلق حزمة واحدة من قنوات توفير السيولة للمستثمرين المحليين والدوليين.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية