ملفات

العجز المالي .. الثقب الأسود في الاقتصاد الأمريكي

ارتفاع معدلات الاقتراض وتضخم الإنفاق ينخران فى الموازنة الفيدرالية

الرعاية الصحية للأغنياء وخدمة الدين تلتهم إيرادات الدولة

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء يمزق التوازن الطبقى للمجتمع.. والحل يبدأ بإعادة صياغة برامج الرعاية ونمط الاستثمار العام

صافى الاستثمار الفيدرالى يقترب من مستوى الصفر

لا يعد ذم الدين هدفاً فى حد ذاته، فهو ليس سيئاً دائماً إذا كانت هناك أسباب وجيهة للاقتراض، كما كان الحال فى الماضى لمحاربة الركود وتمويل الاستثمارات، لكن عدم الكبح للديون المتنامية سيؤدى ببطء، ولكن بثبات، إلى زيادة صعوبة تنمية الاقتصاد، وتعزيز مستويات المعيشة، ودعم جهود الحروب المتورطة فيها واشنطن أو الدخول فى دوامة الركود، وستتأثر بالقطع قدرات معالجة الاحتياجات الاجتماعية، والحفاظ على الدور الأمريكى كقطب أوحد يحكم العالم الآن.
وتعد أهم العوامل وراء الزيادة فى الديون هو شيخوخة السكان، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية التى تعزز الإنفاق الفيدرالى على الضمان الاجتماعى والرعاية الطبية للمسنين والفقراء، بالإضافة إلى ذلك لا يتوقع أن تنمو إيرادات الضرائب بسرعة كبيرة.
لا يمكن للمحللين اختصار الأزمة فى مشكلة زيادة إنفاق أو نقص الإيراد الضريبى بشكل جوهرى؛ لأن الخلل فى معالجة الأمرين من جذورهما هو ما يخلق هذا الثقب الأسود.
ويتطلب معالجة تحدى الديون إبطاء مسار الإنفاق ورفع الضرائب. لكن السؤال ينصب على الكيفية التى ستجرى بها عملية الإصلاح.
ويمثل تغيير الطريقة التى تفرض بها الضرائب ونموذج الإنفاق الوطنى لب القضية؛ حيث تتفاقم ظاهرة تصدع المجتمع الأمريكى الذى به مجموعات تمزقها الفوارق فى الدخل والتعليم والفرص.
لا يتعلق الأمر بوجهة نظر اجتماعية مثالية لهذه الفجوة المتزايدة باعتبارها غير منصفة فحسب، بل هدراً للمكاسب الاقتصادية، وتقلل الفرص لعشرات الملايين من الأمريكيين وتضعف الإنتاجية.
وتحتاج زيادة إنتاجية الأمريكيين وتوسيع الفرص المتاحة لهم إلى مزيد من الاستثمار العام فى التعليم والصحة ورعاية الأطفال والتغذية وإصلاح البنية التحتية العامة ودعم البحث العلمى، لكن الاستثمارات العامة فى هذه المجالات باستثناء الرعاية الصحية ستتقلص كحصة من الاقتصاد إلى أدنى مستوياتها فى أكثر من نصف قرن حسب خطط الموازنة.
يأتى ذلك فى وقت يحتاج الاقتصاد الأمريكى إلى تحسين النظام الضريبى، وزيادة الإيرادات لتمويل الاستثمار العام، وتشجيع النمو وتوزيع الأعباء الضريبية بشكل عادل داخل الأجيال وعبرها على حد سواء.
وبغض النظر عن حجم الدين، فإن الأهم هو كيف نجمع وننفق المال، وكيف ومتى نتصدى لهذه التحديات المزدوجة، ما يساعد على تحديد المستقبل الذى نبنيه لأنفسنا وأطفالنا والأجيال القادمة.
يطرح الوضع الراهن عدة أسئلة رصدها تقرير معهد بروكينجز الأمريكى للأبحاث حول كيفية معالجة الديون المتزايدة، والتحول إلى نمط أكثر حكمة للاستثمار لا يؤثر على الاقتصاد، وخلق طرق لإعادة تشكيل الضرائب والإنفاق لتقديم أفضل دعم.
وبحسب وصف التقرير، فإن التدخل الدوائى يطرح علاجاً مالياً يتصدى لظاهرة إدمان الديون للولايات المتحدة، وينشط الاستثمار من خلال ثلاثة محاور أساسية، فى مقدمتها التحكم فى الإنفاق على الاستحقاقات، والذى يتطلب إعادة هيكلة الإنفاق فى الضمان الاجتماعى، والرعاية الطبية لضمان الحفاظ على أدوار برامج مكافحة الفقر والتأمين الاجتماعى وتعزيزها.
فيما يتمثل المحور الثانى فى الاستثمار فى المستقبل، ويقصد به توفير استثمارات عامة كبيرة جديدة فى رأس المال البشرى والمادى لتعزز إمكانات الأمريكيين لزيادة الإنتاجية.
ويشمل المحور الثالث رفع الضرائب والإصلاحات، ويستهدف خلق سبل جديدة لزيادة إيرادات تكون كافية لجعل الإنفاق الحكومى أكثر عدالة وفعالية.
ويعنى نجاح هذا البرنامج العلاجى وضع الديون على مسار مستقر وتعزيز النمو الاقتصادى بعدة طرق، فمن خلال التحكم فى الديون، ستتولد مبالغ ضخمة من رأس المال للاستثمار الخاص.
وستؤدى التغييرات الضريبية للشركات إلى تعزيز الاستثمار فى الأعمال التجارية، كما أن توفير الموارد الجديدة للأطفال والتعليم وشبكة الأمان سيزيد رأس المال البشرى، ويجعل العمال أكثر إنتاجية، كما أن تطوير البنية التحتية العامة والبحث والتطوير العلمى سيسهم فى توليد مزيد من الكفاءة والابتكار.
ومن المعروف بديهياً أن مساعدة الفقراء وفرض الضرائب على الأغنياء سيقللان من عدم المساواة، ويزيدان من الفرص ويدفعان الحراك الاقتصادى ويرفعان مستويات المعيشة للأسر.
وتتميز هذه المقترحات بالواقعية، وأنها ممكنة من الناحية الإدارية، فهى تبنى إلى حد كبير البرامج الحالية التى أثبتت أنها قابلة للتحقيق بالفعل فى الولايات المتحدة وكذلك هى صالحة للتطبيق فى جميع أنحاء العالم.

فيما يلى 12 حقيقة تلهم التحليل والمقترحات فى العلاج المالى وتقدم إرشادات لصياغة الحلول:

1- المياه المجهولة:

عاش الاقتصاد الامريكى فترات من الديون المرتفعة من قبل، ولكن حتى الآن كانت دائماً؛ بسبب الحروب أو الانكماش الاقتصادى، وتراكمت الديون سريعاً بالنسبة لحجم الاقتصاد بعد انتهاء الحرب أو الركود.
بعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، بلغت الديون ذروتها عند 106% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 1946، ولكنها انخفضت إلى نصف هذا الرقم بحلول عام 1956 مع توسع النمو الاقتصادى القوى.
الآن، ومع ذلك، لدى واشنطن ديون تساوى حوالى 78 % من الناتج المحلى الإجمالى، ومن المتوقع أن يرتفع ببطء لكن بثبات إلى 180% بحلول عام 2050 بل ومستويات أعلى من ذلك ولأسباب وعوامل مختلفة.
والجدير بالذكر، أن مصدر الديون المتزايدة، حالياً، ليس حرباً أو ركوداً، فعلى عكس الحلقات السابقة لا يمكن حل هذه المشكلة عن طريق خفض موازنة الدفاع، الذى يعد بالفعل جزءاً أصغر بكثير من الاقتصاد مقارنة بالماضى، كما لا يمكن الخروج عن مسار الاقتصاد العالمى التقليدى لحلول ابتكارية كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية.
تتطلب النجاة تحقيق معدلات نمو اقتصادى أعلى بكثير مما يمكن توقعه؛ لأن الاقتصاد بالفعل يولد عجزاً كبيراً فى اقتصاد هو قوى للغاية، وهذه المفارقة تزيد من صعوبة الأمر، لذلك، من المتوقع أن يرتفع العجز حتى لو استمر الاقتصاد فى الأداء بشكل جيد.
ويعتبر مصدر الديون المتزايدة بشكل أساسى هو عدم التوازن المركب والمتنامى بين الضرائب والإنفاق، وبالتالى، سيحتاج صانعو القرار إلى اتخاذ خيارات صارمة بشأن البرامج التى يجب خفضها وأى الضرائب التى يجب رفعها.. لا يمكن المطالبة بإزالة الديون تماماً أو حتى تعديل شامل للميزانية السنوية، بل يحتاج الأمر فقط إلى خفض الدين إلى مستوى مستدام ومستقر.
ويعد تحقيق هدف خفض الدين بحلول 2050 بنسبة 60 % من الناتج المحلى الإجمالى الطريق الأمثل لهذا الاستقرار، لكنه يتطلب تخفيضات كبيرة فى الإنفاق الفيدرالى مع زيادات فى الإيرادات الفيدرالية.

2- الوحش الجائع:

من أجل التفكير بوضوح فى المسائل المالية، من الضرورى معرفة أين تذهب الأموال، ويخطئ الأمريكيون بشكل روتينى فى تحديد الحجم النسبى لبنود الميزانية المثيرة للجدل بداية من المساعدات الخارجية إلى الرواتب التى يحصل عليها أعضاء الكونجرس وصولاً إلى الإعانات المخصصة لمحطات التليفزيون العام، ويرغب الكثيرون فى الاعتقاد بأنه إذا تمكن المسئولون من التخلص من العناصر الأقل شعبية، فيمكننا كبح هذا الحبر الأحمر دون كسر عنق الموازنة، لكن الأرقام تظهر مدى خطأ ذلك.
تدير الحكومة الآلاف من البرامج، لكنَّ هناك أربعة مجالات فقط بمثابة “الوحش الجائع” هى الضمان الاجتماعى، والرعاية الصحية، ونفقات الدفاع، ومدفوعات الفوائد على الديون؛ حيث تمثل الأخيرة أكثر من ثلثى إجمالى الإنفاق فى الوقت الحالى، وستغطى حصة أكبر فى المستقبل.
ويعتبر الإنفاق الدفاعى منخفضاً بالفعل بالنسبة لحجم الاقتصاد، والتخلف عن سداد مدفوعات الفائدة أمر سلبى للغاية، وهنا ينصب التركيز على أهمية احتواء الضمان الاجتماعى والرعاية الطبية، لكن التصدى للتحدى فقط من خلال خفض الإنفاق يعنى ضرورة خفض هذه البرامج لدرجة تدميرها بشكل أساسى، لذلك هناك حاجة إلى البحث عن المزيد من الإيرادات كذلك.

3- رفض شعبى:

لكى تكون إصلاحات السياسة ناجحة ومستدامة، يجب أن تحظى بدعم شعبى واسع، لكن الرأى العام الأمريكى يتعارض بشدة مع هذه القضية، ففى حين أن العجز يظهر باستمرار فى استطلاعات الرأى كقضية اقتصادية مهمة، فإنَّ الجمهور يعارض جميع السياسات تقريباً التى تقلل من العجز على المدى الطويل.
على سبيل المثال، على الرغم من أن استطلاعات الرأى تُظهر بشكل روتينى، أن الناس يعتقدون أن حوالى 40% من الإنفاق الحكومى هدر، فإن دعم مقترح خفض الإنفاق يتبخر عندما يُسأل الناس عن برامج محددة.
فى عام 2017، سأل استطلاع للرأى أجرته مؤسسة “بيو” للناس عن 14 بنداً فى الميزانية، قاموا مجتمعين بتغطية جميع النفقات غير المرتبطة بالفائدة، كانت النتيجة أنه فى كل مجال، أراد أكثر من نصف المجيبين زيادة الإنفاق أو الحفاظ عليه، والمنطقة الوحيدة التى تدعم حتى التخفيضات من ثلث المستجيبين هى المساعدات الخارجية والتى تمثل أقل من 1 % من الميزانية.
يبدو أن الدعم لخفض البرامج الرئيسية ضعيف؛ حيث يعتقد أقل من 10 % أنه يتعين على الحكومة خفض الرعاية الطبية أو الضمان الاجتماعى، وتتمثل السياسة الوحيدة لسد العجز مع دعم قوى ومتسق على مر السنين فى زيادة الضرائب على الأسر والشركات ذات الدخل المرتفع.

4- دعم الأغنياء:

تمثل الرعاية الصحية مفارقة شديدة الانحراف؛ حيث إن 5% من الأشخاص الذين لديهم أعلى فواتير يمثلون نصف جميع التكاليف، فى حين أن 50% من المرضى الذين لديهم أقل فواتير يمثلون 3% فقط من التكاليف الإجمالية.
وتعتبر الرعاية الصحية أكبر مجال للإنفاق الفيدرالى، وتنفق الولايات المتحدة دخلاً على الرعاية الصحية أكبر بكثير من أى دولة متقدمة أخرى دون أن تحصل دائماً على قيمة جيدة مقابل المال.
ويعتبر تخفيض التكاليف هو إحدى الأولويات الرئيسية للإصلاح، ومع ذلك، فإن معظم نفقات الرعاية الصحية المرتفعة فى هذا البلد مدفوعة بسبب المرضى الذين يواجهون إجراء طبياً حيوياً مثل علاج نوبة قلبية، أو لديهم حالة مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكرى، أو فى رعاية حالات السنة الأخيرة من عمر الإنسان وتنتهى بالوفاة.
نتيجة ذلك، يمكن أن تأتى وفورات كبيرة فى التكاليف من الحد من حالات الأمراض المزمنة، وارتفاع معدل الحالات باهظة التكلفة للغاية، فعلى سبيل المثال يمكن دفع الأموال لمقدمى الخدمات الطبية على أساس النتائج بدلاً من مؤشر حجم الخدمات المقدمة، أو عن طريق تحديد سقف لأسعار للمستشفيات.
تقدم الحكومة الرعاية الصحية للمسنين؛ حيث تمثل 20% من جميع نفقات الرعاية الصحية فى الولايات المتحدة، ويمكن أن تأخذ زمام المبادرة فى تغيير ممارسات الرعاية الطبية وتكاليفها؛ لأن الحل ليس خفض تكلفة رعاية 50% من السكان من خلال آليات مثل حسابات التوفير الصحى وخطط التأمين القابلة للخصم العالية.

5- التأمين الصحى:

يغطى برنامج ميديكيد لرعاية الأطفال الصغيرة وبرنامج الرعاية الشاملة للصغار حوالى 45% من الأعمار الصغيرة فى أمريكا.
وتتمثل الأولوية الرئيسية الثانية للرعاية الصحية فى زيادة التغطية لزيادة الاشتراكات والبناء على نجاحات قانون الرعاية بأسعار معقولة وتوفر البرامج التى ترعاها الحكومة مثل برنامج ميديكيد وبرنامج التأمين الصحى للأطفال، تغطية تأمينية صحية مهمة لحصة كبيرة من الأمريكيين.
ويسهم وجود التأمين الصحى فى تحسين صحة الناس ووضعهم المالى، ويقلل الوفاة لأسباب يمكن الوقاية منها، وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدى صحة أفضل لأى فرد معين إلى صحة أفضل للآخرين عن طريق الحد من انتشار المرض.
ويعنى توفير الخدمات الصحية للأطفال خفض نسبة المرض فى المجتمع بشكل خاص، فمن المرجح أن يخضع الأطفال المسجلون فى برنامج “ميديكيد” أو التأمين الصحى للصغار للفحوصات السنوية وتطعيمات الإنفلونزا، ما يعنى أنهم أقل عرضة لاحتياجاتهم الطبية غير الملباة.
ويظهر حصول الأطفال على الرعاية أنهم مستعدون لاستكمال المدرسة الثانوية والكليات، وبالتالى يكونون أقل عرضة للمشاركة فى السلوك المحفوف بالمخاطر.
من منظور الميزانية البحتة، فإن جزءاً كبيراً من إنفاق رعاية الأطفال يؤتى ثماره على المدى الطويل؛ لأن البالغين الذين تعرضوا للرعاية فى سن صغيرة وسيولدون إيرادات ضريبية أعلى ومدفوعات أقل للعلاج وهم بالغون بشكل ملحوظ، ويجب أن يكون توسيع نطاق تغطية رعاية الأطفال صحياً لتشمل جميع الأسر الفقيرة وجميع الأطفال أولوية قصوى، حتى عندما يكون الهدف هو معالجة العجز المالى على المدى الطويل.

6- الضمان الاجتماعى:

يمثل الضمان الاجتماعى أكثر من 90% من الدخل لأكثر من ثلث المسنين وأكثر من نصف الدخل لحوالى ثلثى المسنين.
قد يكون الضمان الاجتماعى هو البرنامج الفيدرالى الأكثر شعبية فى الدولة، وهو بالتأكيد أحد أكثر البرامج نجاحاً، فهو يوفر قاعدة أساسية للدخل كل عام لعشرات الملايين من الأشخاص، بمن فيهم المتقاعدون والأزواج الباقون على قيد الحياة والمعالون والمعوقون.
لكن البرنامج غير قابل للاستمرار من الناحية المالية؛ حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يتلقون الإعانات بشكل أسرع من عدد العمال الذين يدفعون للنظام مما يجعله جزءاً كبيراً من مشكلة الميزانية الإجمالية.
يمكن للضمان الاجتماعى الدفع بشكل مستدام حتى عام 2034 بفضل الاحتياطيات التى تراكمت فى السنوات السابقة وضرائب الرواتب السنوية.

لكن مع زيادة المزايا التى يكسبها العمال ويطالبون بها سيتم استنزاف الاحتياطيات، وسوف تغطى الإيرادات المتوقعة فقط حوالى ثلاثة أرباع الفوائد التى يستحقها العمال، ما يترك البرنامج يعانى نقصاً كبيراً، إلى جانب إنشاء برنامج مستدام من الناحية المالية تتمثل الأولوية الرئيسية للإصلاح فى الحفاظ على ميزات التأمين الاجتماعى ومكافحة الفقر وتعزيزها.

7- الأمان الاجتماعى:

تعانى شبكة الأمان الاجتماعى الأمريكية من انتشار الكثير من الثقوب، فأغلى ما تملكه الأمة هو شعبها، لكن المعاناة فى تزايد للحفاظ على برامج الضمان الاجتماعى والتأمين ضد العجز والرعاية الطبية والرعاية الطبية، وتعمل الحكومة الفيدرالية على تعزيز الأمن الاقتصادى من خلال توفير يد العون لأولئك الذين يواجهون صعوبات مؤقتة أو طويلة الأجل.
وتفيد هذه البرامج البالغين وأطفالهم من خلال الحد من الفقر وتحسين النتائج التعليمية وزيادة الأرباح فى المستقبل وتحسين الصحة والحد من الجريمة، ومع ذلك، فإن الانفاق على مثل هذه البرامج أقل بكثير مما تنفقه الدول الأوروبية، ويجب أن يكون تعزيز هذه البرامج والاستثمار أكثر فى الأطفال جزءاً من أى حزمة إصلاح مالى.
هناك مشكلة خاصة هى أن معدلات المشاركة فى برامج شبكة الأمان الاجتماعى منخفضة للغاية؛ حيث تحصل 23 % فقط من الأسر المؤهلة على إعانات مؤقتة للعائلات المحتاجة، بينما تحصل ربع الأسر المؤهلة فقط على مساعدة إيجار فيدرالية، و16% فقط من الأسر المؤهلة للحصول على مساعدة فى مجال الطاقة تحصل عليها. ويمكن مساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل كبير من خلال ضمان حصول الناس على جميع المزايا التى يتأهلون لها.

8- رأس المال الفيدرالى:

اقترب صافى الاستثمار فى رأس المال الفيدرالى من الصفر خلال السنوات الـ25 الماضية، فى حين تتمثل إحدى الطرق التى تساعد بها الحكومة الفيدرالية على تعزيز النشاط الاقتصادى فى الاستثمار فى البنية التحتية مثل الطرق السريعة والنقل الجماعى والطيران وموارد المياه، وتسمح البنية التحتية الأفضل بنقل وتوصيل السلع والخدمات والأفكار بشكل أرخص، ويمكن أن تزيد بشكل مباشر من إنتاجية الشركات والأفراد.
ومع ذلك، يبلغ إجمالى الاستثمار الفيدرالى الآن أدنى نسبة له من الناتج المحلى الإجمالى منذ عام 1947، وبعد حساب انخفاض رأس المال، اختفى صافى الاستثمار الفيدرالى تقريباً.
وبلغ صافى الاستثمار فى الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية فى البنية التحتية غير الدفاعية أدنى مستوياته منذ أكثر من ستة عقود، ففى عام 2016، قدرت الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، أن البلاد تحتاج إلى 10.8 تريليون دولار على مدى 25 عاماً للمحافظة على البنية التحتية الحالية وإعادة بنائها وبناء هياكل جديدة تتوافق مع متطلبات سكان المستقبل.
وإذا كان هذا الرقم أكبر من أن يفهمه المسئولون فعليهم أن يفكروا فيه بدلاً من رفضه، فالوضع سيئ جداً لدرجة أن شركة دومينو اتخذت قراراً بالاستثمار فى إصلاح الطرق المحلية؛ حتى يتمكن سائقوها من السفر بأمان أكبر، ومن الواضح أن البنية التحتية للبلاد بحاجة ماسة إلى الإصلاح والمزيد من التطوير، وأى حزمة إصلاح مالى يجب أن تعزز الاستثمارات فى البنية التحتية بشكل كبير.

9- ضرائب الأغنياء:

يعتبر رفع الضرائب على الأغنياء هو الفكرة الصحيحة فى الوقت المناسب لعدة أسباب، فبالنسبة للمبتدئين، شهدت الأسر ذات الدخل المرتفع ارتفاعاً حاداً فى الدخل على مدار الأربعين عاماً الماضية، لكن متوسط معدل الضريبة ظل ثابتاً نسبياً.
فى النظام التدريجى، يجب أن يرتفع متوسط معدلات الضريبة مع ارتفاع الدخل، لذا فهى تستحق الزيادة، كما أن معظم فوائد النمو فى العقود الأخيرة قد ذهبت إلى الأسر ذات الدخل المرتفع، ومع مزيد من النمو فى المستقبل، فإنَّ الكثير من المكاسب ستتحقق للأسر ذات الدخل المرتفع أيضاً، لذلك ينبغى عليهم الدفع مقابل الاستفادة، بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الضرائب على الأسر ذات الدخل المرتفع هى الطريقة الوحيدة المهمة لجعلهم يشاركون فى عبء حل مشكلتنا المالية طويلة الأجل.
لن تضر زيادة الضرائب على الأغنياء بالنمو الاقتصادى؛ حيث تشير الأبحاث إلى وجود القليل من الارتباط بين كيفية تغيير البلدان لمعدل ضريبة الدخل الأعلى ومقدار نمو اقتصاداتها، وتشير الأدلة إلى أن مستوى الضرائب لا يبدو أن له تأثيراً كبيراً على النمو.
وتُظهر البيانات التاريخية الأمريكية تحولات ضخمة فى الضرائب مع عدم وجود أى تغير ملحوظ فى معدلات النمو والمقارنات عبر الدول تسفر عن نتائج مماثلة.

فى الفترة 1970- 2015، كانت الضرائب على جميع مستويات الحكومة أعلى بكثير كحصة من الناتج المحلى الإجمالى فى المتوسط فى بلدان مجموعة السبع الأخرى، مقارنة بالولايات المتحدة، لكن النمو السنوى للفرد الحقيقى كان متطابقاً تقريباً فى تلك البلدان والولايات المتحدة.
أفضل طريقة لرفع الضرائب على الأغنياء هى سد الثغرات المتعلقة بالمكاسب الرأسمالية وتقليص قدرتها على التهرب من الضرائب أو تجنبها، ويمكن ذلك فقط بعد توسيع القاعدة؛ حيث سيكون من المنطقى التفكير فى رفع المعدلات بشكل كبير؛ لأن رفعها دون توسيع القاعدة من شأنه أن يؤدى إلى تجنب الضرائب بشكل كبير أيضاً.

10- التهرب الضريبى:

لا يختلف تجنب الضرائب القانونى عن التهرب الضريبى فى الأثر المترتب عليه، فعندما لا يدفع الناس ضرائب مدينين بها، فإنهم لا يخدعون الحكومة فحسب، بل يقومون بتدمير جيرانهم.. مقدار الضرائب غير المدفوعة المستحقة قانوناً والتى تمثل الفجوة الضريبية أكبر مما يدرك معظم الناس.
وتشير الدراسات التفصيلية لمصلحة الضرائب، التى تم تحديثها حتى عام 2017، إلى أن الفجوة الضريبية فى تلك السنة بلغت حوالى 535 مليار دولار بنسبة 2.8% من الناتج المحلى الإجمالى، وكانت الفجوة أكبر بنحو 80% من العجز فى ذلك العام و16% بحجم الإيرادات الفيدرالية.
تعتمد معدلات التهرب على الميزات الإدارية للنظام الضريبى، ويكون الالتزام أعلى عندما تقوم أطراف ثالثة بإبلاغ الحكومة عن الدخل وتحصيل الضرائب، مثل الأجور. ويكون الامتثال أدنى ما يكون عندما لا يكون هناك تقارير مشتركة بين الأطراف عن الدخل ولا يتم فرض ضرائب مثل الدخل من الملكية الفردية والتى تمثل وحدها ما يقرب من 30% من كامل ضريبة دخل الأفراد التى لا ترصدها الفجوة الضريبية كتهرب ضريبى، وهى هنا مثال للتجنب الضريبى.


إذا جمعت الحكومة الفيدرالية كل دولار من الضرائب المستحقة عبر النظام، فستختفى المشاكل المالية إلى حد كبير، ومع ذلك، قد يكون ذلك مستحيلاً ما لم ترغب الدولة فى منح مصلحة الضرائب مزيداً من السلطة والموارد للتحقيق فى الاحتيال الضريبى.

ويعد خفض الإنفاق على مصلحة الضرائب، كما فعل صناع السياسة فى السنوات الأخيرة نوعاً من الغباء، فالتمويل الكافى لمصلحة الضرائب لمتابعة فرض الضرائب من شأنه أن يرفع العائدات، ويؤكد للجمهور أن النظام لم يتم تزييفه لصالح الأثرياء.

11- ضريبة القيمة المضافة:

لحل المشكلة المالية الأمريكية، ستحتاج الولايات المتحدة إلى إيرادات أكثر مما يمكنها الحصول عليه من خلال إصلاح الضرائب الحالية وواحدة من أكثر الطرق فعالية لزيادة الإيرادات هو سن ضرائب الاستهلاك مثل ضريبة القيمة المضافة.
على الرغم من وجود ضريبة القيمة المضافة فى أكثر من 160 دولة، فإنَّ أمريكا لم تفرض ضريبة استهلاك وطنية واسعة النطاق والتى يمكنها أن تقدم الكثير وأهم ما فى ذلك أنها تجمع المال.
يوجد فى الإصلاح الضريبى ضريبة القيمة المضافة وعندما تحتل مكانها، فإنَّ هذا المكان هو الذى يوجد فيه المال، وهذا معروفة فى بلدان منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية باستثناء الولايات المتحدة؛ حيث تعد ضريبة القيمة المضافة هى ثالث أكبر مصدر للإيرادات بعد ضرائب الدخل والرواتب.
تعد ضريبة القيمة المضافة أكثر ملاءمة للنمو الاقتصادى من ضرائب الدخل وأسهل من فرض ضرائب مبيعات التجزئة، ويجادل المنتقدون بأن ضريبة القيمة المضافة الفيدرالية يمكن أن تضر بالأسر ذات الدخل المنخفض، والشركات الصغيرة، والمسنين وحكومات الولايات والحكومات المحلية، لكن هذه المخاوف إما مبالغ فيها وإما يمكن معالجتها بسهولة.
وعن سبب عدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة، سخر ذات مرة لارى سامرز، الخبير الاقتصادى بجامعة هارفارد من أن السبب هو أن “الليبراليين يعتقدون أنه تفكير رجعى بينما يعتقد المحافظون أنها آلة لكسب النقود”، يصف اقتباس “سامرز” بدقة النطاق الواسع لرؤية الأشخاص لضريبة القيمة المضافة ولكن لا يوجد سبب يمنع من اقتران الضريبة بالسياسات الأخرى لإنشاء حزمة مثالية شاملة تعالج المخاوف.

12- ضريبة الكربون:

يجب على الولايات المتحدة اعتماد ضريبة الكربون، فهذا من شأنه أن يقلل من الديون المستقبلية، ويصحح عدم الكفاءة الرئيسية فى الاقتصاد، ويخفض انبعاثات الكربون، ويخفض التلوث ويحارب ظاهرة الاحتباس الحرارى، ويحسن الصحة ويقلل من الازدحام المرورى ويزيد الاستثمار فى الطاقة النظيفة.
أحد الشواغل هو أن تسعير الكربون سيعزز تراجع صناعة الفحم مع مرور الوقت، لكن تزويد كل عامل فحم فى الولايات المتحدة بدفعة نهاية خدمة قدرها 250000 دولار للتعويض سوف يكلف أقل من 1% من مكاسب الإيرادات لمدة 10 سنوات من تنفيذ ضريبة الكربون.
وتراجعت العمالة بمقدار الثلثين بين عامى 1987 و2017، وقد ألحقت هذه الوظائف الضرر بالعديد من المجتمعات، لكن الوظائف لم تعد كما كانت حيث إن الخيارات النظيفة بما فى ذلك الغاز الطبيعى جعلت الفحم أقل جاذبية.
ويجب على صانعى السياسة تقديم مساعدة مالية انتقالية للعمال المتضررين (كما ذكر التقرير)، وكذلك على المجتمعات والصناعات مساعدتهم؛ لكسب الدعم السياسى فى الكونجرس لسن ضريبة الكربون. ولحسن الحظ فإن هذه المساعدة لا تتطلب سوى حصة ضئيلة من الإيرادات من الضريبة.
تفرض الولايات المتحدة، حالياً، ضرائب منخفضة جداً على الوقود الأحفورى بالنسبة لنظرائها الأوروبيين. وعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط ضريبة البنزين الفيدرالية وحكومة الولاية مجتمعة حوالى 16 مرة أقل من المعدل الفعلى للضرائب على البترول فى دول مجموعة السبع الأخرى وأصغر تسعة أضعاف من ضريبة وقود الديزل.
ويوجد العديد من الدول التى لديها بالفعل ضرائب على الكربون، ومن المرجح أن تفعل المزيد من الدول بهدف الامتثال لاتفاقيات المناخ والانبعاثات العالمية الأخيرة والتى تماطل الولايات المتحدة فى الالتزام بها.

أرقام متعلقة

78 % نسبة الدين من الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة وينمو بثبات

90 % من دخل ثلث المسنين من برنامج الضمان الاجتماعى

535 مليار دولار حجم الفجوة الضريبية

المصدر: جريدة البورصة

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية