ملفات

التحفيز الوبائى يخلف نتائج عكسية فى الأسواق الناشئة

الأسواق الناشئة

منذ بداية تفشى الوباء، راقبت العديد من الدول الناشئة الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة الكبيرة وهى «تتقدم بشكل كبير» نحو التحفيز الاقتصادى، وتمنت لو تستطيع أن تحذو حذوها.

مع ذلك، اتضح فيما بعد أنهم كانوا محظوظين إذ لم يتمكنوا من ذلك، وأنهم كانوا حكماء إذ اختاروا عدم فعل ذلك، خصوصا أن الأسواق الناشئة التى حُفزت بقوة لم تشهد رد فعل لهذه الإجراءات التحفيزية ولم تشهد تعافيا أسرع.

والسبب فى فشل التعافى يرجع جزئياً إلى سلبيات الإفراط فى تقديم الحوافز. فقد عانت الدول ذات الإنفاق الأعلى من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملة، وهى تحاول تجنب، على الأقل بشكل جزئى، المبالغة فى الحوافز النقدية.

ويقول روشير شارما، وهو كبير الاستراتيجيين الدوليين فى مؤسسة «مورجان ستانلى» لإدارة الاستثمارات، إنه لم يجد شيئاً عندما فحص البيانات الخاصة بالأسواق الناشئة والمتقدمة الكبرى بحثاً عن رابط إحصائى بين حجم برامجها التحفيزية لعام 2020 وقوة الانتعاش الذى أعقب ذلك.

وحتى بعد تصحيح فترات الركود الأعمق، والتى غالباً ما تؤدى إلى ارتداد أعلى فى النمو، لم تضف الحوافز النقدية والمالية القوية أى شيء ملحوظ للانتعاش الاقتصادى، وفقاً لما نقلته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

كان هذا الانفصال أكثر حدة فى الأسواق الناشئة، بدءاً من الصين إلى تشيلى، فعند تقسيم الأسواق الناشئة الكبرى إلى الدول الأكثر والأقل إنفاقاً، ستجد أن الدول الأكثر إنفاقاً شهدت فى كثير من الأحيان حالات انتعاش أضعف.

وبلغ متوسط الانتعاش لدى الدول الأكثر إنفاقاً %12 من الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الثانى من عام 2021، مقارنة بـ %19 فى الدول الأقل إنفاقاً.

من بين الأسواق الناشئة الأكثر إنفاقاً، كانت المجر تحت قيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، والبرازيل تحت قيادة رئيس البلاد جاير بولسونارو، والفلبين تحت قيادة الرئيس رودريجو دوتيرتى، وجميعها حكومات شعبوية.

وأنفقت كل من هذه الدول ما لا يقل عن %16 من الناتج المحلى الإجمالى على الإجراءات التحفيزية، بما فى ذلك الإنفاق الحكومى الجديد ومشتريات الأصول من قبل البنك المركزى فى البلاد.

حتى الآن، تحتل اليونان المرتبة الأولى فى قائمة الدول الأكثر إنفاقاً، التى تمت إعادة تصنيفها فى 2013 إلى سوق ناشئة بعد أن كانت سوق متقدمة، وذلك بسبب سوء الإدارة المالية.

وأنفقت أثينا ما يعادل %67 من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.. لكن يبدو أن هذا الإنفاق كان بلا فائدة.

ومثل المجر والبرازيل والفلبين، شهدت اليونان انتعاشاً عادياً يقترب من متوسط الأسواق الناشئة البالغ نحو %16 من الناتج المحلى الإجمالى.

لماذا يُظهر التحفيز فوائد غير واضحة، بل ويؤدى إلى نتائج عكسية فى الأسواق الناشئة أيضاً؟

ربما تطغى عوامل خاصة بالوباء على تأثير التحفيز فى أى دولة ناشئة، وهذه العوامل قد تكون مثل التأثير العالمى للتحفيز الضخم فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة الأخرى، ومواصلة الصراع للتصدى للوباء.

وجد بحث أجراه مصرف «جولدمان ساكس» ارتباطاً وثيقاً بين النمو وكل من عمليات الإغلاق وعمليات التلقيح، فكلما كان الإغلاق أكثر صرامة وكان طرح اللقاح بطيئاً، زاد مستوى التضرر الذى يواجهه النمو.
علاوة على ذلك غالبا ما يؤدى الإفراط فى الإنفاق إلى نتائج عكسية، خصوصا فى الدول النامية، فهى تفتقر إلى الموارد المالية والمصداقية المؤسسية لزيادة الإنفاق دون حدوث اختلال فى التوازن الاقتصادى، وينتهى بها الأمر إلى معاقبتها من قبل الأسواق العالمية.
خلال العام الماضى، فى الأسواق الناشئة ذات الإنفاق الأعلى، تجاوز معدل التضخم حاجز الـ %5، أى أعلى بمقدار %1 تقريباً من ارتفاع معدل التضخم فى الأسواق ذات الإنفاق الأقل، كما ارتفعت عوائد السندات أكثر من 142 نقطة أساس، مقابل 43 نقطة أساس فى الأسواق ذات الإنفاق الأقل.
كذلك تراجعت قيم العملات، لكنها حافظت على مستوى استقرارها فى الأسواق ذات الإنفاق الأقل.
واستناداً إلى توقعات صندوق النقد الدولى، سيكون العجز الحكومى فى نهاية 2021 أعلى قليلا فى الدول ذات الإنفاق الأعلى، حيث سيبلغ %7 تقريباً من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل %6 فى الدول ذات الإنفاق الأقل.
مما لا شك فيه أن مقارنة الأسواق الناشئة بناء على مؤشر من هذه العوامل- التضخم والعملة وأسعار الفائدة والعجز- توضح الأماكن التى تظهر فيها النتائج العكسية، حيث تعتبر المجر والبرازيل والفلبين هى الدول التى حققت أسوأ نتائج، فى حين تأتى تايوان وكوريا الجنوبية والمكسيك ضمن الدول ذات الإنفاق الأقل والتى سجلت نتائج أفضل.
ربما يكون لمنطق حملات التحفيز علاقة بالسياسة أكثر من الظروف الاقتصادية، فتماشياً مع تقاليدها الحكومية، تميل دول شرق آسيا إلى أن تكون أقل إنفاقاً، وتميل دول أمريكا اللاتينية إلى أن تكون أكثر إنفاقاً، بينما لم تطرح الدول الناشئة أو المتقدمة التى عانت فترات ركود حادة بالضرورة حزم تحفيز ضخمة.
غالباً ما تندم الدول التى تتعجل فى الإنفاق فى وقت لاحق، ومن المحتمل أن أولئك الذين حاولوا «تحقيق تقدم كبير» خلال فترة تفشى الوباء حصلوا على نمو إضافى أقل مما كانوا يتصورون ومتاعب أكبر بكثير تأتى فى شكل ارتفاع العجز والديون، ما يجعلها محملة بذخيرة أقل مما ينبغى لخوض المعركة التالية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية