أى بائع تجزئة عاقل سيكون قلق بشأن ارتفاع التعريفات الجمركية حتى قبل فرضها فعلياً، وستكون خطوتهم الأولى على الأرجح هى رفع الأسعار
ربما تكون تغريدات ترامب نوع من تكتيكات التفاوض عالى المخاطر، ولكن الأفعال المتهورة، والسياسات الجاهلة يكون لديها تأثيرات فى العالم الحقيقى
«الحروب التجارية جيدة وسهلة الفوز»، هكذا قال الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، العام الماضى عندما بدأ أول جولة من التعريفات على الواردات الأجنبية.
ويبدو أن الأمور سارت بشكل جيد وسهل لدرجة أنه يحضّر لجولة جديدة، ويستعد ترامب لزيادة التعريفات بنسبة %10 إضافية على واردات بقيمة 200 مليار دولار من الصين إلى %25 يوم الجمعة، حسبما غرد أمس الأول الأحد، ما بدد سريعاً أى آمال بأن المحادثات التجارية كانت فى مسارها الأخير نحو حل معقول.
ولدى الرئيس مبرراً للفرض العشوائى لضريبة تجارية بقيمة 30 مليار دولار عبر تغريدة، وهو أن الصينين سوف يدفعون فى كل الأحوال.
وفى الواقع، هذا ليس وهماً فى نفس مستوى «المكسيك سوف تمول بناء الجدار»، فنظرياً، الحجة لها أسس قوية إلى حد ما، وإذا وضعت الولايات المتحدة تعريفة بنسبة %25 على الأجهزة المستوردة من الصين، سوف يتحول المستهلكون الأمريكيون لشراء الأجهزة الأرخص من الدول الأخرى التى لا تخضع لتعريفات، وسوف تخفض المصانع الصينية الأسعار للاحتفاظ بالحصة السوقية وينتهى بها الأمر بدفع حصة جيدة من تكاليف التعريفات.
ولكن هذه النظرية المنمقة تنهار بمجرد أن ننتقل من النماذج الاقتصادية المبسطة إلى العالم الحقيقى، فإذا نظرنا إلى موائد العشاء على سبيل المثال، سنجد أن واشنطن وضعت %10 تعريفة على الأثاث، بجانب مجموعة أخرى من المنتجهات الاستهلاكية فى سبتمبر الماضى، وتشترى الولايات المتحدة حوالى نصف أثاثها المستورد من الصين، وعادة يحتفظ بائعى الأثاث بالتجزئة الأمريكيين بمخزونهم لثلاثة إلى أربعة أشهر قبل بيعه.
وأى بائع تجزئة عاقل سيكون قلق بشأن ارتفاع التعريفات الجمركية حتى قبل فرضها فعلياً، وستكون خطوتهم الأولى على الأرجح هى رفع الأسعار.
ومن ناحية، يريد بائعو التجزئة بشكل عام رفع الأسعار إلى الحد الذى تسمح به المنافسة، ومن ناحية أخرى، قلص الممثل التجارى الأمريكى، روبرت لايتزر، بعناية قائمة المنتجات التى ستصيبها التعريفات بحيث استثنى البنود الأكثر مبيعاً والتى سيتسبب ارتفاع أسعارها فى صدمة للمستهلكين ومعارضة سياسية، ووفقاً لذلك من المفترض أن يكون بائعى الاثاث واثقين من أن المستهلكين لم يشتروا موائد عشاء العقد الجارى، وبالتالى لن يكونوا حساسين لتحركات الأسعار.
وهذا بالضبط ما وجده الاقتصاديون بقيادة آرون فلاين من الفيدرالى الأمريكى، فى بحث الشهر الماضى، فلم تؤدى تعريفات ترامب السابقة على غسالات الأطباق إلى رفع أسعار هذه المنتجات فحسب، وإنما رفع التجار أسعار المجففات التى لم تخضع لرسوم، ربما للموازنة بين أسعار المنتجين الذين نادراً ما يتم شرائهما.
وعند مرحلة معينة، قد تتوقع أن يزول هذا التأثير، لأنه إذا واجه بائعوا الأثاث الأمريكيون تعريفة دائمة على موائد العشاء الصينية، فقد يتحولون إلى موردين مختلفين فى المكسيك أو فييتنام أو ماليزيا على سبيل المثال، وهو ما قد يدفع المصانع الصينية على دفع الجزء الأكبر من التعريفة عندما يضغط عليهم التجار لتخفيض الأسعار إذا أرادوا الاحتفاظ بالحصة السوقية.
ولكن تكمن المشكلة فى أنك لا يمكن أن تنقل قطاع بقيمة 38 مليار دولار إلى دولة جديدة فى ليلة وضحاها، ولن تمتلك مصانع موائد العشاء فى المكسيك وفيتنام وماليزيا على الأرجح القدرة الإنتاجية الفائضة اللازمة لحل محل الصين.
وتبلغ واردات الأثاث الأمريكية من الثلاث دول مجتمعين أقل من نصف الواردات من الصين وحدها، وتتكرر نفس الصورة عبر مجموعة من القطاعات الأخرى وفى أكثر الفئات التى تتواجد فيها الصين بقوة، وتشكل الصين أكثر من ثلث الواردات الأمريكية.
وإذا تواصل متجر أثاث أمريكى مع مصنع فى مدينة «هو تشى منه» الفيتنامية من أجل استبدال واردات موائد العشاء الصينية، قد يسأل المدراء أنفسهم إذا كان الامر يستحق إنفاق الأموال على خط إنتاج جديد وتوظيف عمالة إضافية، وقد يكون الأمر يستحق، ولكن ماذا إذا غير ترامب رأيه الشهر المقبل وخفض التعريفات مجدداً، سوف يجدون أنفسهم يحملون عبء الإنتاج الفائض الذى لا يستطيع المنافسة فى عالم خالى من التعريفات.
وكتب اقتصاديون من البنك الفيدرالى لولاية نيويورك، بقيادة مارى أميتى، بحثاً نشر فى مارس الماضى، ووجد أن التأثير الكامل للتعريفات الأمريكية حتى الآن يقع على المستهلكين المحليين، وتوصل بحث أخر بقيادة الاقتصادى بابلو فاجيجلباوم من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس إلى نفس النتيجة، وكانت معدلات التبادل التجارى الأمريكية مرتفعة ولكنها تتراجع تدريجياً منذ الربع الثانى من العام الماضى أى قبل فرض الجولة الأولى من التعريفات على الصين.
وربما تكون تغريدات ترامب نوع من تكتيكات التفاوض عالى المخاطر، ولكن الأفعال المتهورة، والسياسات الجاهلة يكون لديها تأثيرات فى العالم الحقيقى، وتدرس الصين حالياً إلغاء رحلة كبير مفاوضيها ليو هى، واستغلال السياسة التجارية الأمريكية وفق أهواء البيت الأبيض ليست طريقة جيدة لحماية الاقتصاد الأمريكى.
بقلم: ديفيد فيكلينج
كاتب مقالات رأى لدى وكالة أنباء «بلومبرج»، ويغطى السلع والشركات الصناعية والاستهلاكية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا