ربما لايزال الركود العالمى القادم بعيد نسبياً، إذ تقلصت احتمالات وقوع دول حلف الشمال الأطلسى فى ركود بعد عام من الآن إلى الربع تقريباً، كما أن النمو الألمانى ربما يكون إيجابياً فى الربع الأول من 2019، ويمكن لاقتصاد الصين الانتعاش أيضاً، ورغم التباطؤ المؤكد لنمو الاقتصاد الأمريكى إلى %1 أو نحو ذلك فى الربع الحالى إلا أن هذا التباطؤ قد يكون غير واضح.
لنأمل ذلك.. لأنه إذا كان هناك انكماش اقتصادى قادم يلوح فى الأفق، فإن البنوك المركزية فى دول الشمال الأطلسى لن تستطيع مقاومته بفعالية لافتقارها المجال السياسى اللازم لفعل ذلك، وحال حدوث ركود، سيكون «الاحتياطى الفيدرالى»، قادر على خفض أسعار الفائدة بمقدار خمس نقاط مئوية، كما هو معتاد فى مثل هذه الحالات، ولكنه لن يستطيع فعل ذلك وسط وصول معدلات الفائدة الآمنة على الودائع قصيرة الأجل إلى %2.4، كما أن البنك المركزى الأوروبى وبنك اليابان لن يتمكنا من تقديم كثير من المساعدة أيضا فى ظل إبقاء أسعار الفائدة على الودائع المقومة باليورو والين نحو %0.
وبالنظر إلى المستقبل، لن يكون الخطر الكبير فى بدء ارتفاع التضخم مع عدم قدرة «الاحتياطى الفيدرالى» على رفع أسعار الفائدة بسرعة كافية لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، بل إن الخطر هو إمكانية وقوع الشمال الأطلسى فى ركود اقتصادى فى غضون عام من الآن وعدم تقديم الحكومات لحوافز مالية كافية، كما أن الاحتياطى الفيدرالى، لن يتمكن من خفض أسعار الفائدة بشكل كافى، مما يتركه عاجزاً حتى عن تحقيق الاستقرار الاقتصادى.
إن الاستجابة المنطقية لمثل هذا الخطر غير المتكافئ يجب أن تتمثل فى توفير التأمين اللازم ضد الركود، ولكن ما يدعو للقلق حقا هو أن «الاحتياطى الفيدرالى» ليس لديه أى تأمين على الإطلاق ضد أى ركود محتمل، رغم وجود 3 خيارات ممكنة على الأقل للاختيار منها.
ويتمثل الخيار الأول فى إمكانية رفع الاحتياطى الفيدرالى، لأسعار الفائدة بشكل أكثر الآن، مما يخلق مجالا أكبر لخفضها مرة أخرى إذا دخل اقتصاد الولايات المتحدة فى ركود، ولكن يبدو أن رئيس مجلس البنك الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول، استبعد هذا الخيار فى الوقت الحالى.
وقال باول، فى مقابلة أجريت معه مؤخراً، إن المستوى الحالى لأسعار الفائدة مناسب فى ظل السيطرة على التضخم الأمريكى والأدلة المتزايدة على تباطؤ الاقتصاد العالمى، مضيفاً: «سننتظر ونرى كيفية تطور هذه الظروف قبل إجراء أى تغييرات على سياسة أسعار الفائدة لدينا».
وبالنسبة للخيار الثانى، يمكن للاحتياطى الفيدرالى تخفيض أسعار الفائدة اليوم لمحاولة تعويض عجزه عن خفض أسعار الفائدة بما يكفى عند حدوث تراجع اقتصادى فى المستقبل، ولكن إذا انتعش وتعزز النمو الاقتصادى- وهو الأمر الأكثر أرجحية من غيره- فلن يحدث أى ضرر.
ولكن إذا لم يتحسن النمو ودخل الشمال الأطلسى فى ركود اقتصادى، فسيتعين على «الاحتياطى الفيدرالى» تخفيض أسعار الفائدة بشكل كبير فى نهاية العام الحالى، وبالتالى سيكون هناك أسف شديد نحو عدم إقدامه على تخفيضها بشكل استباقى اليوم.
ويتمثل الخيار الثالث أمام البنك، فى ترك أسعار الفائدة كما هى دون تغيير فى الوقت الراهن، مع تقديم شرح واضح لكيفية محاربة الركود بفعالية إذا عانى الاقتصاد منه العام المقبل، ولكن فى هذه الحالة سيحتاج «الاحتياطى الفيدرالى» إلى أن يكون أكثر إقناعاً، مما كان عليه منذ عام 2010، عندما كان الاقتصاد الأمريكى يكافح آنذاك للتعافى من الأزمة المالية 2008.
ففى ذلك الوقت، كانت السياسة النقدية لرئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى، بن برنانكى، ونداءاته للمشرعين الجمهوريين وصقور التقشف لوضع المصلحة الوطنية كأولوية قبل تسجيل النقاط الحزبية ودعم الحوافز المالية المتشددة، غير فعالة تماماً فى تعزيز النمو بشكل أكبر من المعدلات السابقة، وبالتالى سجلت البلاد تعافياً اقتصادياً ضعيفاً وغير مرضياً.
وربما تعزز خطة «الاحتياطى الفيدرالى» الأكثر مصداقية لمحاربة الركود المحتمل فى عامى 2020 و2021 أو بعد ذلك، الثقة فى الأعمال التجارية وقد تجعل سياسات البنك المركزى أكثر فعالية، فعلى الأقل من شأنها طمأنة الشركات والمستثمرين الذين ربما بدأوا فى الانسحاب خوفاً من تباطؤ الطلب الكلى الأمريكى فى عام 2020، ولكن هذا الخيار الثالث سيتطلب جهداً فكرياً وتواصلاً كبيراً من الاحتياطى الفيدرالى ولا يوجد حالياً دليل على ذلك.
وإذا دخلت الولايات المتحدة فى ركود اقتصادى خلال العام أو العامين المقبلين، فقد يكون لدى الاحتياطى الفيدرالى حيز ضئيل للغاية لتخفيف السياسة النقدية، ومع ذلك فهو لا يتخذ أى خطوات لتغطية هذا الخطر، وهو أمر غير حكيم، فإذا لم يضمن الاحتياطى الفيدرالى تأميناً ضد الركود فى أى وقت قريب، ربما تواجه الولايات المتحدة والعالم بأكمله مشاكل أكبر بعد ذلك.
بقلم: برادفورد ديلونج
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا