يمثل اقتراح مضمونه، أن «الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بحاجة إلى التوقف عن التخلف عن التطورات التضخمية على الأرض»، طريقة مهذبة لوصف ما يجب أن يفعله أقوى بنك مركزى فى العالم عندما تجتمع لجنة السياسة الخاصة به الأسبوع الجارى.
بصراحة أكبر، يحتاج الفيدرالى إلى التوقف فورًا عن برنامجه لشراء الأصول، وتوجيه الأسواق نحو توقع 3 زيادات وربما أكثر فى الفائدة العام الحالى وتقديم موعد الإعلان عن خطط تخفيض ميزانيته العمومية إلى مارس، كما يحتاج أيضًا إلى شرح كيف كانت توقعاته الخاصة بالتضخم خاطئًة جدًا ولماذا تأخر فى الاستجابة بشكل صحيح، ودون ذلك، سيعانى لاستعادة الخطاب السياسى واستعادة مصداقيته.
منذ أن اجتمعت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التى وضعت السياسة آخر مرة فى 14-15 ديسمبر، تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسى فى الولايات المتحدة نسبة %7، وتجاوز المقياس الأساسى لارتفاع الأسعار نسبة %5 مع توسع محركات الأسعار، وانخفضت معدلات البطالة إلى أقل من %4، فى حين ظلت المشاركة فى القوى العاملة دون تغيير، وظلّت دون مستويات ما قبل انتشار الوباء.
علاوة على ذلك، فإن تقدير الاحتياطى الفيدرالى لمقياس التضخم المفضل لديه – مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصى الأساسى – لعام 2021 هو %4.4، أى أكثر من ضعف ما كان يتوقعه قبل عام، وتم رفع توقعات عام 2022 إلى %2.7، وثمة مراجعات تصاعدية أخرى غير مستبعدة فى عام 2022 بالتأكيد.
وتتعلق كل تلك البيانات مباشرة بمهمة الاحتياطى الفيدرالى، وتشير إلى أن السياسة النقدية يجب ألا تكون ميسرة بعد الآن، ومع ذلك، لايزال التحفيز فائقاً، ويبدو أنه على مسار البقاء كذلك فترة من الوقت، بدلاً من الضغط على المكابح، لايزال الفيدرالى يضغط على المسرّع: أسعار الفائدة الحقيقية بعد أخذ التضخم فى الاعتبار سلبية للغاية، وبينما هو فى طريقه لإيقاف برنامج التحفيز الكمى فى نهاية الربع الحالى، فإنه يواصل ضخ الأموال فى سوق تعج بالسيولة.
لا عجب فى أن الظروف المالية ظلت فضفاضة تاريخيًا رغم التحول الدراماتيكى فى دعوات المحللين لتشديد السياسة بعد أن تخلى رئيس الاحتياطى الفيدرالى، جاى باول، مؤخرًا عن التوصيف «المؤقت» للتضخم فى نهاية نوفمبر.
ولاتزال ضغوط توقعات التضخم تتأجج ليس فقط بسبب زيادات أسعار المنتجين التى تتسلل للنظام، ولكن أيضًا بسبب النقص المستمر فى العمالة، والمزيد من الاضطرابات فى جانب العرض والارتفاع الآخر بنسبة %10 فى أسعار النفط خلال يناير.
بعد أن أساء وصف التضخم بشكل كبير خلال معظم عام 2021 وفقد أدوات السياسة الواحدة تلو الأخرى، فإن رد الفعل المتأخر المستمر لسياسة الاحتياطى الفيدرالى يخاطر بما حذر منه باول نفسه من «تهديد خطير» لسبل العيش، وبالتالى، فى اجتماعه الأسبوع الحالى، يجب أن يرسل رسالة واضحة مفادها أنه جاد فى معالجة الضغوط التضخمية.
يجب أن يتم ذلك عن طريق الإنهاء الفورى للتسهيل الكمى، والتوجيهات المستقبلية بشأن 3 ارتفاعات فى أسعار الفائدة والإشارة إلى أن ميزان المخاطر قد يميل إلى سياسات أكثر صرامة، ويجب على بنك الاحتياطى الفيدرالى الإعلان فى شهر مارس عن خطة «التشديد الكمى».
لجعل كل هذا دون مصداقية يجب على المسئولين أيضًا أن يوضحوا سبب سوء فهمهم للتضخم فترة طويلة (كما حدث سابقًا، أعتقد أن هذا سيُسجل فى التاريخ كواحد من أسوأ توقعات التضخم للبنك المركزي)، وكذلك توضيح كيف هم الآن أفضل فى دمج مجموعة أوسع من المؤشرات التصاعدية فى نماذجها الكلية وتوقعاتها.
وهذا ما أعتقد أن «الفيدرالى» يجب أن يفعله، ومع ذلك، أخشى ألا يفعله من خلال التجربة قبل ثلاث سنوات عندما أجبره تقلب السوق على تغيير مساره (أى العودة إلى سياسة نقدية أكثر تيسيراً رغم أن الاقتصاد لم يبرر ذلك)، قد يفضل الاحتياطى الفيدرالى نهجًا أكثر تدريجيًا، لكن لدى الاحتياطى الفيدرالى فرصة الأسبوع الحالى للحاق بالواقع على الأرض واستعادة بعض مصداقيته المفقودة، وللقيام بذلك، يجب أن يكون جريئاً، وقد يؤدى الاستمرار فى مساره الحالى إلى حدوث خطأ آخر أكثر تخريبًا فى السياسة فى وقت لاحق من العام الحالى.
بقلم: محمد العريان
المستشار الاقتصادى لمجموعة «أليانز» و«غرامسرى»، رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا