ترتفع تكاليف المعيشة بشكل حاد بدءاً من شراء السلع والمنتجات الغذائية، مروراً بالملابس، وصولاً إلى رسوم الكهرباء والبنزين، ليس فقط في دولة أو منطقة بعينها، ولكن في جميع أنحاء العالم.
بلغ التضخم العالمي أعلى مستوياته منذ عام 2008، وبات يشكل ازعاجاً للبنوك المركزية، ويتزامن مع ذلك نقص في المعروض وزيادة في الطلب سواء في سلع الغذاء أو مواد الطاقة، ما أدى إلى زيادة أسعار كل شئ تقريباً، بحسب “بي بي سي”.
على سبيل المثال، ارتفعت أسعار المستهلكين في أمريكا بقوة في يناير، مما أدى إلى أكبر زيادة في التضخم السنوي في الولايات المتحدة منذ 40 عامًا.
على المستوى المحلي، ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر خلال يناير أيضا إلى 8%، مسجلا أعلى مستوى منذ سبتمبر من العام الماضي.
ارتفاع أسعار الطاقة
تراجعت أسعار النفط في بداية تفشي كورونا، لكنها لم تستمر كثيراً؛ إذ عاد الطلب إلى الارتفاع بقوة بعد مرحلة من التعافي النسبية وبدء توزيع اللقاحات، حتى وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى في سبع سنوات.
اقرأ أيضاً:النفط يرتفع لأعلى مستوى في 7 سنوات متأثراً بالتوترات الجيوساسية بالشرق الأوسط
بالطبع ارتفاع النفط يؤثر على تكلفة البنزين، وهو ما حدث في دول كثيرة، كما الحال في الولايات المتحدة حاليًا؛ حيث وصل سعر الجالون إلى 3.31 دولارًا من 2.39 دولارًا قبل عام، وهو الأمر أيضاً في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول العربية من بينها مصر.
ارتفعت أيضاً أسعار الغاز، وسط شتاء قارس البرودة، أدى ذلك إلى الاعتماد على عليه بشكل كبير في التدفئة وتحديداً في أوروبا، ما ساهم في استنزاف احتياطيات الغاز الأوروبي.
نقص السلع
قفزت أسعار العديد من السلع الاستهلاكية خلال العام الماضي، وتحول إنفاق المستهلكون الذين بقوا في منازلهم خلال فترة الإغلاق العام الماضي على السلع المنزلية وتحسينات المنازل؛ لأنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى المطاعم أو في عطلة بسبب القيود.
على الجانب الآخر، يكافح المصنعون في مناطق مثل آسيا – التي واجهت العديد منها عمليات الإغلاق – لمواكبة الطلب منذ ذلك الحين.
أدى ما سبق إلى نقص في المواد مثل البلاستيك والخرسانة والصلب، وبالتبعية زادت الأسعار، وارتفعت تكلفة الأخشاب بنسبة 80٪ عن المعتاد في عام 2021 في المملكة المتحدة ووصلت إلى أكثر من ضعف سعرها المعتاد في الولايات المتحدة.
قام كبار تجار التجزئة الأمريكيين مثل “نايك” و”أديداس” و”كوستكو” بزيادة أسعارهم بسبب ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد.
من ناحية أخرى شهد العالم نقصا في الرقائق، وهي مكونات حيوية في السيارات وأجهزة الكمبيوتر والسلع المنزلية الأخرى.
ارتفاع تكاليف الشحن
غرقت أيضاً خطوط نقل السلع في البر والبحر في زيادات الطلب العام الماضي.
ذلك يعني أن تجار التجزئة والمستوردين اضطروا إلى دفع الكثير للحصول على السلع، نتيجة لذلك تحمل المستهلكون تكلفة نقل المنتجات، وزادت الأسعار.
تبلغ تكلفة إرسال حاوية واحدة بطول 40 قدماً من آسيا إلى أوروبا حاليًا 17000 دولار، ما يعني زيادة بأكثر من 10 مرات عن الشهور الأولى من العام السابق، عندما كانت التكلفة 1500 دولار، صاحب ذلك أيضا ارتفاع في رسوم الشحن الجوي.
في ديسمبر الماضي، بدات اختناقات النقل تتراجع؛ إذ تمكنت الولايات المتحدة نسبياً في التغلب على الازدحام القياسي في موانئها.
لكن “أوميكرون”وظهور متغيرات كورونا المستقبلية يمكن أن يكون له رأياً آخر في استمرارية تخفيف حدة أزمات التوريد.
على العصيد التجاري تراجعت حركة الصادرات والواردات الدولية في معظم اقتصاديات العالم، وارتفعت معها التعريفات الجمركية على كثير من البضائع، وهذه الزيادات جاءت على عاتق المستهلكين.
زيادات الأجور
في الولايات المتحدة، شهد شهر أبريل استقالة أكثر من 4 ملايين شخص من وظائفهم، وفقًا لوزارة العمل، وهو أكبر ارتفاع على الإطلاق.
نتيجة لذلك، تواجه الشركات مشاكل في تعيين موظفين مثل السائقين والمندوبين ونوادل المطاعم.
أشارت دراسة استقصائية شملت 50 من كبار تجار التجزئة في الولايات المتحدة إلى أن 94٪ منهم يواجهون مشكلة في ملء النقص الوظيفي.
يفرض ما سبق، على الشركات دفع الأجور أو تقديم مكافآت تسجيل الدخول لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم؛ حيث تقدم ماكدونالدز وأمازون مكافآت توظيف تتراوح من 200 دولار إلى 1000 دولار.
هذه التكاليف الإضافية لصاحب العمل يتم نقلها مرة أخرى إلى المستهلكين، وألقت العلامة التجارية العالمية للملابس “نكست” باللوم في زيادات الأسعار -المخطط لها لعام 2022 – على ارتفاع تكاليف الأجور.
تأثير المناخ
ساهم الطقس البارد في دول كثيرة من العالم في ارتفاع معدلات التضخم؛ حيث تعرضت إمدادات النفط العالمية لضربة من الإعصارين “إيدا” و”نيكولاس”، اللذان مرا بخليج المكسيك وألحقا أضراراً بالبنية التحتية النفطية الأمريكية.
وتفاقمت مشاكل تلبية الطلب على الرقائق بعد عاصفة شتوية شديدة أغلقت المصانع الكبرى في تكساس العام الماضي.
قفزت أيضاً تكلفة البن بعد أن كان محصول البرازيل -أكبر منتج في العالم- ضعيفًا في أعقاب أشد جفاف شهدته منذ ما يقرب من قرن.
تراجع دعم الحكومات
تتراجع الحكومات في جميع أنحاء العالم عن الدعم المقدم للشركات، للمساعدة في تخفيف تداعيات كورونا.
أيضاً زاد الإنفاق العام والاقتراض في كل البلدان أثناء الوباء، وأدى ذلك إلى زيادات ضريبية ساهمت في ضغط تكلفة المعيشة.
يرى بعض الاقتصاديين، أن هذه العوامل قد تدفع التضخم إلى أعلى من المستويات الحالية، وسوف يكون الأمر صعباً على معظم البنوك المركزية في العالم.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا